التجربة المغربية في الإصلاح الزراعي 1962 - 19673
2 مشترك
صفحة 1 من اصل 1
التجربة المغربية في الإصلاح الزراعي 1962 - 19673
التجربة المغربية في الإصلاح الزراعي
بين عالمية الفكر وخصوصية التطبيق
بين عالمية الفكر وخصوصية التطبيق
بقلم: محمد العمراني
1. الإصلاح الزراعي فكرة وهدفا:
الإصلاح الزراعي :(Réforme agraire) هو مجموعة الإجراءات التشريعية والتنفيذية التي تقوم بها السلطات العامة لإحداث تغييرات إيجابية في الحقوق المتعلقة بالأرض الزراعية من حيث ملكيتها وحيازتها والتصرف بها، لينجم عن هذه التغييرات إلغاء احتكار الأرض الزراعية أو تقليصه وضمان توزيع أكثر عدالة في الثروة والدخول. ويتم ذلك عن طريق وضع حد أعلى للملكية الزراعية الخاصة لا يجوز تخطيه، والاستيلاء على ما يتجاوز هذا الحد من أراض وتوزيعها على فقراء الفلاحين المستحقين وفقاً لشروط وأولويات تختلف باختلاف الأوضاع السياسية والاقتصادية والسكانية والاجتماعية لكل بلد.
بهذا فلقد كان الإصلاح الزراعي في الماضي، كما تقول (دورين ورينز) "عملا اجتماعيا مجردا من أهدافه، إذ حصل الفلاحون في دول أوربا الشرقية والمكسيك مثلا (في فترة ما بين الحربين) على الأرض وحدها دون أن يحصلوا على الوسائل التي تمكنهم من العمل فيها، سواء كانت هذه الوسائل قروضا أم تسهيلات تسويقية أو منشورات فنية وتقنية. واختلفت النتائج طبعا باختلاف كل بلد من هذه البلدان وأوضاعها، إذ ارتفع الإنتاج حينا وانخفض أحيانا ". وبموجب المفهوم القديم للإصلاح الزراعي كسياسة اجتماعية، كان الهدف منه مقتصرا على تقسيم الإقطاعيات وتفتيت الملكيات الزراعية الكبيرة وتوزيعها على جمهور الفلاحين والعمال الزراعيين (1).
ولأن الفترة التي شهدت هذه الإصلاحات الزراعية، كان يسمها الخلاف المبدئي الواضح المعالم بين المعسكر الغربي الذي تتزعمه الولايات المتحدة الأمريكية، والمعسكر الشرقي الذي يترأسه الاتحاد السوفياتي. فلقد ظهر مفهوم جديد للإصلاح الزراعي، نادت به الولايات المتحدة الأمريكية، لا يقتصر فقط على فرصة (التملك) فحسب، بل يشمل مختلف الإجراءات لمساعدة الفلاحين عن طريق منحهم ضمانة في حالات التملك، وإتاحة أنظمة أفضل لتقديم القروض لهم وتقديم التسهيلات التسويقية والخدمات الاستشارية والتثقيفية الزراعية وما شابهها (2). كل هذا كرد على تحدي المعسكر الاشتراكي في خضم الحرب الباردة. ولذلك تبنت الولايات المتحدة الأمريكية الدعوة للإصلاح الزراعي كجزء من سياستها الخارجية.
فأخذت فكرة الإصلاح الزراعي، بمفهومها الجديد، مكان الصدارة في الدول غير المتقدمة اقتصاديا، بعد الحرب العالمية الثانية (3). حيث يجب أن يهدف [هذا الإصلاح] إلى حل مشكلتين، هما: مشكلة التوزيع، ومشكلة الإنتاج. وعلى هذا الأساس يشمل المفهوم الجديد للإصلاح الزراعي العمل على إعادة توزيع الثروة الزراعية، وكذلك العمل على تحسين طرق استغلال الأرض وزيادة وتنويع إنتاجها، فهو بذلك سياسة اقتصادية زراعية بالإضافة إلى كونه سياسة اجتماعية أو أنه تغيير اجتماعي مصحوب بتغيير اقتصادي زراعي يهدف إلى زيادة إنتاجية الزراعة (4).
لكن رغم ذلك، فلقد، اتسم كل برنامج للإصلاح الزراعي بسماته المنفردة. ويعتمد ذلك على التطور التاريخي للبلد التي تطبقه، ومستوى التنظيم بين صفوف المجتمعات الزراعية فيه. وبالرغم من كل القضايا الخلافية عليه (الإصلاح الزراعي( واختلاف الاستراتيجيات.. ففي [بلدان] العالم الثالث مع استثناءات نادرة، لا يمكن القول أنه حدث إصلاح زراعي حقيقي ساعد على خروج الفلاحين من حالة الفقر. بالرغم من أن الغالبية من الفلاحين الفقراء تعيش هناك حيث يمثل سكان الريف وزنا كبيرا في تلك [البلدان] عنها في أي مكان آخر. ففي بعض [البلدان] يمثلون الأغلبية من السكان. ويرجع غياب الإصلاح الزراعي هناك إلى: وجود نموذج رأسمالي تابع، تتشكل فيه الملكيات الكبيرة معتمدة على تصدير المواد الأولية إلى الخارج. إضافة إلى النفوذ السياسي لأعيان الريف والملاك الكبار المتحدين مع البورجوازية المحلية والعالمية (5).
2. الخصوصية المغربية في توزيع الأراضي:
قرر الملك «الحسن الثاني» منح بعض الفلاحين الصغار الأشد تضررا، الأراضي الفلاحية أو ذات الأغراض الفلاحية التي تشكل جزءا من المجال الخاص بالدولة، والتي يمكن أن تجزأ أو توزع. وذلك بمقتضى الظهير الشريف رقم 1.72.277 بتاريخ 22ذي القعدة 1392 (29 دجنبر 1972). ويراد بالتجزئة حسب مدلول هذا الظهير: القطعة الأرضية المسلمة بصفة فردية، الحقوق المشاعة في أرض جماعية، أو التجزئة المتألفة من قطعة أرضية مستقلة ومن حقوق مشاعة في أرض جماعية (6). وذلك مع ضرورة إنشاء تعاونيات.
ويورد أستاذ العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، إدريس الكراوي (7) ، بأن الدولة تستهدف بهذا إدخال جزء من الفلاحين إلى نطاق الإنتاج الرأسمالي وذلك لسببين: الأول سياسي والثاني اقتصادي:
- من الناحية السياسية: يكمن هذا السبب في ضرورة التخفيض من حدة تهميش فلاحي المناطق التي تسودها الأشكال الجماعية وبالتالي في البحث عن توسيع الأسس الاجتماعية لدعم السلطة العمومية بالبادية وذلك عبر خلق فئة من الفلاحين، تستمد امتيازاتها من أراضي التوزيع ومن الإمكانيات المادية التي يوفرها لها التنظيم التعاوني.
- أما من الناحية الاقتصادية: فمادام الفلاحون المستفيدون مراقبون بواسطة الدولة من طرف الرأسمال الصناعي الذي تربطه معهم عقد إنتاج، فإنهم يصبحون في وضعية شبه أجرية لهذا الأخير، يتمتعون بالملكية الشكلية للأرض لكنهم فاقدون السيطرة على وسائل إنتاجهم وتبادلهم.
أ - شروط الاستفادة:
لذلك كان لزاما على هؤلاء الفلاحين الالتزام بانخراطهم في تعاونيات فلاحية، كان من الواجب أن تراعا فيها:
- كل تعهدات الاستثمار المفروضة من طرف المصالح الفنية المختصة.
- أداء الأقساط السنوية المستحقة عن تمن البيع.
- إرجاع السلف الذي سيمنح له (الفلاح).
- احترام شروط كناش أللالتزامات الذي سيضاف إلى عقد البيع.
كل هذا بالإضافة إلى تعهد المنتفع بمراعاة شروط الاستغلال المفروضة من طرف مكتب الاستثمار الفلاحي وهي:
- أن يكون المنتفع مغربيا، فلاحا أو مشتغلا بالفلاحة وبالغا من العمر أقل من 45 سنة.
- أن يستغل القطعة شخصيا وبصفة فعالة ومستمرة وبمشاركة جميع أعضاء عائلته الذين يعيشون معه. ولا يحق له المشاركة مع الغير في الاستغلال. أو الكراء أو استخدام يد عاملة مستمرة.
- وألا يتعاطى أي عمل بأجرة إلا إذا كان بصفة عارضة.
- وأن يسكن بالمكان الذي ينص عليه دفتر الالتزامات المتفق عليه.
- وأن ينخرط في التعاونية المؤسسة بين المنتفعين لتسهيل استغلال القطع وبيع المنتوجات. وعلى المنتفع إن كانت له أملاك أن يؤدي ثمن القطعة مجردا من قيمة المتاع والحقوق التي تخلى عنها لفائدة الدولة، ويكون الأداء مستمرا مبدئيا طول 20 سنة.
- ولا يحق للمنتفع أن يقسم القطعة الأرضية التي نالها أو يبيعها، إلا لفائدة الدولة.
- وعند وفاة المنتفع، فإن القطعة الأرضية ترجع إلى أحد ذريته تكون تتوفر فيه جميع الشروط المرغوبة. وينبغي له أن يؤدي للآخرين أقساطهم في الإرث ويمكن له أن ينال، لهذا الغرض، سلفا خاصا، أو تأجيل الأداءات.
وتعين لجن مختصة لمراقبة كيفية الاستغلال ويمكن لها، إن اقتضى الحال، أن تتخذ القرارات التي تراها ضرورية: (إنذار خلال السنتين الأوليين التي تعتبرها مرحلة ابتدائية). ويجدد هذا الإنذار بعد ذلك في ظروف قصيرة.
كما تمنحه الدولة إمكانية المساعدة الفنية والسلف الفلاحي:
ستمد الدولة المنتفعين بكامل المساعدة الفنية وسلفات سنوية، وأخرى للتجهيز تساعدهم على حسن القيام بواجباتهم. وسيقع تدقيق هذه الشروط وتكميلها، ولربما حتى تغييرها بنصوص تشريعية أو تنظيمية توجد الآن معروضة على مصادقة المراجع العليا (8).
ب - قراءة واستنتاج:
نستشف من خلال هذه الشروط المتعلقة بتوزيع الأراضي، والتي سهرت على تسطيرها وزارة الفلاحة والإصلاح الزراعي، عدة أبعاد اقتصادية واجتماعية وسياسية شكلت خصوصية بالنسبة للتجربة المغربية في الإصلاح الزراعي، بالمقارنة مع الفكرة والهدف الرئيسي الذي جعلت من أجله هذه السياسة. ذلك أن هذه التجربة كانت مرهونة بعدة خصوصيات داخلية كانت الدولة بالمغرب تسعى إلى عدم زعزعتها:
- على المستوى الاقتصادي:
1) تعد عبارة الحسن الثاني المرتبطة بالاقتصاد الإسلامي " إغناء الفقراء دون تفقير الأغنياء " شكلا جديدا في توزيع الأدوار الاقتصادية وضبط كل أشكال التوازنات داخل البادية المغربية، من خلال القوانين التي سطرتها وزارة الفلاحة والإصلاح الزراعي في ذلك الوقت، لفائدة الفلاحين المستفيدين من الأراضي الموزعة.
2) تمكنت وزارة الفلاحة والإصلاح الزراعي من خلق إدارة اقتصادية مركزية تسعى إلى ضبط الاقتصاد الفلاحي ومركزته من خلال سن مجموعة من القوانين الإجرائية والتنفيذية، لتحقيق مقولة « الاقتصاد التكاملي » بين القطاعات الإنتاجية الثلاثة (الفلاحة، الصناعة،التجارة).
3) حققت سياسة التعاونيات الفلاحية [تجميع الأراضي] أهدافا على مستوى الإنتاج واستصلاح الأراضي، حيث تحسنت إنتاجية الحقل الفلاحي عكس ما كانت عليه في السابق، سواء فيما يتعلق بوسائل الإنتاج أو المزروعات المعتمدة. كما تجاوزت الأشكال التقليدية في التوزيع والتسويق (الأسواق المحلية)، إلى ربط ثمار الفلاحة المغربية بالأسواق الوطنية والخارجية.
- على المستوى الاجتماعي:
1) تمكنت سياسة الإصلاح الزراعي من توفير فرص الشغل لجمهور من الفلاحين بدون أرض، وتحسين الظروف العامة ورفع مستوى عيش السكان القرويين.
2) تمكين الفلاح القروي من الحصول على الوسائل التي تسهل ظروف عيشه وبالتالي، خلق الشروط الاجتماعية للتوازنات داخل البوادي/ وبين المدينة والبادية.
3) تجميع السكان القرويين المتباعدين والعمل على خلق شروط تنميتهم اجتماعيا واقتصاديا، والتقليص من حدة الهجرة القروية.
4) اتجهت الدولة إلى إحداث مكاتب جهوية للاستثمار الفلاحي، وأيضا إلى خلق مجموعة من المراكز الإدارية والاجتماعية والتربوية حسب سياسة اللا تمركز، التي ستساعد الفلاح القروي على تقعيد أنشطته الاجتماعية والفلاحية.
- على المستوى السياسي:
1) لقد شكلت سنة 1956 مرحلة حاسمة بالنسبة [للقصر] في سبيل تطوير آليات للحفاظ على التوازنات الداخلية، وخلق شروط المنافسة الاقتصادية بتقييدها بمجموعة من القوانين والولاءات التي تسعى إلى محاصرة كافة الامتيازات التي تحضا بها البرجوازية التجارية والصناعية المدنية سابقا.
2) لقد كانت سياسة الدولة في القطاعات الاقتصادية رهينة بتدبير الأزمات السياسية، حيث كانت الدولة في البداية ومن خلال حكومة "عبد الله إبراهيم" تدفع بعقد اتفاقات ومنح امتيازات لصالح الإقطاعيين، فلقد "أصبح لحسن اليوسي القائد الأمازيغي السابق، الوفي لمحمد الخامس وزيرا للداخلية (9). وبدأ تهميش البرجوازية الفاسية.
3) بعد تمكن أحزاب المعارضة وخاصة تلك الأحزاب التي لها نفوذ واسع وقوي داخل القرى المغربية من استمالة كبار الإقطاعيين لحسابها، فكان رد فعل الدولة أن خلقت برامج اجتماعية وفلاحية كان الإصلاح الزراعي من بينها، الشيء الذي لعب دورا أساسيا في خلق التوازن الاجتماعي وتقسيم النفوذ السياسي لصالح القصر.
4) تمكنت الدولة من مأسست أهم القطاعات الاقتصادية (الفلاحة)، وتوجيهها بعيدا عن المناورات السياسية التي بدأت تسير إلى تدبير أزماتها [الانشقاقات الحزبية]. حيث فقد حس المناورة لصالح القصر الذي يتدخل بشكل مباشر في السياسات الاجتماعية العامة.
- الهوامش:
1. قصة الأرض والفلاح والإصلاح الزراعي في الوطن العربي. عبد الرزاق الهلالي. منشورات دار الكشاف للنشر والطباعة والتوزيع. ص: 353.
2. نفس المرجع. ص: 356.
3. نفس المرجع. ص: 357.
4. نفسه. ص: 358.
5. مقال: الكفاح من اجل الإصلاح الزراعي و التغيرات الاجتماعية في المناطق الريفية. فيا كامبسينا. نشر يوم الأربعاء 15 كانون الأول (ديسمبر) 2004 . المجلة الإلكترونية : المناضل-ة عدد: 3.
6. الجريدة الرسمية: الإصلاح الزراعي (منح بعض الفلاحين أراضي فلاحية أو قابلة للفلاحة من ملك الدولة الخاص). عدد 3178 بتاريخ 27 شعبان 1393 (26 شتنبر 1973).
7. الاقتصاد المغربي التحولات والرهانات. إدريس الكراوي. دار النشر المغربية. ص: 37,38.
8. مقتطف من وثيقة تسليم الأراضي للفلاحين من طرف وزارة الفلاحة والإصلاح الزراعي.
9. تاريخ المغرب منذ الاستقلال. بيير فيرمورين، ترجمة: عبد الرحيم حزل. أفريقيا الشرق. ص: 40.
محمد العمراني- المتطوع المساعد
-
عدد الرسائل : 737
تاريخ الميلاد : 16/04/1988
العمر : 36
الدولة : المغرب
المهنة : طالب ، مؤطر تربوي ، تقني إعلاميات
المدينة : قلعة أمكونة
الدولة :
احترام قوانين المنتدى :
MoUlAy YoUsSeF- نائب المدير
-
عدد الرسائل : 1332
تاريخ الميلاد : 05/10/1988
العمر : 36
الدولة : المملكة المغربية
المهنة : طالب
المدينة : casablanca
الهاتف : 0670766129
الأوسمة :
الدولة :
احترام قوانين المنتدى :
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى