ملكية الأرض، ودور الفلاحة في التنمية القروية
2 مشترك
صفحة 1 من اصل 1
ملكية الأرض، ودور الفلاحة في التنمية القروية
ملكية الأرض، ودور الفلاحة في التنمية القروية
بين سيطرة المخزن ودعوة المغاربة لإصلاح زراعي حقيقي
بقلم: محمد العمراني
طالب باحث في علم الاجتماع القروي والتنمية
I. الأرض، أهم محرك للسياسات التنموية بالمغرب:
تعتبر الأرض المحرك الأساسي للوحدات الاجتماعية في كل المجتمعات الزراعية، فقد كانت ولا تزال البؤرة المحورية التي يحتدم حولها صراع تلك الوحدات الاجتماعية سواء كانت حضرية أو ريفية )1(. لكن حالة المغرب كانت دائما مختلفة من حيث الصيغ والتركيبات الاجتماعية التي كان يتشكل منها، وذلك في ظل نظام الحكم الذي ظل سائدا في هذه البلاد حقبة طويلة من الزمن، حيث كان السلطان رأس الأمة (2). والذي ظل لزمن طويل في تلاحم [أو صراع] مع مؤسسات الماضي (3) (المخزن، القبائل، الزوايا ...إلخ).
وبحكم المرجعية الإسلامية التي ميزت جل العائلات الحاكمة، والمتعاقبة على الإمساك بمقاليد السلطة بالمغرب الأقصى كما كان المؤرخون يطلقون عليه منذ غزو العرب لشمال إفريقيا. اتخذت جل الأشكال العقارية المميزة له طابعا "مخزني" (4) ، فملكية الأرض في النسق المخزني تستند في اشتغالها إلى فكرة مركزية مؤداها أن "السلطان هو المالك الحقيقي لأراضي البلاد بأسرها، وهو الذي يعطي حق الانتفاع بها، من دون تملكها، إلى من يشاء من رعاياه مقابل دفع الضرائب لبيت المال، والقيام ببعض الالتزامات العسكرية عندما يطلب منه ذلك، ويقوم هؤلاء بدورهم بتخويلها لأتباعهم من الفلاحين" (5).
هذا الشكل المختلف من التركيبة الاجتماعي لبلاد المغرب، إضافة إلى نظام الحكم فيه، فرض أشكالا معينة من التسيير السياسي والاقتصادي وحتى الاجتماعي لها. فأصبح بذلك المحتوى الاجتماعي للدولة فيه يتمثل في تحالف واسع بين نبالة الدم )الأشراف( كفئة قائدة، وذوي المناصب الإدارية كالقواد والباشوات والعمال، والزعماء الدينيين كرجال الزوايا والعلماء والفقهاء بالإضافة إلى الفئات التجارية الأكثر غنى. فأصبح هم دولة المخزن "الشريفة" يكمن في المحافظة على التوازن بين هذه الفئات النافدة في المجتمع، مستخدمة في ذلك العنف )الحرْكة(، والإقناع، وسلطتها الرمزية الدينية، ومقدراتها الاقتصادية )الأرض والسوق(...(6) . في هذه الفترة؛ التي ظل النشاط الفلاحي من بين مميزاتها إن لم نقل الركيزة الأساسية لاقتصاد المغرب خلالها. وهو ما حدده السلطان الأول في إحدى مراسلاته، بأن أمور أهلها (البلاد) وحصول معاشهم ودوام نفعهم وعمارتهم إنما هو بالحرث واكتساب الماشية ولا حرفة مضاهية لهما وتوازيهما (7).
إذ كان المغرب عند بداية القرن التاسع عشر يظهر للزائر الأجنبي كبلد غير مزروع بما فيه الكفاية. وبالفعل، فقد اندهش عدد كثير من الملاحظين الأوربيين لشساعة الأراضي غير المزروعة. فقد لاحظ دو ليسيبس (M. De Lesseps) قلة الأراضي المحروثة بالرغم من خصب التربة. وعند أواسط القرن، أكد بوميي (A. Beaumier) أيضا أن الأراضي المزروعة لا تمثل بالكاد حتى ثلث المساحة القابلة للاستغلال (8).
من هنا بدأ الاهتمام الكبير بالمغرب، من طرف الدول الغربية منذ عدة سنوات قبل تقريرها الحماية عليه بشكل مباشر. فاتخذ هذا الاهتمام أشكالا عديدة من بينها منح القروض والمساعدات المالية للسلطان في فترات القحط والمجاعة أو الأوبئة...إلخ. بينما حاول البعض الآخر غواية السلاطين المتعاقبين على سدة الحكم بهذه البلاد، بعدة وسائل أخرى اتخذت طابع الاهتمام بأحوال المغرب وما آل إليه في تلك الفترة. فلقد رفع جون "دريموند هاي"، في سنة 1855، مذكرة إلى السلطان مولاي عبد الرحمان بن هشام، يعرض عليه حالة المغرب ويقترح علاجات للنهوض به، فقد أكد هاي أن هذا النهوض ببلاد تتوفر لها الأراضي الخصبة ومجاري المياه، والمراسي والساكنة المتنورة، كما هو المغرب، هو أمر ممكن بعون من الله (9).
ذلك بالطبع، بعد أن سال لعاب الأوربيين لما عرف آنداك من ثروة المغرب المائية، ووجود هذه الثروة مجاورة لثروة أخرى تتمثل في حقول شاسعة، ودفعت هذه الثروات المائية والأراضي الخصبة بالبعض إلى وصف المغرب بكاليفورنيا. واستدل الأوربيون على غنى المغرب بحركته التجارية مع البلدان الأوربية وبإنتاجاته القابلة للتصدير، مثل الماشية والحبوب والخضر والصوف والجلد (10) ... إلخ.
وقد عملت فرنسا على جعل من الفلاحة، قاعدة وجودها السياسي والعرقي، وكذلك قاعدة نشاطها الاقتصادي في المغرب. فبنت كل خططها لغزو المغرب وإقامة بنياتها التحتية وتجهيزاتها الاقتصادية والتقنية على أساس ما تمليه ضروريات استغلال ثروات العالم القروي المغربي، من فلاحة ومياه ومناجم (11).
هذا الاهتمام لم يكن اعتباطيا بطبيعة الحال، فبدلا من التورط في عدة عمليات عسكرية مكلفة، كانت الحماية، في هذا الصدد، تبذل قصارى جهودها في الحد ما أمكن من أوجه المعارضات والاعتراضات بالاعتماد على معرفة شبه سوسيولوجية للقبائل القروية، مع العمل في نفس الوقت على عزل التجمعات المعادية لها ثم مواجهتها بتعاون مع التجمعات التقليدية الأخرى المتنافسة معها (12).
فإدارة الحماية في ذلك الوقت كانت تقدم العناية الفائقة لكل من انتبهت إلى تفانيه في خدمة مصالحها الزراعية في المغرب. لذلك كانت جل مساعيها التنموية ومساعداتها المالية تتجه صوب هؤلاء بالدرجة الأولى. بينما تأتي فئة القياد في الدرجة الثانية. "فالقياد، هم ممثلوا المخزن داخل البوادي، وهم المسؤولون المباشرون عن إقرار الأمن والعدل ومراقبة البوادي حسب الشريعة والأعراف. والواسطة بين المخزن المركزي وسكان البوادي" (13). لذلك كانوا يتلقون مكافئات عديدة على ما يقومون به لفائدة الإدارة الفرنسية.
لكن تنازل السلطان مولاي عبد الحفيظ عن الملك، بعد توقيعه معاهدة الحماية. وما لبث أن غادر المغربّ، تحت وطأة المرض والضغط الشديد الذي وقع عليه من اليوطي. لم يثن شوكة القبائل المغربية، التي لم تخضع لهذه الظروف الجديدة إلا بشق الأنفس. وعن ذلك كتب أحد الضباط الفرنسيين الذين شاركوا في حملة الإخضاع هذه وهو يصف مقاومة هذا الشعب قائلا: " لم تخضع أي من القبائل دون مقاومة، ولم تأت قبيلة إلينا قط إلا بعد هزيمتها في ميدان القتال، وكل مرحلة من مراحل التقدم كانت نهاية معركة، وكل حركة كانت توجد حدا جديدا كان يجب أن ندافع عنه بخط من الحصون يحرسها رجالنا لسنوات طويلة وهم معرضون للخطر دون أن يجنوا أي مجد" (14).
لكن، لم تخل تلك الفترة بطبيعة الحال من خيانات عدة عناصر في صفوف هذه القبائل "المتسيبة"، لفائدة الجهاز العسكري الغربي آنداك. فطيلة مدة الحماية، سيعمل الأعيان على الاستفادة ما أمكن من السلطة التي يضمنها لهم الجهاز الأجنبي الحاكم. وذلك من أجل توطيد الأسس العقارية المترتبة عن سلطاتهم، ومن ثمة يتحولون، بشكل تدريجي، من قواد للحرب إلى كبار الملاكين (15).
فلقد اتجه ملاك صغار ومتوسطون كثر إلى التملك الخاص للأراضي )عشر الساكنة القروية – 600,000 شخص – يمتلك نصف الأراضي الصالحة للزراعة، أي 2 مليونا هكتار(. بيد أن المظهر الغالب يبقى ملكية "القياد العظام"، إذ أن 7500 من الإقطاعيين يتقاسمون فيما بينهم 1,8 مليون هكتار؛ أي ربع الأراضي الصالحة للفلاحة .. وكذلك شارك الملاك الحضريون في هذه الحركة التملكية للأراضي الواقعة من حول المدن. وإجمالا، فقد عاد نزع الملكيات من القبائل على الملاك العقاريين بخمسة أضعاف ما عاد على الاستعمار(16).
وفي هذا السياق دائما نجد جوليان كولوCouleau يصف هكذا في كتابه: "الطبقة الفلاحية المغربية"، نظام النخب المحلية في أيام الحماية: ‹‹ في فترة الحماية، عندما كانت الأمور كما لو أن القائد المحلي إنما يستمد ولايته الرسمية من عند الدولة، مع كامل الأداة القانونية التي يتضمنها هذا الإجراء، فإن هذا الأمر بالنسبة للجماعة Jemàa يعني أن ساعة الإحالة على التقاعد قد حلت، ومنذ الآن لم يعد لرئيس الجماعة، والحالة هذه، أي ثقل يذكر. وهكذا في هذه الفترة، وعلى امتداد مغرب السهول بالخصوص، هناك حيث تعرضت لأفدح الأضرار، لم يعد هناك أبدا أي فلاح قد يسأل عن أحوال القواد الجدد والقواد والشيوخ والمقدمين، إلا وأجابك الأول عن واقع أنهم "يأكلون" حقوق مواطنيهم، على اختلاف ما بين هذا أو ذاك›› (17).
ولعل هذا الإحساس بالخيانة من طرف ساكنة هذه القبائل المقاومة، هو ما أضعف شوكتها وفرض عليها الأمر الواقع. فالخيانات المتتابعة لبعض قوادها وشيوخها، أضعف هؤلاء الفلاحين المدافعين عن أرضهم وفلاحتهم. فاستكانوا أخيرا؛ فاستقر غالبيتهم في الجبال بعدما فقدوا أراضيهم الخصبة في السهول. فبدأ البعض الآخر من الفلاحين المغاربة تجربة جديدة، كعمال زراعيين في حقول المستوطنين الفرنسيين.
فانهارت التعاضديات المهنية، واختفت بعض المهن، مثل صناعة الأسلحة بفعل "نزع أسلحة السكان"، وصناعة المصابيح، بفعل تطور الأخذ بالإنارة الكهربائية، وصناعة الأقفال بفعل استيراد الأقفال من الخارج. كما تأثرت كثيرا، بفعل الاستيراد، صناعة معاصر الزيت ونسيج الصوف والقطن وصناعة الطرابيش. وانهارت تحت ضغط الاستيراد، صناعة الجلود، وبفعل تقلص استعمال الحصان كمطية في التنقل انهارت صناعة السروج، واختفت المطاحن التقليدية بفعل منافسة المطاحن العصرية، كما اختفت صناعة بعض مواد الأشغال العمومية. وكان انهيار الحرف التقليدية في الوسط القروي أكثر حدة، تحث ضغط الصناعات القادمة من المدن، وكذلك تحت تأثير بؤس الفلاحة المغربية المتنامي بفعل هجمة المستوطنين المزارعين وهمجية قوات الغزو وإهمال سلطات الاحتلال (18)للفلاحة والعقارات والأراضي المغربية على حساب مزارعها المحتلة.
فلم تستطع البنيات الاجتماعية التقليدية دمج وتوفير للساكنة القروية تلك النماذج الاجتماعية للتبادل (الفلاحة، الحرف التقليدية، التجارة...إلخ)، بعد المحاولات المباشرة وغير المباشرة والمتكررة من طرف المستعمر الفرنسي لتهجيرها نحو المدن، في بعض الفترات التي تلتها الانتقالات الجماعية لبعض القبائل الأخرى إثر التقسيمات الجديدة التي فرضها المستعمر على مجالات هذه القبائل. كما الظروف العالمية التي أنتجتها الحروب الكبرى، ما دعا إلى تهجير العديد من الساكنة القروية نحو الخارج لتوفير اليد العاملة هناك. الشيء الذي يمكننا وصفه بعدم التوازن بين الفئات الاجتماعية ذات الحق الطبيعي في الأرض والمهيمن عليها من جهة، وبين الفئات الأخرى المصطنعة من طرف المخزن وتدخلات السلطات الاستعمارية بالمغرب من جهة ثانية (القايدية. بول باسكون)، والمستعمرين الغربيين من جهة ثالثة.
لذلك كان أهم تدخل استعماري تم في المجال القروي، ما كان يتعلق بالثروة العقارية، التي انتزع منها الاستيطان الفلاحي الخاص والعمومي حوالي مليون وثمانين ألف هكتار (19). أصبحت نسبة مهمة من الفلاحين القرويين بعدها، لا تتوفر على ملكيات خاصة لممارسة نشاطها الفلاحي حيث وصلت نسبة هؤلاء حسب بعض الكتابات، إلى 33% سنة 1932. هذا التفقير الذي شهده العالم القروي بفعل التدخل الاستعماري ازدادت حدته بمناسبة الأزمة الاقتصادية لسنة 1929 والتي طالت امتداد البادية المغربية. ففي أحد التقارير الرسمية نقرأ أن أثمان القمح والبواكر والأبقار والأغنام، انخفضت بأكثر من 60% بين سنتي 1927- 1935. وفي أحد البحوث الميدانية التي أنجزت في بداية الثلاثينات، نقرأ أيضا أن العجز المالي لدى الفلاحين يكاد يكون هو القاعدة وليس الاستثناء (20). حيث أصبحت البادية مجرد خزان فلاحي وبشري لتزويد المدينة والميتروبول بما يحتاجه من مواد أساسية وطاقة بشرية.
ولأجل هذا كله، بدأت مسيرات الحراك الشعبي من أجل تحرير البلاد. بعد أن تعاقب على المغرب العديد من المقيمين العامين؛ فيهم إريك لآبون )مارس 1946- ماي 1947 (، والجنرالان ألفونس جوان )ماي 1947- يوليوز 1951 ( و أوغوستان غيوم )يوليوز 1951- يونيو 1954 ( (21) ، الذين عتوا في البلاد بجميع سياساتهم المتخذة فيما يخص القطاع الفلاحي وتهميش ذوي الحق في الأرض واستغلال ثرواتهم )الماء، الأرض، التجارة، القروض، الموانئ، الطرق، الأسواق، ...( على حساب مصالح فرنسا والمستوطنين الغربيين وبعض القياد المغاربة بكل مناطق البلاد.
ما أذى إلى تحرك بعض العناصر الفرنسية التي رأت في أزمة الفلاحة المغربية خطرا يهدد وجودها، لأنها ستدفع بالفلاحين المغاربة إلى اعتناق أفكار الحركة الوطنية، التي يشتد عودها في المدن، كمنقذ لهم من وضعيتهم المزرية (22). وهذا ما حدث في النهاية. رغم أن العمل الوطني بمفهومه السياسي السلمي مرتبط أساسا بقدوم الاستعمار إلى المغرب .. وأن الارتباط ما بين العمل المسلح بالجبال والعمل السياسي بالمدن كان قويا، وأن العملين كانا متزامنين في بعض الفترات .. وأن الحركة الوطنية انتقلت من الاحتجاج إلى تقديم مطالب واضحة سنة 1934 بهدف إصلاح أحوال البلاد، في حين كانت الحركات التحريرية تسعى إلى القضاء على القوات الاستعمارية وإخراجها من البلاد (23).
وفي هذا السياق المشحون بتوترات سياسية قوية وبأحداث مسلحة في جميع أنحاء البلاد، بدأت مفاوضات بباريس بين الحكومة (24) والسلطات الفرنسة بهدف الاعتراف بالاستقلال، ووقع بروتوكول بالرباط يوم 11 فبراير 1956 كان الهدف منه تحويل القدرات اللازمة لتسيير البلاد، إلى الحكومة (25) ، الشيء الذي دفع دارس السياسة ريمي لوفو للقول: " إن الاستقلال، بالنسبة للجهاز الإداري للعاصمة، لا يعني في أكثر الأحيان، إلا نقلا للودائع لصالح البرجوازية المغربية" (26). فكان التوقيع على [معاهدة] الاستقلال في 2 مارس 1956. وألغيت الحماية الاسبانية على شمال إفريقيا في 7 أبريل بعده (27).
II. المعمرون الجدد، ومواجهة مساعي الإصلاح:
عندما حصل المغرب على استقلاله، استطاع الملك ) الذي حمل هذا اللقب يوم 15 غشت 1957 ( في بضع سنوات أن يثبت سلطته، بمحاولته إضعاف شوكة حزب الاستقلال الذي بدأ يشكل خطرا على القصر آنداك. وذلك ما حصل بالتأكيد بمساعدة من القياد السابقين والإقطاعيين (28). وقد لخص دارس السياسة ريمي لوفو هذا التحالف الدائم بين الملكية والنخب القروية بعبارته الشهيرة: « الفلاح المغربي، حامي العرش » (29). لكن ما أن ظهرت تمردات من طرف بعض الإقطاعيين الذين فوضهم الملك لمساعدته في استقرار البلاد، حتى تراجع عن ذلك في ظل حكومة عبد الله إبراهيم. لتبدأ مسيرة جديدة تظهر فيما يخص السياسات الاقتصادية بالمغرب، حيث تحقق أن بدأت السلطات المغربية بداية خجولة لمغربة الأراضي (1957). فأنشأت مؤسسات حكومية لتسيير الأراضي المسترجعة من المعمرين، SOGETA بالنسبة للأراضي البور. و SODEA بالنسبة للأراضي السقوية، و SOMAGRI بالنسبة للمزارع التي يتم بها التشجير (30). وهي سياسة نادت بها البرجوازية المغربية في ذلك الوقت، اعتبارا منها بأنها الوسيلة الوحيدة لإعطاء دفعة قوية للاقتصاد المغرب، هذه الشركات الخاصة ستتمكن من رفع الناتج الداخلي الخام بشكل كبير (31).
لكن، بعد أن أصبح الاقتصاد المغربي في أزمة، وبلغ الفقر بالساكنة والفلاحين الصغار مبلغ من عدم التحمل. ما فرض اتخاذ سياسة عاجلة لتدارك الموقف. هذه السياسة التي تميزت بالحذر الشديد، ذلك أن أي خطوة ستتخذ، كان من الضروري أن ترمي إلى طرح سياسة بديلة ومغايرة عن سياسة القواد الكبار.. والاستناد على جموع السكان القرويين بهدف مكافحة الضغوطات الصادرة عن المدن الواقعة بين أيدي الوطنيين. ويتعلق الأمر هنا بالتبعية، بأن يتم العمل على تبيان لهؤلاء الوطنيين، وللأمم المتحدة، بأن القصر عازم على دمقرطة المؤسسات المغربية انطلاقا من القاعدة (32). لذلك سنت حكومة عبد الله إبراهيم (1958) سياسة المخطط الخماسي الأول (1960-1964) لانتشال المغرب من التخلف (33).
في مقابل ذلك، ظهرت تخوفات المواطنين الذين اعتبروها محاولة لاستيعاب السكان (34). كما المعارضة التي صارت تسخر من هذه العملية وتنعتها بـ "التعريقة" (Larakisation). حيث جاء في تقرير للسكرتارية العامة للاتحاد الوطني للقوات الشعبية بمناسبة المؤتمر الثاني (ماي 1962) العبارات التالية: "... غير أن أبلغ دلالة على فشل النظام هي عدوله النهائي عن كل محاولة تخطيط اقتصادية، بعد تبنيه مشروعنا لخطة الخمس سنوات، الذي كان جاهزا سنة 1959، بعد أن عمل على إفراغه من مدلولاته الثورية، لاسيما ما يتعلق بالإصلاح الزراعي..." (35).
بهذا الشكل، اختصر "بول باسكون" هذه السيرورة بقوله: "إنه من الممكن أن نلخص التاريخ الزراعي للثلاث والعشرين سنة الأخيرة في تعاقب أربع ظواهر: انتقال ملكية الأراضي من يد المعمرين، وظهور معمرين مغاربة جدد، وإنشاء قطاع للإصلاح الزراعي، وسباق حديث عهد لم يتوضح بعد نحو امتلاك الأرض".
- الهوامش:
1) القبيلة والإقطاع والمخزن. مقاربة سوسيولوجية للمجتمع المغربي الحديث 1844-1934. الهادي الهروي.أفريقيا الشرق. ص: 65.
2) قصة الأرض والفلاح والإصلاح الزراعي في الوطن العربي. عبد الرزاق الهلالي .ص: 57.
3) الفلاح المغربي المدافع عن العرش. ريمي لوفو. ترجمة: محمد بن الشيخ، مراجعة: عبد اللطيف الحسني. منشورات وجهة نظر. ص: 10.
4) مخزني من كلمة المخزن: وهو كما يضعه الأستاذ )الهادي الهروي(: ميكانيزم ونسق وأداة لدولة من نمط إرثي يهيمن على السلطة ويحتكرها ويمتلك القدرة والكفاءة على تنفيذها. ولقد اشتق مفهوم مخزن )كما يقول: الطيب بياض( من خزن أي حافظ واكتنز واذخر. كما أنه يجب التمييز بين المسؤوليات المخزنية الصرفة التي تعكس الوجه السياسي والإداري للدولة، والمسؤوليات الدينية التي وإن كانت جزءا من اختصاصات السلطان فإنها في الواقع تعكس مسؤوليته كأمير للمؤمنين ) محمد المنصور(.
5) تحولات المغرب القروي، أسئلة التنمية المؤجلة. عبد الرحيم العطري. دفاتر الحرف والسؤال، سلا. الطبعة الأولى 2009. ص:24.
6) النخبة المغربية وإشكالية التحديث. عبد السلام الحيمر. مطبعة النجاح الجديدة. الدار البيضاء. الطبعة الأولى 2001. ص: 72.
7) التحول المعاق، الدولة والمجتمع بالمغرب الحديث، مساهمة في تاريخ المؤسسات والتحولات الاجتماعية 1830-1912. د،علي حسني. مؤسسة كونراد أدناور.
8) المغرب قبل الاستعمار، المجتمع والدولة والدين 1792-1822. محمد المنصور. ترجمة: محمد حبيدة. المركز الثقافي العربي. ص: 74.
9) التوسع الأوربي والتغير الاجتماعي في المغرب ق 16-19. محمد الناجي. ترجمة: عبد الرحيم حزل. جذور للنشر. ص: 133.
10) الفلاحة الكولونيالية في المغرب 1912-1956. د. أحمد تفاسكا. مطابع أمبريال. بدعم من المعهد الوطني للبحث الزراعي. ص:11.
11) نفس المرجع. ص: 13.
12) الفلاح المغربي المدافع عن العرش. ريمي لوفو. ترجمة: محمد بن الشيخ، مراجعة: عبد اللطيف حسني. منشورات وجهة نظر. ص: 10.
13) المخزن وقواد البوادي، مصطفى فنيتر. مقتطف من كتاب: البادية المغربية عبر التاريخ. تنسيق: إبراهيم بوطالب. منشورات كلية الآداب بالرباط. مطبعة النجاح الجديدة. 1999. ص: 103.
14) قصة الأرض والفلاح والإصلاح الزراعي في الوطن العربي. عبد الرزاق الهلالي. منشورات دار الكشاف للنشر والطباعة والتوزيع. بيروت. ص: 183.
15) الفلاح المغربي المدافع عن العرش. ريمي لوفو. منشورات وجهة نظر. ص: 11.
16) تاريخ المغرب منذ الاستقلال. بيير فيرمورين. ترجمة: عبد الرحيم حزل. أفريقيا الشرق. ص: 30.
17) الفلاح المغربي المدافع عن العرش. ريمي لوفو. منشورات وجهة نظر. ص: 11.
18) الفلاحة الكولونيالية في المغرب 1912-1956, د.أحمد تفاسكا. ص:97.
19) البادية المغربية وعلاقتها بالمدينة خلال سنوات الثلاثينات. محمد حواش. مقتطف من كتاب: البادية المغربية عبر التاريخ. تنسيق: إبراهيم بوطالب. منشورات كلية الآداب بالرباط. مطبعة النجاح الجديدة. 1999. ص: 178.
20) نفس المرجع. ص: 179
21) تاريخ المغرب منذ الاستقلال. بيير فيرمورين. ترجمة: عبد الرحيم حزل. أفريقيا الشرق. ص: 31.
22) الفلاحة الكولونيالية في المغرب 1912-1956, د. أحمد تفاسكا. ص:125.
23) المقاومة المسلحة والحركة الوطنية بمكناس وأحوازها 1911-1956 الجذور- المظاهر- الامتدادات. بوشتة بوعسرية. تنسيق ومراجعة: محمد الشريف. منشورات وزارة الثقافة. ص: 68.
24) التي سمحت السلطات الفرنسية بإنشائها بعد رجوع السلطان سيدي محمد منتصرا يوم 16 نونبر 1955. بعد تنحيته حزب الاستقلال منها، وأسندها إلى مبارك البكاي، وهو ضابط سام سابق بالجيش الفرنسي، كان الملك متأكدا من وفائه.
25) مغرب المرحلة الانتقالية. بيير فيرمورين. ترجمة: علي آيت حماد. منشورات طارق. ص: 19،20.
26) الفلاح المغربي المدافع عن العرش. ريمي لوفو. منشورات وجهة نظر. ص: 7.
27) تاريخ المغرب منذ الاستقلال. بيير فيرمورين. ترجمة: عبد الرحيم حزل. أفريقيا الشرق. ص: 37.
28) تاريخ المغرب منذ الاستقلال. بيير فيرمورين، ترجمة: عبد الرحيم حزل. أفريقيا الشرق. ص: 44.
29) مغرب المرحلة الانتقالية. بيير فيرمورين، ترجمة: علي آيت حماد. منشورات طارق. ص: 20.
30) les coopératives de la reforme agraire de Meknès : bilan de 30 années d’existence. Touzani Mohammed. Direction provinciale d’agriculture de Meknès.
31) La Question Agraire Au Maroc. N.Bouderbala. M.Chraibi. P.Pascon. publication du bulletin économique et social du Maroc. Page : 176.
32) الفلاح المغربي المدافع عن العرش. ريمي لوفو. منشورات وجهة نظر. ص: 18،19.
33) تاريخ المغرب منذ الاستقلال، بيير فيرموريين. ترجمة: عبد الرحيم حزل. أفريقيا الشرق، ص: 56.
34) نفس المرجع. ص: 19.
35) الاختيار الثوري في المغرب. تقرير للسكرتارية العامة للاتحاد الوطني للقوات الشعبية بمناسبة المؤتمر الثاني (ماي 1962).
36) زرع النماذج وغياب التجديد. بول باسكون. مجلة بيت الحكمة. نقل النص عن الفرنسية: مصطفى كمال. ص: 33.
بين سيطرة المخزن ودعوة المغاربة لإصلاح زراعي حقيقي
بقلم: محمد العمراني
طالب باحث في علم الاجتماع القروي والتنمية
I. الأرض، أهم محرك للسياسات التنموية بالمغرب:
تعتبر الأرض المحرك الأساسي للوحدات الاجتماعية في كل المجتمعات الزراعية، فقد كانت ولا تزال البؤرة المحورية التي يحتدم حولها صراع تلك الوحدات الاجتماعية سواء كانت حضرية أو ريفية )1(. لكن حالة المغرب كانت دائما مختلفة من حيث الصيغ والتركيبات الاجتماعية التي كان يتشكل منها، وذلك في ظل نظام الحكم الذي ظل سائدا في هذه البلاد حقبة طويلة من الزمن، حيث كان السلطان رأس الأمة (2). والذي ظل لزمن طويل في تلاحم [أو صراع] مع مؤسسات الماضي (3) (المخزن، القبائل، الزوايا ...إلخ).
وبحكم المرجعية الإسلامية التي ميزت جل العائلات الحاكمة، والمتعاقبة على الإمساك بمقاليد السلطة بالمغرب الأقصى كما كان المؤرخون يطلقون عليه منذ غزو العرب لشمال إفريقيا. اتخذت جل الأشكال العقارية المميزة له طابعا "مخزني" (4) ، فملكية الأرض في النسق المخزني تستند في اشتغالها إلى فكرة مركزية مؤداها أن "السلطان هو المالك الحقيقي لأراضي البلاد بأسرها، وهو الذي يعطي حق الانتفاع بها، من دون تملكها، إلى من يشاء من رعاياه مقابل دفع الضرائب لبيت المال، والقيام ببعض الالتزامات العسكرية عندما يطلب منه ذلك، ويقوم هؤلاء بدورهم بتخويلها لأتباعهم من الفلاحين" (5).
هذا الشكل المختلف من التركيبة الاجتماعي لبلاد المغرب، إضافة إلى نظام الحكم فيه، فرض أشكالا معينة من التسيير السياسي والاقتصادي وحتى الاجتماعي لها. فأصبح بذلك المحتوى الاجتماعي للدولة فيه يتمثل في تحالف واسع بين نبالة الدم )الأشراف( كفئة قائدة، وذوي المناصب الإدارية كالقواد والباشوات والعمال، والزعماء الدينيين كرجال الزوايا والعلماء والفقهاء بالإضافة إلى الفئات التجارية الأكثر غنى. فأصبح هم دولة المخزن "الشريفة" يكمن في المحافظة على التوازن بين هذه الفئات النافدة في المجتمع، مستخدمة في ذلك العنف )الحرْكة(، والإقناع، وسلطتها الرمزية الدينية، ومقدراتها الاقتصادية )الأرض والسوق(...(6) . في هذه الفترة؛ التي ظل النشاط الفلاحي من بين مميزاتها إن لم نقل الركيزة الأساسية لاقتصاد المغرب خلالها. وهو ما حدده السلطان الأول في إحدى مراسلاته، بأن أمور أهلها (البلاد) وحصول معاشهم ودوام نفعهم وعمارتهم إنما هو بالحرث واكتساب الماشية ولا حرفة مضاهية لهما وتوازيهما (7).
إذ كان المغرب عند بداية القرن التاسع عشر يظهر للزائر الأجنبي كبلد غير مزروع بما فيه الكفاية. وبالفعل، فقد اندهش عدد كثير من الملاحظين الأوربيين لشساعة الأراضي غير المزروعة. فقد لاحظ دو ليسيبس (M. De Lesseps) قلة الأراضي المحروثة بالرغم من خصب التربة. وعند أواسط القرن، أكد بوميي (A. Beaumier) أيضا أن الأراضي المزروعة لا تمثل بالكاد حتى ثلث المساحة القابلة للاستغلال (8).
من هنا بدأ الاهتمام الكبير بالمغرب، من طرف الدول الغربية منذ عدة سنوات قبل تقريرها الحماية عليه بشكل مباشر. فاتخذ هذا الاهتمام أشكالا عديدة من بينها منح القروض والمساعدات المالية للسلطان في فترات القحط والمجاعة أو الأوبئة...إلخ. بينما حاول البعض الآخر غواية السلاطين المتعاقبين على سدة الحكم بهذه البلاد، بعدة وسائل أخرى اتخذت طابع الاهتمام بأحوال المغرب وما آل إليه في تلك الفترة. فلقد رفع جون "دريموند هاي"، في سنة 1855، مذكرة إلى السلطان مولاي عبد الرحمان بن هشام، يعرض عليه حالة المغرب ويقترح علاجات للنهوض به، فقد أكد هاي أن هذا النهوض ببلاد تتوفر لها الأراضي الخصبة ومجاري المياه، والمراسي والساكنة المتنورة، كما هو المغرب، هو أمر ممكن بعون من الله (9).
ذلك بالطبع، بعد أن سال لعاب الأوربيين لما عرف آنداك من ثروة المغرب المائية، ووجود هذه الثروة مجاورة لثروة أخرى تتمثل في حقول شاسعة، ودفعت هذه الثروات المائية والأراضي الخصبة بالبعض إلى وصف المغرب بكاليفورنيا. واستدل الأوربيون على غنى المغرب بحركته التجارية مع البلدان الأوربية وبإنتاجاته القابلة للتصدير، مثل الماشية والحبوب والخضر والصوف والجلد (10) ... إلخ.
وقد عملت فرنسا على جعل من الفلاحة، قاعدة وجودها السياسي والعرقي، وكذلك قاعدة نشاطها الاقتصادي في المغرب. فبنت كل خططها لغزو المغرب وإقامة بنياتها التحتية وتجهيزاتها الاقتصادية والتقنية على أساس ما تمليه ضروريات استغلال ثروات العالم القروي المغربي، من فلاحة ومياه ومناجم (11).
هذا الاهتمام لم يكن اعتباطيا بطبيعة الحال، فبدلا من التورط في عدة عمليات عسكرية مكلفة، كانت الحماية، في هذا الصدد، تبذل قصارى جهودها في الحد ما أمكن من أوجه المعارضات والاعتراضات بالاعتماد على معرفة شبه سوسيولوجية للقبائل القروية، مع العمل في نفس الوقت على عزل التجمعات المعادية لها ثم مواجهتها بتعاون مع التجمعات التقليدية الأخرى المتنافسة معها (12).
فإدارة الحماية في ذلك الوقت كانت تقدم العناية الفائقة لكل من انتبهت إلى تفانيه في خدمة مصالحها الزراعية في المغرب. لذلك كانت جل مساعيها التنموية ومساعداتها المالية تتجه صوب هؤلاء بالدرجة الأولى. بينما تأتي فئة القياد في الدرجة الثانية. "فالقياد، هم ممثلوا المخزن داخل البوادي، وهم المسؤولون المباشرون عن إقرار الأمن والعدل ومراقبة البوادي حسب الشريعة والأعراف. والواسطة بين المخزن المركزي وسكان البوادي" (13). لذلك كانوا يتلقون مكافئات عديدة على ما يقومون به لفائدة الإدارة الفرنسية.
لكن تنازل السلطان مولاي عبد الحفيظ عن الملك، بعد توقيعه معاهدة الحماية. وما لبث أن غادر المغربّ، تحت وطأة المرض والضغط الشديد الذي وقع عليه من اليوطي. لم يثن شوكة القبائل المغربية، التي لم تخضع لهذه الظروف الجديدة إلا بشق الأنفس. وعن ذلك كتب أحد الضباط الفرنسيين الذين شاركوا في حملة الإخضاع هذه وهو يصف مقاومة هذا الشعب قائلا: " لم تخضع أي من القبائل دون مقاومة، ولم تأت قبيلة إلينا قط إلا بعد هزيمتها في ميدان القتال، وكل مرحلة من مراحل التقدم كانت نهاية معركة، وكل حركة كانت توجد حدا جديدا كان يجب أن ندافع عنه بخط من الحصون يحرسها رجالنا لسنوات طويلة وهم معرضون للخطر دون أن يجنوا أي مجد" (14).
لكن، لم تخل تلك الفترة بطبيعة الحال من خيانات عدة عناصر في صفوف هذه القبائل "المتسيبة"، لفائدة الجهاز العسكري الغربي آنداك. فطيلة مدة الحماية، سيعمل الأعيان على الاستفادة ما أمكن من السلطة التي يضمنها لهم الجهاز الأجنبي الحاكم. وذلك من أجل توطيد الأسس العقارية المترتبة عن سلطاتهم، ومن ثمة يتحولون، بشكل تدريجي، من قواد للحرب إلى كبار الملاكين (15).
فلقد اتجه ملاك صغار ومتوسطون كثر إلى التملك الخاص للأراضي )عشر الساكنة القروية – 600,000 شخص – يمتلك نصف الأراضي الصالحة للزراعة، أي 2 مليونا هكتار(. بيد أن المظهر الغالب يبقى ملكية "القياد العظام"، إذ أن 7500 من الإقطاعيين يتقاسمون فيما بينهم 1,8 مليون هكتار؛ أي ربع الأراضي الصالحة للفلاحة .. وكذلك شارك الملاك الحضريون في هذه الحركة التملكية للأراضي الواقعة من حول المدن. وإجمالا، فقد عاد نزع الملكيات من القبائل على الملاك العقاريين بخمسة أضعاف ما عاد على الاستعمار(16).
وفي هذا السياق دائما نجد جوليان كولوCouleau يصف هكذا في كتابه: "الطبقة الفلاحية المغربية"، نظام النخب المحلية في أيام الحماية: ‹‹ في فترة الحماية، عندما كانت الأمور كما لو أن القائد المحلي إنما يستمد ولايته الرسمية من عند الدولة، مع كامل الأداة القانونية التي يتضمنها هذا الإجراء، فإن هذا الأمر بالنسبة للجماعة Jemàa يعني أن ساعة الإحالة على التقاعد قد حلت، ومنذ الآن لم يعد لرئيس الجماعة، والحالة هذه، أي ثقل يذكر. وهكذا في هذه الفترة، وعلى امتداد مغرب السهول بالخصوص، هناك حيث تعرضت لأفدح الأضرار، لم يعد هناك أبدا أي فلاح قد يسأل عن أحوال القواد الجدد والقواد والشيوخ والمقدمين، إلا وأجابك الأول عن واقع أنهم "يأكلون" حقوق مواطنيهم، على اختلاف ما بين هذا أو ذاك›› (17).
ولعل هذا الإحساس بالخيانة من طرف ساكنة هذه القبائل المقاومة، هو ما أضعف شوكتها وفرض عليها الأمر الواقع. فالخيانات المتتابعة لبعض قوادها وشيوخها، أضعف هؤلاء الفلاحين المدافعين عن أرضهم وفلاحتهم. فاستكانوا أخيرا؛ فاستقر غالبيتهم في الجبال بعدما فقدوا أراضيهم الخصبة في السهول. فبدأ البعض الآخر من الفلاحين المغاربة تجربة جديدة، كعمال زراعيين في حقول المستوطنين الفرنسيين.
فانهارت التعاضديات المهنية، واختفت بعض المهن، مثل صناعة الأسلحة بفعل "نزع أسلحة السكان"، وصناعة المصابيح، بفعل تطور الأخذ بالإنارة الكهربائية، وصناعة الأقفال بفعل استيراد الأقفال من الخارج. كما تأثرت كثيرا، بفعل الاستيراد، صناعة معاصر الزيت ونسيج الصوف والقطن وصناعة الطرابيش. وانهارت تحت ضغط الاستيراد، صناعة الجلود، وبفعل تقلص استعمال الحصان كمطية في التنقل انهارت صناعة السروج، واختفت المطاحن التقليدية بفعل منافسة المطاحن العصرية، كما اختفت صناعة بعض مواد الأشغال العمومية. وكان انهيار الحرف التقليدية في الوسط القروي أكثر حدة، تحث ضغط الصناعات القادمة من المدن، وكذلك تحت تأثير بؤس الفلاحة المغربية المتنامي بفعل هجمة المستوطنين المزارعين وهمجية قوات الغزو وإهمال سلطات الاحتلال (18)للفلاحة والعقارات والأراضي المغربية على حساب مزارعها المحتلة.
فلم تستطع البنيات الاجتماعية التقليدية دمج وتوفير للساكنة القروية تلك النماذج الاجتماعية للتبادل (الفلاحة، الحرف التقليدية، التجارة...إلخ)، بعد المحاولات المباشرة وغير المباشرة والمتكررة من طرف المستعمر الفرنسي لتهجيرها نحو المدن، في بعض الفترات التي تلتها الانتقالات الجماعية لبعض القبائل الأخرى إثر التقسيمات الجديدة التي فرضها المستعمر على مجالات هذه القبائل. كما الظروف العالمية التي أنتجتها الحروب الكبرى، ما دعا إلى تهجير العديد من الساكنة القروية نحو الخارج لتوفير اليد العاملة هناك. الشيء الذي يمكننا وصفه بعدم التوازن بين الفئات الاجتماعية ذات الحق الطبيعي في الأرض والمهيمن عليها من جهة، وبين الفئات الأخرى المصطنعة من طرف المخزن وتدخلات السلطات الاستعمارية بالمغرب من جهة ثانية (القايدية. بول باسكون)، والمستعمرين الغربيين من جهة ثالثة.
لذلك كان أهم تدخل استعماري تم في المجال القروي، ما كان يتعلق بالثروة العقارية، التي انتزع منها الاستيطان الفلاحي الخاص والعمومي حوالي مليون وثمانين ألف هكتار (19). أصبحت نسبة مهمة من الفلاحين القرويين بعدها، لا تتوفر على ملكيات خاصة لممارسة نشاطها الفلاحي حيث وصلت نسبة هؤلاء حسب بعض الكتابات، إلى 33% سنة 1932. هذا التفقير الذي شهده العالم القروي بفعل التدخل الاستعماري ازدادت حدته بمناسبة الأزمة الاقتصادية لسنة 1929 والتي طالت امتداد البادية المغربية. ففي أحد التقارير الرسمية نقرأ أن أثمان القمح والبواكر والأبقار والأغنام، انخفضت بأكثر من 60% بين سنتي 1927- 1935. وفي أحد البحوث الميدانية التي أنجزت في بداية الثلاثينات، نقرأ أيضا أن العجز المالي لدى الفلاحين يكاد يكون هو القاعدة وليس الاستثناء (20). حيث أصبحت البادية مجرد خزان فلاحي وبشري لتزويد المدينة والميتروبول بما يحتاجه من مواد أساسية وطاقة بشرية.
ولأجل هذا كله، بدأت مسيرات الحراك الشعبي من أجل تحرير البلاد. بعد أن تعاقب على المغرب العديد من المقيمين العامين؛ فيهم إريك لآبون )مارس 1946- ماي 1947 (، والجنرالان ألفونس جوان )ماي 1947- يوليوز 1951 ( و أوغوستان غيوم )يوليوز 1951- يونيو 1954 ( (21) ، الذين عتوا في البلاد بجميع سياساتهم المتخذة فيما يخص القطاع الفلاحي وتهميش ذوي الحق في الأرض واستغلال ثرواتهم )الماء، الأرض، التجارة، القروض، الموانئ، الطرق، الأسواق، ...( على حساب مصالح فرنسا والمستوطنين الغربيين وبعض القياد المغاربة بكل مناطق البلاد.
ما أذى إلى تحرك بعض العناصر الفرنسية التي رأت في أزمة الفلاحة المغربية خطرا يهدد وجودها، لأنها ستدفع بالفلاحين المغاربة إلى اعتناق أفكار الحركة الوطنية، التي يشتد عودها في المدن، كمنقذ لهم من وضعيتهم المزرية (22). وهذا ما حدث في النهاية. رغم أن العمل الوطني بمفهومه السياسي السلمي مرتبط أساسا بقدوم الاستعمار إلى المغرب .. وأن الارتباط ما بين العمل المسلح بالجبال والعمل السياسي بالمدن كان قويا، وأن العملين كانا متزامنين في بعض الفترات .. وأن الحركة الوطنية انتقلت من الاحتجاج إلى تقديم مطالب واضحة سنة 1934 بهدف إصلاح أحوال البلاد، في حين كانت الحركات التحريرية تسعى إلى القضاء على القوات الاستعمارية وإخراجها من البلاد (23).
وفي هذا السياق المشحون بتوترات سياسية قوية وبأحداث مسلحة في جميع أنحاء البلاد، بدأت مفاوضات بباريس بين الحكومة (24) والسلطات الفرنسة بهدف الاعتراف بالاستقلال، ووقع بروتوكول بالرباط يوم 11 فبراير 1956 كان الهدف منه تحويل القدرات اللازمة لتسيير البلاد، إلى الحكومة (25) ، الشيء الذي دفع دارس السياسة ريمي لوفو للقول: " إن الاستقلال، بالنسبة للجهاز الإداري للعاصمة، لا يعني في أكثر الأحيان، إلا نقلا للودائع لصالح البرجوازية المغربية" (26). فكان التوقيع على [معاهدة] الاستقلال في 2 مارس 1956. وألغيت الحماية الاسبانية على شمال إفريقيا في 7 أبريل بعده (27).
II. المعمرون الجدد، ومواجهة مساعي الإصلاح:
عندما حصل المغرب على استقلاله، استطاع الملك ) الذي حمل هذا اللقب يوم 15 غشت 1957 ( في بضع سنوات أن يثبت سلطته، بمحاولته إضعاف شوكة حزب الاستقلال الذي بدأ يشكل خطرا على القصر آنداك. وذلك ما حصل بالتأكيد بمساعدة من القياد السابقين والإقطاعيين (28). وقد لخص دارس السياسة ريمي لوفو هذا التحالف الدائم بين الملكية والنخب القروية بعبارته الشهيرة: « الفلاح المغربي، حامي العرش » (29). لكن ما أن ظهرت تمردات من طرف بعض الإقطاعيين الذين فوضهم الملك لمساعدته في استقرار البلاد، حتى تراجع عن ذلك في ظل حكومة عبد الله إبراهيم. لتبدأ مسيرة جديدة تظهر فيما يخص السياسات الاقتصادية بالمغرب، حيث تحقق أن بدأت السلطات المغربية بداية خجولة لمغربة الأراضي (1957). فأنشأت مؤسسات حكومية لتسيير الأراضي المسترجعة من المعمرين، SOGETA بالنسبة للأراضي البور. و SODEA بالنسبة للأراضي السقوية، و SOMAGRI بالنسبة للمزارع التي يتم بها التشجير (30). وهي سياسة نادت بها البرجوازية المغربية في ذلك الوقت، اعتبارا منها بأنها الوسيلة الوحيدة لإعطاء دفعة قوية للاقتصاد المغرب، هذه الشركات الخاصة ستتمكن من رفع الناتج الداخلي الخام بشكل كبير (31).
لكن، بعد أن أصبح الاقتصاد المغربي في أزمة، وبلغ الفقر بالساكنة والفلاحين الصغار مبلغ من عدم التحمل. ما فرض اتخاذ سياسة عاجلة لتدارك الموقف. هذه السياسة التي تميزت بالحذر الشديد، ذلك أن أي خطوة ستتخذ، كان من الضروري أن ترمي إلى طرح سياسة بديلة ومغايرة عن سياسة القواد الكبار.. والاستناد على جموع السكان القرويين بهدف مكافحة الضغوطات الصادرة عن المدن الواقعة بين أيدي الوطنيين. ويتعلق الأمر هنا بالتبعية، بأن يتم العمل على تبيان لهؤلاء الوطنيين، وللأمم المتحدة، بأن القصر عازم على دمقرطة المؤسسات المغربية انطلاقا من القاعدة (32). لذلك سنت حكومة عبد الله إبراهيم (1958) سياسة المخطط الخماسي الأول (1960-1964) لانتشال المغرب من التخلف (33).
في مقابل ذلك، ظهرت تخوفات المواطنين الذين اعتبروها محاولة لاستيعاب السكان (34). كما المعارضة التي صارت تسخر من هذه العملية وتنعتها بـ "التعريقة" (Larakisation). حيث جاء في تقرير للسكرتارية العامة للاتحاد الوطني للقوات الشعبية بمناسبة المؤتمر الثاني (ماي 1962) العبارات التالية: "... غير أن أبلغ دلالة على فشل النظام هي عدوله النهائي عن كل محاولة تخطيط اقتصادية، بعد تبنيه مشروعنا لخطة الخمس سنوات، الذي كان جاهزا سنة 1959، بعد أن عمل على إفراغه من مدلولاته الثورية، لاسيما ما يتعلق بالإصلاح الزراعي..." (35).
بهذا الشكل، اختصر "بول باسكون" هذه السيرورة بقوله: "إنه من الممكن أن نلخص التاريخ الزراعي للثلاث والعشرين سنة الأخيرة في تعاقب أربع ظواهر: انتقال ملكية الأراضي من يد المعمرين، وظهور معمرين مغاربة جدد، وإنشاء قطاع للإصلاح الزراعي، وسباق حديث عهد لم يتوضح بعد نحو امتلاك الأرض".
- الهوامش:
1) القبيلة والإقطاع والمخزن. مقاربة سوسيولوجية للمجتمع المغربي الحديث 1844-1934. الهادي الهروي.أفريقيا الشرق. ص: 65.
2) قصة الأرض والفلاح والإصلاح الزراعي في الوطن العربي. عبد الرزاق الهلالي .ص: 57.
3) الفلاح المغربي المدافع عن العرش. ريمي لوفو. ترجمة: محمد بن الشيخ، مراجعة: عبد اللطيف الحسني. منشورات وجهة نظر. ص: 10.
4) مخزني من كلمة المخزن: وهو كما يضعه الأستاذ )الهادي الهروي(: ميكانيزم ونسق وأداة لدولة من نمط إرثي يهيمن على السلطة ويحتكرها ويمتلك القدرة والكفاءة على تنفيذها. ولقد اشتق مفهوم مخزن )كما يقول: الطيب بياض( من خزن أي حافظ واكتنز واذخر. كما أنه يجب التمييز بين المسؤوليات المخزنية الصرفة التي تعكس الوجه السياسي والإداري للدولة، والمسؤوليات الدينية التي وإن كانت جزءا من اختصاصات السلطان فإنها في الواقع تعكس مسؤوليته كأمير للمؤمنين ) محمد المنصور(.
5) تحولات المغرب القروي، أسئلة التنمية المؤجلة. عبد الرحيم العطري. دفاتر الحرف والسؤال، سلا. الطبعة الأولى 2009. ص:24.
6) النخبة المغربية وإشكالية التحديث. عبد السلام الحيمر. مطبعة النجاح الجديدة. الدار البيضاء. الطبعة الأولى 2001. ص: 72.
7) التحول المعاق، الدولة والمجتمع بالمغرب الحديث، مساهمة في تاريخ المؤسسات والتحولات الاجتماعية 1830-1912. د،علي حسني. مؤسسة كونراد أدناور.
8) المغرب قبل الاستعمار، المجتمع والدولة والدين 1792-1822. محمد المنصور. ترجمة: محمد حبيدة. المركز الثقافي العربي. ص: 74.
9) التوسع الأوربي والتغير الاجتماعي في المغرب ق 16-19. محمد الناجي. ترجمة: عبد الرحيم حزل. جذور للنشر. ص: 133.
10) الفلاحة الكولونيالية في المغرب 1912-1956. د. أحمد تفاسكا. مطابع أمبريال. بدعم من المعهد الوطني للبحث الزراعي. ص:11.
11) نفس المرجع. ص: 13.
12) الفلاح المغربي المدافع عن العرش. ريمي لوفو. ترجمة: محمد بن الشيخ، مراجعة: عبد اللطيف حسني. منشورات وجهة نظر. ص: 10.
13) المخزن وقواد البوادي، مصطفى فنيتر. مقتطف من كتاب: البادية المغربية عبر التاريخ. تنسيق: إبراهيم بوطالب. منشورات كلية الآداب بالرباط. مطبعة النجاح الجديدة. 1999. ص: 103.
14) قصة الأرض والفلاح والإصلاح الزراعي في الوطن العربي. عبد الرزاق الهلالي. منشورات دار الكشاف للنشر والطباعة والتوزيع. بيروت. ص: 183.
15) الفلاح المغربي المدافع عن العرش. ريمي لوفو. منشورات وجهة نظر. ص: 11.
16) تاريخ المغرب منذ الاستقلال. بيير فيرمورين. ترجمة: عبد الرحيم حزل. أفريقيا الشرق. ص: 30.
17) الفلاح المغربي المدافع عن العرش. ريمي لوفو. منشورات وجهة نظر. ص: 11.
18) الفلاحة الكولونيالية في المغرب 1912-1956, د.أحمد تفاسكا. ص:97.
19) البادية المغربية وعلاقتها بالمدينة خلال سنوات الثلاثينات. محمد حواش. مقتطف من كتاب: البادية المغربية عبر التاريخ. تنسيق: إبراهيم بوطالب. منشورات كلية الآداب بالرباط. مطبعة النجاح الجديدة. 1999. ص: 178.
20) نفس المرجع. ص: 179
21) تاريخ المغرب منذ الاستقلال. بيير فيرمورين. ترجمة: عبد الرحيم حزل. أفريقيا الشرق. ص: 31.
22) الفلاحة الكولونيالية في المغرب 1912-1956, د. أحمد تفاسكا. ص:125.
23) المقاومة المسلحة والحركة الوطنية بمكناس وأحوازها 1911-1956 الجذور- المظاهر- الامتدادات. بوشتة بوعسرية. تنسيق ومراجعة: محمد الشريف. منشورات وزارة الثقافة. ص: 68.
24) التي سمحت السلطات الفرنسية بإنشائها بعد رجوع السلطان سيدي محمد منتصرا يوم 16 نونبر 1955. بعد تنحيته حزب الاستقلال منها، وأسندها إلى مبارك البكاي، وهو ضابط سام سابق بالجيش الفرنسي، كان الملك متأكدا من وفائه.
25) مغرب المرحلة الانتقالية. بيير فيرمورين. ترجمة: علي آيت حماد. منشورات طارق. ص: 19،20.
26) الفلاح المغربي المدافع عن العرش. ريمي لوفو. منشورات وجهة نظر. ص: 7.
27) تاريخ المغرب منذ الاستقلال. بيير فيرمورين. ترجمة: عبد الرحيم حزل. أفريقيا الشرق. ص: 37.
28) تاريخ المغرب منذ الاستقلال. بيير فيرمورين، ترجمة: عبد الرحيم حزل. أفريقيا الشرق. ص: 44.
29) مغرب المرحلة الانتقالية. بيير فيرمورين، ترجمة: علي آيت حماد. منشورات طارق. ص: 20.
30) les coopératives de la reforme agraire de Meknès : bilan de 30 années d’existence. Touzani Mohammed. Direction provinciale d’agriculture de Meknès.
31) La Question Agraire Au Maroc. N.Bouderbala. M.Chraibi. P.Pascon. publication du bulletin économique et social du Maroc. Page : 176.
32) الفلاح المغربي المدافع عن العرش. ريمي لوفو. منشورات وجهة نظر. ص: 18،19.
33) تاريخ المغرب منذ الاستقلال، بيير فيرموريين. ترجمة: عبد الرحيم حزل. أفريقيا الشرق، ص: 56.
34) نفس المرجع. ص: 19.
35) الاختيار الثوري في المغرب. تقرير للسكرتارية العامة للاتحاد الوطني للقوات الشعبية بمناسبة المؤتمر الثاني (ماي 1962).
36) زرع النماذج وغياب التجديد. بول باسكون. مجلة بيت الحكمة. نقل النص عن الفرنسية: مصطفى كمال. ص: 33.
محمد العمراني- المتطوع المساعد
-
عدد الرسائل : 737
تاريخ الميلاد : 16/04/1988
العمر : 36
الدولة : المغرب
المهنة : طالب ، مؤطر تربوي ، تقني إعلاميات
المدينة : قلعة أمكونة
الدولة :
احترام قوانين المنتدى :
MoUlAy YoUsSeF- نائب المدير
-
عدد الرسائل : 1332
تاريخ الميلاد : 05/10/1988
العمر : 36
الدولة : المملكة المغربية
المهنة : طالب
المدينة : casablanca
الهاتف : 0670766129
الأوسمة :
الدولة :
احترام قوانين المنتدى :
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى