الاخلاق
3 مشترك
صفحة 1 من اصل 1
الاخلاق
تشكل الأخلاق إحدى المباحث الفلسفية الأساسية، وتمثل علما معياريا يحدد القيم العليا والقواعد الموجهة للفعل الإنساني ويرسم غايات هذا الفعل وتمنحه قيمة ومعنى. وهكذا تظهر الأخلاق كمنظومة من القيم والقواعد المعيارية تضع معايير الفعل وتحدد غاياته وتسعى إلى حماية الإنسان وتحريره من دوافعه الغريزية والحفاظ على وجود المجتمع الذي يعمل بدوره على ترسيخ هذه القيام في بنية الفرد وتحديد الواجبات التي ينتظر منه القيام والالتزام بها التزاما واعيا وإراديا. وبالتالي فإن أخلاقية الفرد تتأرجح بين قيمتي الإلزام والالتزام، إلزام خارجي يفرضه المجتمع والتزام داخلي ينبع من الضمير الأخلاقي.
وإذا كانت الأخلاق تحدد القيم والقواعد الموجهة فإنها كذلك ترسم الغايات القصوى والأهداف البعيدة للفعل الإنساني. ومن أهم هذه الغايات والأهداف بلوغ السعادة باعتبارها غاية كل إنسان، كما أن تمثل الفرد للسعادة حسب ظروفه النفسية والاجتماعية يفضي به إلى البحث عن وسيلة تحقيقها. غير أن القيام بالواجب والسعي نحو السعادة رهين باستقلال ذاتي للفرد يتمثل في تملك حرية الفعل والإرادة.
إن الواجب والسعادة والحرية هي مظاهر من البعد الأخلاقي بالنظر إليه كأحد الأبعاد المحددة للفعل الإنساني، وعلى اعتبار أن القيم والمثل والقواعد الأخلاقية توجه السلوكات وتنظم العلاقات وترسم الغايات، وهذا ما يجعل من الإنسان كائنا أخلاقيا.
الــواجب
تقديم
:
إن الإنسان كائن أخلاقي وفاعل يحمل قيما أخلاقية يسعى لتجسيدها في علاقته بذاته وغيره، وأخلاقيته تجعله مفارقا لكل الكائنات الحية ومتميزا عنها. ويمثل الواجب إحدى مظاهر بعده الأخلاقي، لأن الواجب هو ما يشكل المقولة الأساسية والوحيدة للأخلاق. ويوجد الواجب بالنسبة للفرد في صيغة واجبات تفرض طرقا محددة في التصرف والسلوك، وهذا ما يجعله منه المعيار الأساسي الموجه لكل فعل أخلاقي إنساني.
ما هو الواجب ؟
يمثل الواجب معيار الحكم على قيمة الفعل الأخلاقي بالنظر إليه كأمر مطلق يستلزم القيام بمجموعة من السلوكات المتعلقة بقيم أخلاقية كالاحترام والامتثال للقانون والحرية. ويحيل الواجب على كل فعل على الفرد القيام به إما بشكل إلزامي وإما بنوع من الالتزام الحر والواعي، وهو وازع ينبعث من الضمير الباطني ويملي على الشخص القيام بأفعال فاضلة.
وفي اللسان العربي يدل الواجب على اللازم، ويقال على ما يقابل الجائز والممكن. وفي المعجم الفلسفي يميز لالاند بين معنيين للواجب: معنى مجرد يفيد الوجوب الأخلاقي في ذاته بمعزل عن أية قاعدة عمل خاصة، ومعنى خاص وحسي يدل على قاعدة عمل محددة. وفي نفس المرجع، يحيل مفهوم الواجب إما على الضرورة، أي على ما ينبغي يكون،وإما على المناسب والملائم، أي على المقابل لما هو كائن أو لما يجب أن يكون( مثال تقابل الخير مع الشر...) كمل يحيل على الإلزام الأخلاقي المجرد كما هو الشأن بالنسبة كانط.
الإشكالية :
ما الواجب؟ هل يكون الواجب حرا أم أن قبوله لا يتم سوى تحت الإكراه؟ هل الواجب التزام أم إلزام؟ هل الواجب ذو طبيعة اعتباطية أم أن له أساسا في ذاتنا؟ هل الواجب نسبي أم كوني؟ وكيف يتم الوعي بالواجب؟
I. الواجب والإكراه :
السؤال: ما هو الواجب؟ وما هو مصدره؟ ومن يستمد مشروعيته؟
1. موقف كانط :
إن كانط في سياق مشروعه الفلسفي، وخاصة في كتابيه " تأسيس ميتافيزيقا الأخلاق" و" نقد العقل العملي" فقد سعى إلى تقعيد مبادئ الأفعال الأخلاقية والبحث في طبيعة الواجب ومصدر مشروعيته. إن ميتافيزيقا الأخلاق تستمد مبادئها من العقل ذاته مباشرة، وبالتالي من المستحيل تأسيسها على الواقع، لأن الواقع مشتت والأخلاق تريد قوانين ومبادئ موحدة، والواقع متغير والأخلاق تريد مبادئ ثابتة، والواقع نسبي والأخلاق تهدف إلى ما هو مطلق، وعليه فإن التجربة لا تفيد في وضع مبادئ الأخلاق لأنه من المستحيل العثور على فعل أخلاقي صادق في الواقع العملي التجريبي. ومن هنا تظهر أهمية احترام القانون الأخلاقي الذي يُشرعه العقل وتجسده الإرادة الخيرة والحرة. فالقانون الأخلاقي بوصفه مبدأ أسمى للواجب هو الذي يقصي تأثيرات الميولات على الإرادة بواسطة العقل وهو الذي يضفي على الأفعال الإنسانية قيمة أخلاقية. وما دام الأمر كذلك فإن الواجب هو الفعل المطابق للقانون الأخلاقي، وهو فعل عملي يتضمن مفهوما الإكراه أي أن الواجب هو ضرورة إنجاز الفعل احتراما للقانون الكلي الذي يتمثل في سيطرة العقل على كل الميولات. وهذا القانون الأخلاقي ليس مفروضا على الإرادة من خارجها بل يكون منبثقا وصادرا عن الإرادة نفسها وهذا ما يبر ضرورة طاعته، وهذه الطاعة حرية لا إكراه. ومن التصور الأخلاقي لكانط فإن الواجب فعل عملي مرجعه العقل وغايته احترام القانون ومنطلقه الإرادة الخيرة والحرة التي لا تخضع لمبدأ خارجي أم ميولات ذاتية وهذا ما يجعل منه التزاما وإكراها عقليا حرا.
2. موقف جون ماري غويو :
إذا كان التصور الأخلاقي الكانطي ينتهي إلي اعتبار الواجب الأخلاقي إلزاما عقليا، فإن عالم الاجتماع والفيلسوف جون ماري غويو يقدر أن الطابع الإلزامي العقلي للواجب الأخلاقي قد ينفي على الحياة قيمتها وينزع على الفعل الإنساني تلقائيته. وبالتالي فإن الواجب شعور بقدرة داخلية وشعور بما يجب فعله، وهو فيض من الحياة يريد أن ينصرف وان يجود بنفسه. وهذا ما يجعله شعورا بقدرة لا شعورا بضرورة وضغط. ويرجع أصل الواجب الأخلاقي إلى القانون الطبيعي الشامل الذي يصور الحياة في تقدم وحركية مستمرة. وما دام الأمر كذلك فغن الواجب يرتبط بالقدرة وتجاوز الغاية، وأن يدفع إلى احترام الآخرين فهو شعور تلقائي وليس إلزاما خارجيا أو التزاما عقليا لأن الواجب شعور وقدرة طبيعية يتحقق بدون اكراهات ويجعل الإنسان يميل إلى الفعل الأخلاقي بدو إكراه أو إلزام.
3. موقف هيوم :
يميز دافيد هيوم بين نوعين من الواجبات الأخلاقية، يصدر النوع الأول عن الغريزة الطبيعية والميل المباشر في حين لا يصدر النوع الثاني عن أية غريزة طبيعية أصيلة وإنما يصدر عن الإحساس بالإلزام الذي يرجع إلى ضرورات المجتمع البشري. ومن خلال هذا التمييز يخلص هيوم إلى اعتبار الواجبات الأخلاقية هي نتاج التفكير في الأضرار الناجمة عن الانسياق وراء تحقيق المصلحة الشخصية المرتبطة بحب الذات وحب التملك، وبذلك يصبح من الممكن تجنب هذه الآثار من الإحساس بالإلزام الناتج عن ضرورة المجتمع البشري والذي يسهم في كبح هذه الميولات الطبيعية والمحافظة على استمرار المجتمع. وانطلاق مما سبق فإن الواجب ينشأ من خلال الحد من الغريزة والميل والانتصار للعدالة والإخلاص.
4. موقف هيجل :
يرجع هيجل الواجب إلى تحقيق المنفعة الخاصة التي لا ينبغي إهمالها بل يجب إلحاقها بالمنفعة العامة، لأن الفرد الخاضع للواجب سيجد في تحقيقهما معا حماية لشخصه ولممتلكاته وتقديرا لمنفعته وإشباعا لماهيته واعتزازا واعيا بكونه عضوا في هذا الكل. وبالتالي فإن واجبات الفرد لا تنفصل عن حقوقه، وكما أن إتمام الفرد لواجباته تجاه الدولة يضمن الحفاظ على بقائه واستمراره لأنه عندما يؤدي خدمات على شكل واجبات فهو يشبع رغباته( المصلحة الخاصة) ويشبع رغبات الآخرين( المصلحة العامة).
II. الوعي الأخلاقي :
يقصد بالوعي الأخلاقي القدرة على إصدار أحكام معيارية على الأفعال الإنسانية ويضع معايير الاختيار فيميز بين الخير والشر وبين الفضيلة والرذيلة وبين المباح والممنوع. فما هو مصدر الوعي الأخلاقي؟
1. موقف إريك فايل :
إن الفعل الأخلاقي هو فعل الفرد تجاه ذاته الذي ينحاز فيه إلى العقل الذي ينتصر على الميولات والنزوات ويسيطر فيه الكوني على الخاص. ويرجع ذلك إلى كون الأخلاق هي ما يحدد الإنسان إذ لا يجوز النظر إليه كموضوع أو استخدامه كشيء، كما أنها تؤكد على أن كل إنسان يحمل في ذاته إنسانية الإنسان. وما دام الفعلي الأخلاقي يتأسس متى انحاز الإنسان إلى العقل فإن الوعي الأخلاقي هو عقلي حر والفعل الأخلاقي هو اتخاذ موقف أو الانحياز إلى رأي أو تبني فكرة وفقا لمبدأ العقل.
2. موقف فرانتس برونتانوBrentano :
تعتبر المدرسة الإمبريقية الوعي الأخلاقي إلزاما للفعل المطلوب وامتثالا للأوامر ناتجا عن الإكراه. ويشير الوعي الأخلاقي إلى علاقة اشتراك بين نمط معين من الفعل وفكرة الإلزام، بحيث إن الشخص يَتمثـّل القوة التي تتحكم في المجتمع الذي يعيش فيه، أو قد يتمثل الأمر كشيء يتجاوزه ويعلو عليه. وهذا الإلزام المصاحب لأفعال الشخص يجعل الامتثال للأوامر يكون ناتجا عن الإكراه وليس لكون هذه الأوامر شرعية. وإن هذا التصور يفترض أن الأخلاق نسبية تتلون بلون الأوضاع التي تجبر الفرد وتلزمه على الخضوع لما يحيط به.
3. موقف ابن مسكويه :
من منظور التصور الإسلامي، يعتبر ابن مسكويه الوعي الأخلاقي حالا للنفس داعية للفعل من غير فكر ولا روية، كما أن هذا الوعي يُستفاد بالعادة والتدريب وينتقل بالتأديب والمواعظ، ومراتب الناس في قبول الأخلاق متفاوتة نظرا لاختلاف طباعهم وأحوالهم النفسية. وهكذا فإن الأخلاق لا تعتبر طبيعية في النفس الإنسان ولا تصدر عن الفكر والروية بل يكتسبها الفرد عن طريق العادة والتدريب وتنقل إليه عبر التأديب.
III. الواجب والمجتمع:
1. موقف إميل دوركايم :
يعالج إميل دوركايم الواجب الأخلاقي من منظور سوسيولوجي، وفي هذا السياق يعتبر أن الضمير الأخلاقي لم ينتج إلا على المجتمع، ولا يعبر إلا عليه، وإذا تكلم الإنسان فإنما يردد صوت المجتمع فيه، فالواجب هو صوت المجتمع، أو انه صادر عن كائن يعلو علينا، والقصد من ذلك أن الوعي الفردي هو مجرد صدى للوعي الاجتماعي. وبالتالي فإن المجتمع قوة أخلاقية كبيرة والحضارة هي مجموع القيم الإنسانية السامية التي نتلقاها من المجتمع. كل هذا يجعل المجتمع المصدر الوحيد للوعي الأخلاقي، فهو الذي يحدد الواجبات ويرسخها ويعمل بقوة على حفظها لأن المجتمع سلطة أخلاقية تتمثل في فرض الاحترام تمنح قواعد السلوك الصفة الإكراهية المميزة للإلزام الأخلاقي. ينبغي لكي يمنح . وبالنظر إلى ما تقدم فإن الواجب أو الضمير الأخلاقي إلزام اجتماعي.
2. موقف هنري برجسون :
إن المجتمع هو الذي يرسم للفرد مناهج حياته اليومية لأنه لا يستطيع إلا أن يخضع لأوامره وأن ينقاد للواجبات الموافقة للقواعد المرسومة، ولا يكاد الفرد يشعر بما يفعل ولا يبذل في ذلك شيئا من الجهد، وواجبه بهذا المعنى يتحقق آليا. وعندما يطيع الفرد فإنه قد تعود على أن يستجيب للمجتمع، ومن هذه الجهة تبدو الحياة الاجتماعية كنسق من العادات المترسخة بقوة والتي تستجيب لحاجات الجماعة. وإن القرار بأهمية المجتمع ودوره في تحديد الواجبات الأخلاقية لا نبغي أن يحول دون الانفتاح على الواجبات الكونية التي تتجاوز انغلاق المجتمع لتتجه نحو واجبات إنسانية، وهذا ما يجعل الفرد ملزما بواجبات تجاه مجتمعه وواجبات نحو الإنسانية بكاملها.
3. موقف إنجلز :
يؤكد إنجلز على أهمية مفهوم الصراع الطبقي في فهم تشكل الوعي الأخلاقي. فالوعي نتاج ما يعيشه الإنسان من صراع طبقي قد يدركه الفرد أو قد يسقط فريسة الإيديولوجيا التي تجعل القيم الأخلاقية آلية من آليات التزييف والاندماج وتبرير الهيمنة ومصالح الطبقة المسيطرة. ويبرز هذا التصور الماركسي خضوع الأخلاق لفكرة التقدم مما يجعل من الوعي الأخلاقي والنظريات الأخلاقية انعكاسا للواقع الاجتماعي والاقتصادي والصراعات الطبقية. وما دام أن هناك تشابه بين مراحل التطور الاقتصادي والنظريات الأخلاقية فإنه لا يمكن تصور وجود نظام أخلاقي يفرض ذاته كقانون خالد ونهائي وثابت. ومن النتائج المباشرة لهذا التصور اختلاف الأخلاق من مجتمع إلى مجتمع آخر مما يبرز نسبيتها
وإذا كانت الأخلاق تحدد القيم والقواعد الموجهة فإنها كذلك ترسم الغايات القصوى والأهداف البعيدة للفعل الإنساني. ومن أهم هذه الغايات والأهداف بلوغ السعادة باعتبارها غاية كل إنسان، كما أن تمثل الفرد للسعادة حسب ظروفه النفسية والاجتماعية يفضي به إلى البحث عن وسيلة تحقيقها. غير أن القيام بالواجب والسعي نحو السعادة رهين باستقلال ذاتي للفرد يتمثل في تملك حرية الفعل والإرادة.
إن الواجب والسعادة والحرية هي مظاهر من البعد الأخلاقي بالنظر إليه كأحد الأبعاد المحددة للفعل الإنساني، وعلى اعتبار أن القيم والمثل والقواعد الأخلاقية توجه السلوكات وتنظم العلاقات وترسم الغايات، وهذا ما يجعل من الإنسان كائنا أخلاقيا.
الــواجب
تقديم
:
إن الإنسان كائن أخلاقي وفاعل يحمل قيما أخلاقية يسعى لتجسيدها في علاقته بذاته وغيره، وأخلاقيته تجعله مفارقا لكل الكائنات الحية ومتميزا عنها. ويمثل الواجب إحدى مظاهر بعده الأخلاقي، لأن الواجب هو ما يشكل المقولة الأساسية والوحيدة للأخلاق. ويوجد الواجب بالنسبة للفرد في صيغة واجبات تفرض طرقا محددة في التصرف والسلوك، وهذا ما يجعله منه المعيار الأساسي الموجه لكل فعل أخلاقي إنساني.
ما هو الواجب ؟
يمثل الواجب معيار الحكم على قيمة الفعل الأخلاقي بالنظر إليه كأمر مطلق يستلزم القيام بمجموعة من السلوكات المتعلقة بقيم أخلاقية كالاحترام والامتثال للقانون والحرية. ويحيل الواجب على كل فعل على الفرد القيام به إما بشكل إلزامي وإما بنوع من الالتزام الحر والواعي، وهو وازع ينبعث من الضمير الباطني ويملي على الشخص القيام بأفعال فاضلة.
وفي اللسان العربي يدل الواجب على اللازم، ويقال على ما يقابل الجائز والممكن. وفي المعجم الفلسفي يميز لالاند بين معنيين للواجب: معنى مجرد يفيد الوجوب الأخلاقي في ذاته بمعزل عن أية قاعدة عمل خاصة، ومعنى خاص وحسي يدل على قاعدة عمل محددة. وفي نفس المرجع، يحيل مفهوم الواجب إما على الضرورة، أي على ما ينبغي يكون،وإما على المناسب والملائم، أي على المقابل لما هو كائن أو لما يجب أن يكون( مثال تقابل الخير مع الشر...) كمل يحيل على الإلزام الأخلاقي المجرد كما هو الشأن بالنسبة كانط.
الإشكالية :
ما الواجب؟ هل يكون الواجب حرا أم أن قبوله لا يتم سوى تحت الإكراه؟ هل الواجب التزام أم إلزام؟ هل الواجب ذو طبيعة اعتباطية أم أن له أساسا في ذاتنا؟ هل الواجب نسبي أم كوني؟ وكيف يتم الوعي بالواجب؟
I. الواجب والإكراه :
السؤال: ما هو الواجب؟ وما هو مصدره؟ ومن يستمد مشروعيته؟
1. موقف كانط :
إن كانط في سياق مشروعه الفلسفي، وخاصة في كتابيه " تأسيس ميتافيزيقا الأخلاق" و" نقد العقل العملي" فقد سعى إلى تقعيد مبادئ الأفعال الأخلاقية والبحث في طبيعة الواجب ومصدر مشروعيته. إن ميتافيزيقا الأخلاق تستمد مبادئها من العقل ذاته مباشرة، وبالتالي من المستحيل تأسيسها على الواقع، لأن الواقع مشتت والأخلاق تريد قوانين ومبادئ موحدة، والواقع متغير والأخلاق تريد مبادئ ثابتة، والواقع نسبي والأخلاق تهدف إلى ما هو مطلق، وعليه فإن التجربة لا تفيد في وضع مبادئ الأخلاق لأنه من المستحيل العثور على فعل أخلاقي صادق في الواقع العملي التجريبي. ومن هنا تظهر أهمية احترام القانون الأخلاقي الذي يُشرعه العقل وتجسده الإرادة الخيرة والحرة. فالقانون الأخلاقي بوصفه مبدأ أسمى للواجب هو الذي يقصي تأثيرات الميولات على الإرادة بواسطة العقل وهو الذي يضفي على الأفعال الإنسانية قيمة أخلاقية. وما دام الأمر كذلك فإن الواجب هو الفعل المطابق للقانون الأخلاقي، وهو فعل عملي يتضمن مفهوما الإكراه أي أن الواجب هو ضرورة إنجاز الفعل احتراما للقانون الكلي الذي يتمثل في سيطرة العقل على كل الميولات. وهذا القانون الأخلاقي ليس مفروضا على الإرادة من خارجها بل يكون منبثقا وصادرا عن الإرادة نفسها وهذا ما يبر ضرورة طاعته، وهذه الطاعة حرية لا إكراه. ومن التصور الأخلاقي لكانط فإن الواجب فعل عملي مرجعه العقل وغايته احترام القانون ومنطلقه الإرادة الخيرة والحرة التي لا تخضع لمبدأ خارجي أم ميولات ذاتية وهذا ما يجعل منه التزاما وإكراها عقليا حرا.
2. موقف جون ماري غويو :
إذا كان التصور الأخلاقي الكانطي ينتهي إلي اعتبار الواجب الأخلاقي إلزاما عقليا، فإن عالم الاجتماع والفيلسوف جون ماري غويو يقدر أن الطابع الإلزامي العقلي للواجب الأخلاقي قد ينفي على الحياة قيمتها وينزع على الفعل الإنساني تلقائيته. وبالتالي فإن الواجب شعور بقدرة داخلية وشعور بما يجب فعله، وهو فيض من الحياة يريد أن ينصرف وان يجود بنفسه. وهذا ما يجعله شعورا بقدرة لا شعورا بضرورة وضغط. ويرجع أصل الواجب الأخلاقي إلى القانون الطبيعي الشامل الذي يصور الحياة في تقدم وحركية مستمرة. وما دام الأمر كذلك فغن الواجب يرتبط بالقدرة وتجاوز الغاية، وأن يدفع إلى احترام الآخرين فهو شعور تلقائي وليس إلزاما خارجيا أو التزاما عقليا لأن الواجب شعور وقدرة طبيعية يتحقق بدون اكراهات ويجعل الإنسان يميل إلى الفعل الأخلاقي بدو إكراه أو إلزام.
3. موقف هيوم :
يميز دافيد هيوم بين نوعين من الواجبات الأخلاقية، يصدر النوع الأول عن الغريزة الطبيعية والميل المباشر في حين لا يصدر النوع الثاني عن أية غريزة طبيعية أصيلة وإنما يصدر عن الإحساس بالإلزام الذي يرجع إلى ضرورات المجتمع البشري. ومن خلال هذا التمييز يخلص هيوم إلى اعتبار الواجبات الأخلاقية هي نتاج التفكير في الأضرار الناجمة عن الانسياق وراء تحقيق المصلحة الشخصية المرتبطة بحب الذات وحب التملك، وبذلك يصبح من الممكن تجنب هذه الآثار من الإحساس بالإلزام الناتج عن ضرورة المجتمع البشري والذي يسهم في كبح هذه الميولات الطبيعية والمحافظة على استمرار المجتمع. وانطلاق مما سبق فإن الواجب ينشأ من خلال الحد من الغريزة والميل والانتصار للعدالة والإخلاص.
4. موقف هيجل :
يرجع هيجل الواجب إلى تحقيق المنفعة الخاصة التي لا ينبغي إهمالها بل يجب إلحاقها بالمنفعة العامة، لأن الفرد الخاضع للواجب سيجد في تحقيقهما معا حماية لشخصه ولممتلكاته وتقديرا لمنفعته وإشباعا لماهيته واعتزازا واعيا بكونه عضوا في هذا الكل. وبالتالي فإن واجبات الفرد لا تنفصل عن حقوقه، وكما أن إتمام الفرد لواجباته تجاه الدولة يضمن الحفاظ على بقائه واستمراره لأنه عندما يؤدي خدمات على شكل واجبات فهو يشبع رغباته( المصلحة الخاصة) ويشبع رغبات الآخرين( المصلحة العامة).
II. الوعي الأخلاقي :
يقصد بالوعي الأخلاقي القدرة على إصدار أحكام معيارية على الأفعال الإنسانية ويضع معايير الاختيار فيميز بين الخير والشر وبين الفضيلة والرذيلة وبين المباح والممنوع. فما هو مصدر الوعي الأخلاقي؟
1. موقف إريك فايل :
إن الفعل الأخلاقي هو فعل الفرد تجاه ذاته الذي ينحاز فيه إلى العقل الذي ينتصر على الميولات والنزوات ويسيطر فيه الكوني على الخاص. ويرجع ذلك إلى كون الأخلاق هي ما يحدد الإنسان إذ لا يجوز النظر إليه كموضوع أو استخدامه كشيء، كما أنها تؤكد على أن كل إنسان يحمل في ذاته إنسانية الإنسان. وما دام الفعلي الأخلاقي يتأسس متى انحاز الإنسان إلى العقل فإن الوعي الأخلاقي هو عقلي حر والفعل الأخلاقي هو اتخاذ موقف أو الانحياز إلى رأي أو تبني فكرة وفقا لمبدأ العقل.
2. موقف فرانتس برونتانوBrentano :
تعتبر المدرسة الإمبريقية الوعي الأخلاقي إلزاما للفعل المطلوب وامتثالا للأوامر ناتجا عن الإكراه. ويشير الوعي الأخلاقي إلى علاقة اشتراك بين نمط معين من الفعل وفكرة الإلزام، بحيث إن الشخص يَتمثـّل القوة التي تتحكم في المجتمع الذي يعيش فيه، أو قد يتمثل الأمر كشيء يتجاوزه ويعلو عليه. وهذا الإلزام المصاحب لأفعال الشخص يجعل الامتثال للأوامر يكون ناتجا عن الإكراه وليس لكون هذه الأوامر شرعية. وإن هذا التصور يفترض أن الأخلاق نسبية تتلون بلون الأوضاع التي تجبر الفرد وتلزمه على الخضوع لما يحيط به.
3. موقف ابن مسكويه :
من منظور التصور الإسلامي، يعتبر ابن مسكويه الوعي الأخلاقي حالا للنفس داعية للفعل من غير فكر ولا روية، كما أن هذا الوعي يُستفاد بالعادة والتدريب وينتقل بالتأديب والمواعظ، ومراتب الناس في قبول الأخلاق متفاوتة نظرا لاختلاف طباعهم وأحوالهم النفسية. وهكذا فإن الأخلاق لا تعتبر طبيعية في النفس الإنسان ولا تصدر عن الفكر والروية بل يكتسبها الفرد عن طريق العادة والتدريب وتنقل إليه عبر التأديب.
III. الواجب والمجتمع:
1. موقف إميل دوركايم :
يعالج إميل دوركايم الواجب الأخلاقي من منظور سوسيولوجي، وفي هذا السياق يعتبر أن الضمير الأخلاقي لم ينتج إلا على المجتمع، ولا يعبر إلا عليه، وإذا تكلم الإنسان فإنما يردد صوت المجتمع فيه، فالواجب هو صوت المجتمع، أو انه صادر عن كائن يعلو علينا، والقصد من ذلك أن الوعي الفردي هو مجرد صدى للوعي الاجتماعي. وبالتالي فإن المجتمع قوة أخلاقية كبيرة والحضارة هي مجموع القيم الإنسانية السامية التي نتلقاها من المجتمع. كل هذا يجعل المجتمع المصدر الوحيد للوعي الأخلاقي، فهو الذي يحدد الواجبات ويرسخها ويعمل بقوة على حفظها لأن المجتمع سلطة أخلاقية تتمثل في فرض الاحترام تمنح قواعد السلوك الصفة الإكراهية المميزة للإلزام الأخلاقي. ينبغي لكي يمنح . وبالنظر إلى ما تقدم فإن الواجب أو الضمير الأخلاقي إلزام اجتماعي.
2. موقف هنري برجسون :
إن المجتمع هو الذي يرسم للفرد مناهج حياته اليومية لأنه لا يستطيع إلا أن يخضع لأوامره وأن ينقاد للواجبات الموافقة للقواعد المرسومة، ولا يكاد الفرد يشعر بما يفعل ولا يبذل في ذلك شيئا من الجهد، وواجبه بهذا المعنى يتحقق آليا. وعندما يطيع الفرد فإنه قد تعود على أن يستجيب للمجتمع، ومن هذه الجهة تبدو الحياة الاجتماعية كنسق من العادات المترسخة بقوة والتي تستجيب لحاجات الجماعة. وإن القرار بأهمية المجتمع ودوره في تحديد الواجبات الأخلاقية لا نبغي أن يحول دون الانفتاح على الواجبات الكونية التي تتجاوز انغلاق المجتمع لتتجه نحو واجبات إنسانية، وهذا ما يجعل الفرد ملزما بواجبات تجاه مجتمعه وواجبات نحو الإنسانية بكاملها.
3. موقف إنجلز :
يؤكد إنجلز على أهمية مفهوم الصراع الطبقي في فهم تشكل الوعي الأخلاقي. فالوعي نتاج ما يعيشه الإنسان من صراع طبقي قد يدركه الفرد أو قد يسقط فريسة الإيديولوجيا التي تجعل القيم الأخلاقية آلية من آليات التزييف والاندماج وتبرير الهيمنة ومصالح الطبقة المسيطرة. ويبرز هذا التصور الماركسي خضوع الأخلاق لفكرة التقدم مما يجعل من الوعي الأخلاقي والنظريات الأخلاقية انعكاسا للواقع الاجتماعي والاقتصادي والصراعات الطبقية. وما دام أن هناك تشابه بين مراحل التطور الاقتصادي والنظريات الأخلاقية فإنه لا يمكن تصور وجود نظام أخلاقي يفرض ذاته كقانون خالد ونهائي وثابت. ومن النتائج المباشرة لهذا التصور اختلاف الأخلاق من مجتمع إلى مجتمع آخر مما يبرز نسبيتها
نور العين- عضوة إدارية
-
عدد الرسائل : 1354
تاريخ الميلاد : 23/01/1994
العمر : 30
الدولة : المغرب
المهنة : student
المدينة : مراكش
الأوسمة :
الدولة :
رد: الاخلاق
merci ma belle 3la sujet ya3tik sa7a wa3ar
عاشقة الجنة- مستشارة ادارية
-
عدد الرسائل : 2480
تاريخ الميلاد : 16/09/1990
العمر : 34
الدولة : maroc
المدينة : xxxxx
الأوسمة :
الدولة :
احترام قوانين المنتدى :
رد: الاخلاق
mawdou3 jamil min 3odw ajmal
leila looool- العضوة الذهبية
-
عدد الرسائل : 1290
الدولة : maroc
الأوسمة :
الدولة :
احترام قوانين المنتدى :
رد: الاخلاق
شكرا بزاف الزوينات ربي اخليكم لينا
نور العين- عضوة إدارية
-
عدد الرسائل : 1354
تاريخ الميلاد : 23/01/1994
العمر : 30
الدولة : المغرب
المهنة : student
المدينة : مراكش
الأوسمة :
الدولة :
رد: الاخلاق
amin et toi aussi
leila looool- العضوة الذهبية
-
عدد الرسائل : 1290
الدولة : maroc
الأوسمة :
الدولة :
احترام قوانين المنتدى :
رد: الاخلاق
amin akhti ihfdak
عاشقة الجنة- مستشارة ادارية
-
عدد الرسائل : 2480
تاريخ الميلاد : 16/09/1990
العمر : 34
الدولة : maroc
المدينة : xxxxx
الأوسمة :
الدولة :
احترام قوانين المنتدى :
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى