عيد الأضحى بزاوية مولاي باعمران. محاولة للوصف
3 مشترك
صفحة 1 من اصل 1
عيد الأضحى بزاوية مولاي باعمران. محاولة للوصف
محاولة لوصف وتحليل أهم المحطات الطقوسية التي تعرضها سيرورة عيد الأضحى
قبيلة أيت باعمران، بمدينة قلعة أمكونة نموذجاً
قبيلة أيت باعمران، بمدينة قلعة أمكونة نموذجاً
بقلم : محمد العمراني
- تقديم:
من بين أهم الاحتفالات التي تشغل حيزا كبيرا في مخيلة مبحوثينا، عيد الأضحى الذي يسمى محليا بـ " تافاسكا " اشتقاقا من الكلمة الآرامية " فاسقا " أي " الفصح " وهو طقس من الطقوس اليهودية-المسيحية شبه الوثنية في شمال إفريقيا، ألا وهي طقوس خروف عيد الفصح ( agneau pascal ) . ويحل هذا العيد يوم العاشر من ذي الحجة آخر شهور السنة الهجرية وأكثرها قداسة في المجتمعات الإسلامية. إذ يتم خلاله الحج إلى بيت الله الحرام, ويقام خلاله يوم النحر الذي يعتبر سنة مؤكدة يؤديها المسلمون في جميع أنحاء المعمور. ولقد تم إذن بعد ذلك، الاسترداد الوظيفي لذلك الطقس الديني بشمال إفريقيا بعد دخول الإسلام على سبيل ما يعرف في الأنثروبولوجبة بالسانكريتسمية ( syncrétisme ). وذلك من خلال المزج الوظيفي، في هذه البلاد بين شكل الطقس في ثوب يهوديته الأولى، وبين المرجعية الإسلامية لشعيرة عيد الأضحى بعد دخول الإسلام الذي تحيل فيه رمزية هذه الشعيرة على مرجعية أخرى هي قصة إبراهيم عليه السلام ( سورة الصافات 102 ، 107 )
وتستحضر هذه التضحية الدموية عند المسلمين قصة إبراهيم الخليل الذي قبل أن يضحي بابنه إسماعيل من أجل الله الذي افتداه بكبش. ومن خلال خصوصية المجال الذي نتعرض فيه لدراسة هذه الظاهرة سنحاول توضيح الجوانب التي تتجلى فيها خصوصية هذه الممارسة في هذه المناطق على غرار ما جاء في النصوص الدينية والحديث. وإلى ماذا ترمز وكيف تتكون هذه الرموز في قالب من السلوكيات والممارسات التي بدأت تدخل في ما يطلق عليه بالعادات والتقاليد.
من هنا سنتعرض بالوصف والتحليل لمجمل صيرورة التضحية التي يعرفها هذا العيد بإحدى قرى الجنوب الشرقي، بالتحديد قبيلة أيت باعمران بمدينة قلعة أمكونة عمالة تنغير. رغم ما يعتبره "ر.ماكاريوس" أن البحث في المقدس هو في ذاته إبطال لمفعول قدسيته، بل إنه شكل من أشكال انتهاك المحرم. وسنحاول تجنب الوقوع في مثل هذا الأمر من خلال اتخاذنا حيزا من المسافة التي تفصل بين الباحث والظاهرة التي يبحث فيها، لنتعرض لوصف أهم مراحل هذه الظاهرة.
2- قبل العيد بأسبوع:
إن خصوصية المجال القروي في مناطق الجنوب الشرقي عامة تفرض على كل العائلات المتواجدة على طوله إرسال أبنائهم للعمل في المدن أو إكمال مسارهم الدراسي بعد البكلوريا أو تزويج بناتهم باتجاه المدن... إلخ. هذه الهجرات الداخلية تلعب دورا مهما في إضفاء صبغة الخصوصية على عيد الأضحى في هذه المناطق، ففي بعض القبائل إن لم نقل مجملها يعتبر محزنا أن لا يحضر أحد أطراف العائلة أيام العيد وخاصة صبيحة اليوم الأول حيث يتم ذبح الأضحية.
إن هذه التحركات الكثيرة تفرض على هذه الفئات مع التزاماتها بالعمل أو الدراسة مثلا صرف الكثير من الأموال في وسائل النقل – التي تكون مكتظة في مثل هذه المناسبات – والألبسة وحتى في الأضاحي حيث يفضل البعض القدوم على أسرته بأضحيته الخاصة، أو في إعداد الحلوى أو شراء مستلزمات الطهي ... إلخ. كما أن حركة الأسواق التجارية تشهد انتعاشا كبيرا في هذه الفترة قبل العيد.
3- قبل العيد بيوم ( يوم عرفة ):
يوم عرفة هو اليوم الذي يقف فيه حجاج بيت الله على جبل عرفات بمكة المكرمة. هذا اليوم يعتبر مهما في حياة أهل الجنوب الشرقي، خاصة مجال دراستنا، حيث تمتلك مجموعة من الأقارب أو تستغل ملكية عامة بينهم. يجتمع على شكل موزع وحسب الرغبة بعض أرباب الأسر الميسورة قبل هذا اليوم لشراء ذبيحة ( بقرة ) يذبحونها ويوزعونها فيما بينهم ذلك لسد الحاجة من اللحم والتي تكون أيام العيد حيث تكثر الزيارات فيما بينهم بهذه المناسبة. ومنهم من الأسر المتوسطة الدخل من يذبح خروفا. ومنهم من يكتفي باقتناء اللحم من الجزار فقط. وذلك حسب الموارد المالية لتلك الأسر وحتى عدد أفرادها.
4- يوم العيد:
تستيقظ أسر الدوار المكون أساسا من الشرفاء كعناصر أساسية و" إقدارن" ثم " إعاميين " أي عامة الناس وقاطني الدوار المنحدرين من مناطق مختلفة، تستيقظ بمجال الدراسة صبيحة يوم العيد باكرا، إذ قبل الإفطار تتم التهاني بالعيد بين أفراد الأسرة الواحدة علما أن غالبية الأسر بهذه المناطق أسر ممتدة، أو كما يصفها الفرنسي فريديريك لوبلاي الذي ميز بين ثلاثة أنواع رئيسية من العائلات، فكانت هناك العائلة " الأبوية " التي تدعى الآن العائلة " المشتركة " حيث يبقى الأبناء المتزوجون تحت سقف والدهم . وبعد ذلك يرتدي الرجال والأطفال ( ذكورا وإناثا ) أجمل ملابسهم احتفالا بقدوم العيد. وبعد أن يأخذ أرباب الأسر زينتهم يتوجهون إلى المصلى مع أبنائهم الذكور- بينما نجد النساء منهمكات في أخد زينتهن بعد الانتهاء من وجبة الفطور- والمصلى هاده عبارة عن هضبة تقع إزاء المسجد وسط الدوار. بينما يفضل البعض الذهاب مباشرة إلى المسجد حيث يصطحبون إمام القبيلة إلى المصلى في طريق مغايرة لا يسلكونها بعد العودة إلى منازلهم إتباعا للسنة النبوية. وفي طريقهم إلى المصلى يرددون أذكارا جماعية من قبيل: (سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله والله أكبر). حيث ينضموُّن إلى ألئك الذين توجهوا مباشرة صوب المصلى. بعد الصلاة ( صلاة العيد ) يقوم فقيه الدوار بالخطبة في الناس وغالبا ما يكون موضوع هذه الخطبة حول الهدف الأسمى من هذه المناسبات الدينية أي الحب في الله والتآخي والتراحم وصلة الرحم والتصدق على الفقراء والأيتام. بعد ذلك وبعد انتهاء خطبة العيد، يعمد الإمام إلى الجلوس والدعاء في الناس أدعية تخصهم من قبيل النصرة على الأعداء والهداية وربط أواصر المحبة بينهم ووحدتهم كقبيلة واحدة...إلخ. أثناء هذه العملية يتوجه الناس بالتصدق على الفقيه بما جادو به من مال – نفس العادة تكون في المواسم والحفلات والمناسبات وكذا عيد الفطر -.
يرفع المجلس فيبدأ أفراد الدوار صغارا وكبارا أطفالا وشيوخا في التحية والسلام فيما بينهم قاصدين بها تجديد علاقات الصداقة والجوار وإنهاء الخلافات الشخصية التي قد تكون بينهم معتقدين في بركة ذلك اليوم ومكانته بين باقي الأيام الأخرى.
ثم بعد لحظات تتجمع الحشود من جديد على شكل فرقتين تسبق إحداهما متجهة صوب المسجد مرددة أذكارا جديدة تتبعها المجموعة الثانية في طريقها وفي ترديد ما تقوله الفرقة الأولى - ويلاحظ أن غالبية من يشكلون الفرقة الثانية مكونون من الشباب بالدرجة الأولى-. عندما يصلون إزاء المسجد يشكلون حلقة دائرية يقف الفقيه ( فقيه الدوار ) في أحد أجزائها داعيا من جديد، إذ تعتبر هذه فرصة لمن لم يستطع التصدق عليه في المرة الأولى بـالمصلى. بعدها مباشرة يقوم بذبح أضحيته أمام الملأ إيذانا للجميع بالعودة لمنازلهم لذبح أضاحيهم. في هذه الفترة يفضل البعض زيارة أقاربه ومن والاهم من أهل القبيلة في طريقه لمنزله. بيد أن البعض يؤخر هذه العملية حتى ينتهي من تهيئ أضحيته.
بعد العودة لمنازلهم تعِدُّ النساء أضحية العيد وسكاكين الذبح والسلخ، يقوم رب الأسرة بالذبح بعد - توجيه أضحيته نحو القبلة - تكبيره عليها، وذلك بحضور أفراد أسرته. وغالبا ما نجد عائلة ممتدة مكونة من جد وإخوة وأبنائهم يضحون كل بكبشه، فالغالب أن عائلات القبيلة تشترك كل على حدا في أضحية واحدة. ونلاحظ غياب ممارسات ترافق ذبح الأضحية وسلخها كما في بعض المناطق من الجنوب الشرقي.
في المساء تبدأ الزيارات بين الأقارب وأهل الدوار من جديد، هنا نلحظ خروج غالبية أهل الدوار إناثا وذكورا وخاصة منهم الشباب لتحية أهل القبيلة وزيارتهم. ولا يقتصر ذلك على أفراد القبيلة وحدهم بل نجد حضور أفراد من قبائل مجاورة.
في اليوم الموالي تتواصل الزيارات. أما اليوم الثالث فيشهد عادة تقطيع الأضاحي يسمي الناس هذا اليوم بيوم ( Tfssil ). بعدها يسمح لهم في تناول لحم أضحيتهم وغالبا ما تكون وجبة لحم رأس الخروف هي ما يبدؤون به فيبخرون الرأس في الكسكاس بعد أن يكون قد تم إزالة شعره بالنار
"تشويط الرأس" ويعدون الكسكس الذي يتجمع حوله أفراد العائلة والضيوف. ويكون آخر ما يتناولونه من أضاحيهم "Tikordas" أو ما يصطلح عليه بالدارجة المغربية " lgdid" معلنين بذلك انتهاء العيد.
5- ما هي الدلالات التي يمكن أن نستخلصها من هذا الوصف السريع لأهم المحطات الطقوسية التي تعرضها سيرورة هذا الاحتفال الديني في هذا السياق المحلي ؟
إن أول ملاحظة يلاحظها أي باحث لهذه الظاهرة في هذه المناطق أو غيرها من بقاع المغرب إذا لم نسرف في التعميم، هي ذلك الحرص الكبير لدى جميع الأسر حتى الفقيرة والمعوزة منها على التضحية ولو اقتضى منها الأمر اقتراض المال أو بيع بعض الأغراض المنزلية لأجل شراء الأضحية. ومنهم من يعتبر هذه الشعيرة واجبة ومفروضة على غرار ما أتى به النص الديني كونها: سنة ( وإن كانت مؤكدة ) لا ترقى إلى مستوى الفرض، وبالتالي فإنها ليست ذات طابع إلزامي . وعندما نتحدث عن خصوصية هذا المجال فنحن نقصد ما نقوله، فتشكلات القبائل هي البناء الاجتماعي المكون لهذه المناطق والكل يعلم مدى الترابط والتلاحم الكبيرين اللذين يكونان بين الساكنة في مثل هذه البنيات الاجتماعية داخليا، ما يجعل كل الخصوصيات الأسرية وحتى الأسرار الداخلية للأسر أو القبائل نفسها في علم جميع الساكنة المحيطة بهم. فنجد أن الفكرة السائدة لدى هؤلاء الذين يضحون بشق الأنفس والدافع الكبير لجهد أنفسهم للتضحية يوم العيد هو دفع سخرية الناس منهم وكذلك رغبتهم في سد أفواه الأطفال والنساء من ذكرهم بالسوء أمام الناس. ويعتبرونها ( السخرية ) مدعاة لتدني قيمتهم في المجتمع وتعريض عرَضِهم وكرامتهم للسوء، ومن هنا تتجلى لنا سلطة المجتمع على الأفراد. كما أن العادة والتقليد تلعب دورا في هذا الأمر فنجد الساكنة يضحون لكون الناس جميعا ضحوا أو لامتثالهم لما توارثوه عن أهلهم وعاداتهم، كون ظاهرة التضحية مرتبطة بثقافة هذا الشريحة من المجتمع ليس فقط في عيد الأضحى ولكن حتى في الحفلات والمواسم والمواليد ومواسم الحصاد...، ومن كل هذا نلحظ تدني مستوى "المقدس" من الدِّيني إلى الدُّنيوي. حيث نجد الناس يربطون هذه الطقوس بالعادة وليس بالعبادة.
وفي معرض حديثنا عن الأيام التي تسبق العيد وخاصة الأسبوع ما قبل يوم التضحية، لاحظنا أن جل الأسر بهذه المناطق تنفعل لمثل هذه المناسبة بشكل ملحوظ. وقد أسلفنا بأن الحركة الكبيرة للعائدين من أبناء القرى المتواجدين بالمدن تشكل هاجسا كبيرا أمامهم فيما يخص المصاريف المتعلقة بذلك. هذه الانفعالات والمصاريف الكثيرة تنعكس سلبا على فرحة العيد المتوقعة. فضيق الوقت والتزامات هؤلاء العائدين بأعمالهم بالمدن أو دراستهم أو حتى شؤون أسرهم وكثرة المصاريف التي يؤذونها تزيد ضغطا كبيراً على هذا اليوم ( يوم العيد )، فتتحول فرحة العيد إلى مجرد تفريغ لسعادة وهمية وغير حقيقية ( وهنا لا نقصد التعميم بل مجرد لفت الانتباه لهذا العائق الذي يعرقل فرحة العيد لدى مبحوثينا ).
وحسب العادة - أو كما يدعوها بيير بورديو " التوالد الثقافي " أي اتجاه المجتمع بشكل عام والنظام التعليمي بشكل خاص إلى نسخ نفسه عن طريق تثبيت قيم الجيل السابق في الجيل الناشئ، فالتقاليد كما يضيف بورديو لا تستمر بشكل آلي - نجد مبحوثينا يحتفلون بيوم وقوف حجاج بيت الله الحرام ( يوم عرفة ) بشكل خاص. وكما أسلفنا الذكر في ذلك فكل مجموعة من الأسر الميسورة وحتى الفقيرة تحاول أن تسد حاجتها من اللحم في الأيام ما بعد العيد لكثرة الزيارات التي تتخللها. رغم أننا نلاحظ أن هذه الظاهرة لم تعد ترتبط بجانبها الاقتصادي فقط بل تحولت إلى ممارسة مفروضة لدى بعض الأسر، تداولوها عن طريق أبائهم وكثرة الممارسة ولم يعودوا يقدرون على الكف عنها. ونعتقد أنها تدخل كسبب في ترسيخ التراتب الاجتماعي داخل هذه القبائل والأسر حيث تظهر الأسر الغنية في نوع وعدد الذبائح التي يذبحونها، فكناك من يذبح بقرتين أو واحدة أو خروفا، وهناك من يكتفي كما أسلفنا باقتناء كيلوغرامات من اللحم فقط حسب القدرة الشرائية للأسر ومدى امتدادها.
ولكي نتعرض لتحليل وفهم أشكال الممارسات بهذه القبائل بالتحديد وقبيلة أيت باعمران موضع دراستنا يجب علينا أولا أن نفهم ونعرف نوع البنيات الاجتماعية المكون لهذه القبيلة كي نستطيع تفكيك ما يجول داخلها ومعرفة البنيات الخفية وما المقصد من بعض الممارسات والعادات التي تختص بها هذه القبيلة باعتبارها تحتضن " زاوية " مشهورة . وكذلك السبب في غياب بعض الممارسات التي تنتشر في الجنوب الشرقي عامة والقبائل المجاورة لها بالخصوص بهذه القبيلة. ما سيتطلب منا الإطناب في التحليل وربط هذه الممارسات بسياقاتها العامة. لذلك سنحاول فقط الإشارة إلى أهم ما تدل عليه هذه الطقوس التي تكتنف يوم العيد باختصار وسنكتفي بمحاولة تحليل ما أدرجناه أعلاه.
إن عادة الناس وكذا ما ينص عليه الدين الإسلامي فيما يخص طهارة الجسد والملبس تجد لها حضورا كبيرا في هذا اليوم كما في باقي الأعياد الدينية، وترمز إلى وقوف الناس بين يدي الله في هذا اليوم الذي أنقذ فيه الله النبي إسماعيل من سكين والده إبراهيم وافتداه بكبش لتستمر الحياة في الوجود . رغم أننا نلاحظ بأن الناس لا يستحضرون دائما مثل هذه الأحداث المذكورة في القرآن وربطهم الهندام الجميل واللباس النقي بنوع وقيمة الاحتفال الذي يحضرونه. وكذلك تظهر لنا من خلال الملاحظة محاولة لإخفاء حقيقة التفاوت المادي بين هذه الأسر من خلال التباهي بالأزياء وخاصة شرائح الأطفال والنساء كما في المناسبات الأخرى كالأعراس.
ويعكس حضور الرجال والأطفال الذكور دون الإناث أو النساء صلاة العيد " بالمصلى " فعلا اجتماعيا يتجلى في سلطة الرجل على المرآة تحت ذريعة المحافظة والحشمة. فقط في حالة ارتباك في حالة الطقس تستطيع النساء حضور صلاة العيد بالمسجد في المكان المخصص لهن، ولا نفهم من هذا أن لكل النساء الحق في ذلك.
بعض صلاة وخطبة العيد، يأتي دور الفقيه من جديد، فعندما نجده يدعوا للناس يقوم أفراد القبيلة بالتصدق عليه فيقف الشخص من صفه متجها نحو الفقيه حتى يعطيه بيده اليمنى ما جاد به من مال. هنا تماما نعتقد أن هذه الممارسة لا تعكس فقط سخاء أهل القبيلة أو ما شابه ذلك، بل هي في حد ذاتها منافسة بينهم لكي يعلنوا عن مستواهم المادي أمام الناس، فالتصدق هنا لم يعد عبادة بل مفخرة يعلن فيها صاحبها غناه وسخاءه مثلا. وقد لا يظهر هذا لمبحوثينا على أنه حقيقة ولكن البنا الخفية لهذه الظاهرة تعلن عن ذلك بدون شك.
عندما ينتهي الفقيه من ذلك يقوم الناس بتحية بعضهم بعضا معلنين عن تسامح ومحبة بينهم. نتساءل: هل هذا ما يعبرون عنه في الحقيقة ؟ فبعض المشاحنات تنشب بين البعض من أفراد الأسر أو القبيلة بعد العيد مباشرة. وبعد ملاحظتنا وجدنا أن البعض يتجنب تحية بعض أفراد عائلته مثلا، في منازلهم بعد الزيارات التي يتبادلها أهل القبيلة أيام العيد. كل هذا يعكس رغبة هؤلاء في الظهور بقناع التسامح والمحبة في ساحة " المصلى " والتي تضفي نوعا من القدسية على هذه المناسبة. فالمجال كنظام وكون cosmos لا يوجد إلا بتجسيد المقدس فيه .
بعد ذلك يتوجه الناس صوب ساحة بقرب مسجد الدوار حيث يشكلون حلقة يتوسطها شخص يمسك بأضحية الفقيه، بعد الانتهاء من الدعاء حيث تكثر آلات التصوير؛ إذ يفضل البعض أخد صور تذكارية مع ذلك الكبش - وفي ذلك ذليل على حضورهم مراسم العيد كاملة إذ هي الخطوة الأخيرة التي يجتمع فيها أهل القبيلة صباح يوم العيد - الذي يتم ذبحه أمام الملأ خاصة منهم الأطفال، ما يجسد تكريس عنف أضحوي، ما يصفه روني جيرار في قوله: ما التضحية سوى عنف زائد، عنف مضاف لعنف آخر، لكنها العنف الأخير، الكلمة الأخيرة للعنف . كما أن عملية التضحية التي تتم وفق ذلك التعاقب المنظم من توجيه للأضحية شطر القبلة ومن بسملة وتكبير، فإنها تتم بالضرورة وككل تضحية باسم ولفائدة الجماعة حتى وإن اتخذت شكلا فرديا في إنجازها . هنا تتجلى رمزية أضحية الفقيه التي تتحول في عقول مبحوثينا إلى وحدة جمعية تأتي فوق التصور البسيط للأضحية العادية في منزل كل أسرة.
بعد عودة المؤمنين إلى منازلهم يبدأ رب كل أسرة بذبح خروف العيد بعد توجيهه نحو القبلة وتكبيره عليه، مراعيا بذلك إحسان الذِّبحة. هكذا يتم سلخ الأضحية وتشريحها بعد ذلك وتنقيتها وتحفيظها في غرفة حيت ستقضي مدة يومين بعد ذلك اليوم لكي يتم تقطيعها في ما يسمى بيوم " التفصيل ".
ومما أثار انتباهنا غياب تلك الممارسات الغريبة المرافقة لمراسيم الذبح أو السلخ كما في بعض المناطق الأخرى ! ويمكن أن نعزو ذلك إلى خصوصية المجال الذي تتواجد فيه هذه الأسر وأصلها المنحدر من الشرفاء ومن الولي المدفون بهذه القبيلة " مولاي باعمران " حيث تمركز الزاوية بهذه المنطقة يرمز إلى عدم الخروج على نطاق النصوص الدينية والسنة، رغم أن هذا الاحتمال مستبعد كثيرا فهنالك إلى تاريخ قريب بعض الممارسات الوثنية التي يقوم بها بعض أهل القبيلة يرفضها الدين الإسلامي تماما. كما قد يكون السبب في ذلك ما سبق وأشرنا إليه في معرض حديثنا عن ما يصفه بيير بورديو بالتوالد الثقافي وما توارثه هؤلاء عن آبائهم خاصة والرواية الشفوية تأكد بأنهم ليسوا من أهل دادس بل قدموا إليها في فترة مغمورة يصعب تحديدها لغياب وثائق تؤرخ لذلك.
ونجد رأياً آخر يقول بأن نسبة التعلم في أوساط سكان قبيلة أيت باعمران مرتفعة بالمقارنة مع القبائل الأخرى المجاورة، فغالبية شيوخهم من حفظة القرآن.
رغم كل ما يقال ويراج في هذا الموضوع فبدون دراسات إطنوغرافية وأنثروبولوجية متخصصة لا يمكن الجزم بشيء في مثل هذه الحالات. كما أن خصوبة المجال الثقافي وتعدد الممارسات والسلوكات المتداخلة فيما بينها يتطلب الحذر في البحث وتصنيف كل ظاهرة في سياقها الخاص والعام لكي تتضح الأمور أكثر أمام المشتغلين في مثل هذا الميدان. ونظيف أن هذه المناطق على امتداد الجنوب الشرقي عامة وحوض واد دادس بالخصوص زاخرة بالعادات والتقاليد التي تحتاج حقيقة إلى دراسات موسعة وأكاديمية تفصيلية لفهمها وتحرير التعقيد الذي يجول حولها.
محمد العمراني- المتطوع المساعد
-
عدد الرسائل : 737
تاريخ الميلاد : 16/04/1988
العمر : 36
الدولة : المغرب
المهنة : طالب ، مؤطر تربوي ، تقني إعلاميات
المدينة : قلعة أمكونة
الدولة :
احترام قوانين المنتدى :
رد: عيد الأضحى بزاوية مولاي باعمران. محاولة للوصف
قال الشاعر
يا قاسِمَ الخَيراتِ يا مَأْوى الكَرَمْ *** قد جاءَتِ الأَضْحى وما لي من غَنَمْ
رَأَيْتُكمُ بني الخَذْواءِ لَمَّا *** دَنا الأَضْحى وصَلَّلَتِ اللِّحامُ
تَولَّيْتُم بوِدِّكُمُ وقُلْتُمْ: *** لَعَكٌّ منكَ أَقْرَبُ أَو جُذَامُ
تختلف عادات كل قبيلة على الاخرى وتتباين مظاهر احتفالها بعيد الأضحى.. وتزخر قبائل الجنوب الشرقي بعادات وتقاليد مرافقة لهذه المناسبة، يرتبط أغلبها بذلك التلاحم والترابط بين مختلف الشرائح الاجتماعية.. وبإحياء روح التضامن والتكافل الاجتماعي.. وبتجديد صلات الأرحام والقربات ..
اخي الكريم محمد العمراني لقد رحلت بنا الى عالم اخر عالم بسيط عالم يتسم بالبهجة و السرور . لقد ذكرت كل التفاصيل الصغيرة و الكبيرة التي تتميز بها هذه المناسبة بقلعة مكونة
اشكرك على هذا الطرح المتميز و اتمنى من الله العلي القدير ان يجعل عملك هذا صالحا لوجهه الكريم و ان يوفقنا و اياك لما يحبه و يرضاه انه سميع مجيب
في انتظار باقي مواضعك المميزة تقبل خالص ودي و احترامي
منتديات روافد مكونة منتدى من لا منتدى له
يا قاسِمَ الخَيراتِ يا مَأْوى الكَرَمْ *** قد جاءَتِ الأَضْحى وما لي من غَنَمْ
رَأَيْتُكمُ بني الخَذْواءِ لَمَّا *** دَنا الأَضْحى وصَلَّلَتِ اللِّحامُ
تَولَّيْتُم بوِدِّكُمُ وقُلْتُمْ: *** لَعَكٌّ منكَ أَقْرَبُ أَو جُذَامُ
تختلف عادات كل قبيلة على الاخرى وتتباين مظاهر احتفالها بعيد الأضحى.. وتزخر قبائل الجنوب الشرقي بعادات وتقاليد مرافقة لهذه المناسبة، يرتبط أغلبها بذلك التلاحم والترابط بين مختلف الشرائح الاجتماعية.. وبإحياء روح التضامن والتكافل الاجتماعي.. وبتجديد صلات الأرحام والقربات ..
اخي الكريم محمد العمراني لقد رحلت بنا الى عالم اخر عالم بسيط عالم يتسم بالبهجة و السرور . لقد ذكرت كل التفاصيل الصغيرة و الكبيرة التي تتميز بها هذه المناسبة بقلعة مكونة
اشكرك على هذا الطرح المتميز و اتمنى من الله العلي القدير ان يجعل عملك هذا صالحا لوجهه الكريم و ان يوفقنا و اياك لما يحبه و يرضاه انه سميع مجيب
في انتظار باقي مواضعك المميزة تقبل خالص ودي و احترامي
منتديات روافد مكونة منتدى من لا منتدى له
MoUlAy YoUsSeF- نائب المدير
-
عدد الرسائل : 1332
تاريخ الميلاد : 05/10/1988
العمر : 36
الدولة : المملكة المغربية
المهنة : طالب
المدينة : casablanca
الهاتف : 0670766129
الأوسمة :
الدولة :
احترام قوانين المنتدى :
رد: عيد الأضحى بزاوية مولاي باعمران. محاولة للوصف
الموضوع الجميل لا تستطيع ان تحجب عنه الشمس مهما فعلت .. موضوع غاية في الروعة لصاحبه محمد العمراني اخوا المبدع عبد العزيز.. شكراا اخي محمد عل العودة بنا الي الزمن الجميل .. والف تحية لك عل موضوعاتك.
itri saghro- مستشار اداري
-
عدد الرسائل : 949
تاريخ الميلاد : 24/02/1979
العمر : 45
الدولة : ايت سدرات
المدينة : تملالت
الأوسمة :
احترام قوانين المنتدى :
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى