زاوية مولاي باعمران، جدلية الدِّين والتديُّن. محاولة للفهم
3 مشترك
صفحة 1 من اصل 1
زاوية مولاي باعمران، جدلية الدِّين والتديُّن. محاولة للفهم
" من بين أهم تقنيات البحث في العلوم الاجتماعية نجد تقنية (الملاحظة بالمشاركة)، وذلك حينما يصبح الباحث فاعلا في الجماعة التي يدرسها، ما يدعوه غرامشي بالمثقف العضوي. إننا هنا لا ندرس ما يجب أن يكون أو ما هي نضرة الدّين حول الموضوع، إننا نحاول فهم ما هو كائن؛ ولا ندّعي في النهاية إلاّ كون ما نقدمه مجرد محاولات بسيطة للفهم ".
محمد العمراني
يعتقد بعض الناس أن العودة إلى الدّين هي الإجابة لا بوصفها فعلا من أفعال الإيمان، بل للهرب من شك لا سبيل إلى احتماله. وهؤلاء لا يتخذون هذا القرار تعبدا، بل بحثا عن الأمن (1). هذا ما يجعل الكثير من الناس يربط جل ممارساته وتصرفاته واعتقاداته في بعض الأحيان بالسماء في دلالة على الله، أي أننا إذا لم نعتقد في الله، فلا مبرر لنا – ولا حق لنا – في أن نؤمن بالروح ومطالبها. من هنا يتضح لنا ربط الإنسان لما هو دنيوي بما هو ديني فيعتقد بكونه حقق ذلك التناغم بين ما يقوم به وبين ما جاء به الدّين، وغالبية الناس يصفون بعض تصرفاتهم بأنها نابعة من صلب الدّين علما منهم بذلك أو بدون علم؛ إنهم يحاولون العثور على حل بالرجوع إلى الدين التقليدي أو ما يطلق عليه علماء الأنتروبولوجيا بالإسلام الشعبي.
وحيثما وجد المجال، يكون علامة على حضور المقدس (2). ومجال دراستنا الآن هو الزاوية، إنها أداة تنظيمية قبلية متطورة، تقوم بدور ديني مقدس وسياسي ودنيوي كنتيجة لنفوذها الاجتماعي (3) . في هذا المجال البسيط بنائه المقدس ترابه في علاقته بكرامة وولاء الشخص المدفون فيه حسب مبحوثينا، نجد عدة ممارسات ( تعبديّة ) تمارس داخل حرم الضريح وعموما بالزاوية كمجال مقدس، تطابقا مع بعض الممارسات الأخرى؛ حيث لا تنحصر وظيفة العملية الطقوسية في إعادة تأكيد المبادئ البنيوية المركزية لمجتمع ما، بل إن هذه العملية الطقوسية نفسها منخرطة في السياسة المحلية (4)، " تْلآغْنْجَا " أو " لحْطْرْتْ " أو " موسم أيت باعمران "... إلخ. من هنا ستتضح لنا الإشكالية التي نحن في صددها على الشكل التالي:
- ما دلالة تلك الممارسات التي تمارس داخل الضريح، وتركيزًا في موسم أيت باعمران ؟
- كيف يفهمها الناس بحوض دادس ؟ وما علاقة المكلفين بالزاوية بها ؟
عندما نعود إلى الوراء أي إلى التاريخ بلمحة من تأن وطيب خاطر، نجد أن المجتمع الدادسي في فترات مختلفة من نشأته كان ولازال مجتمعا ذكوريا بامتياز. إنه نتاج لسلطة مجتمع عرف ضراوة الجنس الذكوري بالمقارنة مع الجنس الآخر. ولا غرابة في ذلك فالمحدد البيولوجي دال عليه ووعورة المجال. لكن عندما يتعلق الأمر بالعقل فلا يجب علينا أن نتسرع في الحسم أو في الاندفاع قائلين إن المرأة تجهل تماما التعامل مع كل ما يحتاج لتفسير دقيق أو ما يوجد على شكل بنية مفاهيم ميتافيزيقية. فعندما نجد أن النساء في دادس هن المعنيات بالدرجة الأولى بمثل هذه السلوكات التي يعرفها ضريح مولاي باعمران إذا شئنا التخصيص؛ نجد من الضروري الإشادة بدورهن في المحافظة على الموروث الثقافي الأمازيغي بالمنطقة عموما. ومن بين ما لازلن يحتفظن به - كخزان ثقافي - وكما هو ملاحظ، ما يدخل فيما يسميه فسترمارك في أطروحته بالبقايا الوثنية؛ ويقصد بها مجموعة من المعتقدات والطقوس القديمة، بعضها تم احتواءه من طرف الديانة المحمدية (الإسلام)، والبعض الآخر بقي حاضرا ببساطة داخل معتقدات وطقوس المسلمين رغم الاعتراضات الشديدة للفقهاء (5).
الآن وفقط بدأنا نفهم ولو بشكل بسيط أن هذه الممارسات خارجة عن مجال الزاوية، عن نطاق اختصاصها المركز أساسا وكما سبق الذكر في ما هو ديني مقدس ( أي النّص ) وسياسي ودنيوي إذا أمكن لنا أن نقول: فقط. أي أن كل ممارسة يشهدها مجال الزاوية وتحت سقف قبة الضريح ليست نابعة من تواجد الزاوية المكاني والزماني، بل هي في الحقيقة مجرد مجال يعتقد فيه الناس لتفريغ هذا " الوهم " الذي سبق وقلنا عنه أنه اعتقاد أو طريق للوصول إلى الروحانية التي ستمكن مُمَارِسَها من التشفع لنفسه من السماء أكثر لو بقي في منزله مثلا. وقبل ذلك كانت أماكن العلاج المعترف بها الطبيعة أولا بما أنها الشكل الظاهر للحقيقة؛ فهي تملك في داخلها القدرة على إزالة الخطإ وتبديد الأوهام (6). هنا تماما تتجلى لنا قدسية مجال الزاوية وكيف توجّه " الذوات الواهمة " كل طاقاتها الروحانية صوبه لمجرد ارتباطه (المجال) بضريح شخص كان مشهودا له بالولاء حسب ما تَوفَّر لديهم من رواية شفوية وحسب ما توارثوه عن آبائهم، وكذلك اعتقادهم بأزلية روح من يشهد له الناس بالولاء على الأرض، أو في شخوص أبنائه وأحفاده؛ ومن هنا يستمد كل أفراد زاوية أيت باعمران مكانتهم في الانتساب لهذا الولي بيولوجيا وروحيا في نظر الممارسين لهذه السلوكات.
هكذا يفهم الناس بدادس تواصلهم الدائم مع مجال الضريح سواء بمجرد الحضور والزيارة أو بتقديم هدايا تدخل في نطاق أوسع وأشمل سنحاول تخصيص موضوع لها وهي " القرابين " بمفهومها الأنتروبولوجي والسوسيولوجي لا كما يفهمها الناس؛ أو ضمن العرف القبلي، فيما يخص دور الزاوية في فك النزاعات والخلافات بين القبائل المتواجدة في محيطها.
إننا إذا عرفنا تاريخ زاوية مولاي باعمران بالتفصيل سوف لن نختلف على ما سنتوصل إليه من حقائق، لكن والحال أننا لا نتوفر لحد الآن إلا على قليل من الوثائق المؤرخة لبعض فترات من تاريخها، لا يجب علينا كما لا يجب على أحد الخوض في ما أسميه بالغموض المتعلق بالزاوية، إلا والأدلة ثابتة.
لقد سبق وأشرنا باقتضاب بأن جل الممارسات والسلوكات التي يمارسها حجاج الضريح في كل موسم، خارجة عن نطاق تخصص الزاوية زمانا ومكانا. وأن هذه الممارسات مرتبطة أشد الارتباط بسياق أكبر وأشمل وهو المجتمع الكبير إذا لم نقل شمال إفريقيا بشكل أوسع وأعمق، وذلك عبر مراحل التاريخ التي نشأة فيها كل هذه العادات والتقاليد على جغرافيته وعبر تأثره بالعالم الكبير. أي أن هذه الممارسات سابقة للزاوية زمانا، ومتجدرة في ثقافة أفراد هذا المجال إذا عدنا للتخصيص؛ وبالتالي فهي تندرج في ما يسميه علماء الاجتماع بالعقل الجمعي للمجتمع، والذي لا يستطيع أي فرد أو أي جماعة التعرض له إلا بشق الأنفس وغزارة الأجيال الحاملين لهذه الرسالة ( رسالة التغيير).
كل هذا سيفتح لنا أبواب التساؤلات من جديد وعلى مصراعيها:
- فما موقف الرأي العام من هذه الممارسات ؟ وهل صحيح أنهم يرفضون لكنهم في نفس الوقت يمارسون ؟
- لماذا لم تستطع الزاوية رغم خطابها الديني الحد أو القضاء على مثل هذه الممارسات " الوثنية " حسب فسترمارك ؟
- إلى أي حد كرّست هذه الممارسات الفهم الخاطئ للدّين الإسلامي الذي ترعاه " الزاوية " ؟
- لماذا تركز غالبية النساء المُمَارِسَاتُ في أفعالهن على نيّة طلب الزواج مقابل التدحرج كعادة واعتقاد ؟
- لماذا فِعْلُ التدحرج بالضرورة ؟ وما علاقته بقدسية مجال الزاوية وتربتها ؟
- ما دلالة التبرك بتربة الضريح ؟ وكيف تصور الناس مؤخرا فكرة بركة مياه البئر المحاذية للزاوية ؟
كلها أسئلة والمزيد المزيد منها ينتظر الإجابة الموضوعية والعلمية بدون أي تدخل للذاتية وللتعصب الذي يفقد البحث العلمي معناه وحرمته. والحال أننا نكرر ما سبق وتحدثنا عنه مرارا وتكرارا: العقل السليم هو الذي يتقبل الأفكار على أنها أفكار، وليس على كونها مسلمات أو معتقدات أو تواثب جامدة. نحن لا نقول الحقيقة، ولكننا في طريق البحث عنها.
- الإحالات :
1- الدين والتحليل النفسي، إريك فروم. ترجمة: فؤاد كامل. دار غريب للطباعة. ص.
2- المقدس الإسلامي، نور الدين الزاهي. دار توبقال للنشر. ص:32.
3- القبيلة، الإقطاع والمخزن مقاربة سوسيولوجية للمجتمع المغربي الحديث1844-1934، الهادي الهروي. أفريقيا الشرق.ص: 122.
4- سيدي شمهروش الطقوسي والسياسي في الأطلس الكبير، حسن رشيق. ترجمة: عبد المجيد جحفة ومصطفى النحال. أفريقيا الشرق.ص:174.
5- الدين والمجتمع دراسة سوسيولوجية للتدين بالمغرب، عبد الغني منديب. أفريقيا الشرق.ص: 20.
6- دروس ميشيل فوكو، ترجمة محمد ميلاد. دار توبقال للنشر. ص: 31.
محمد العمراني
زاوية مولاي باعمران
جدلية الدِّين والتديُّن. محاولة للفهم
جدلية الدِّين والتديُّن. محاولة للفهم
يعتقد بعض الناس أن العودة إلى الدّين هي الإجابة لا بوصفها فعلا من أفعال الإيمان، بل للهرب من شك لا سبيل إلى احتماله. وهؤلاء لا يتخذون هذا القرار تعبدا، بل بحثا عن الأمن (1). هذا ما يجعل الكثير من الناس يربط جل ممارساته وتصرفاته واعتقاداته في بعض الأحيان بالسماء في دلالة على الله، أي أننا إذا لم نعتقد في الله، فلا مبرر لنا – ولا حق لنا – في أن نؤمن بالروح ومطالبها. من هنا يتضح لنا ربط الإنسان لما هو دنيوي بما هو ديني فيعتقد بكونه حقق ذلك التناغم بين ما يقوم به وبين ما جاء به الدّين، وغالبية الناس يصفون بعض تصرفاتهم بأنها نابعة من صلب الدّين علما منهم بذلك أو بدون علم؛ إنهم يحاولون العثور على حل بالرجوع إلى الدين التقليدي أو ما يطلق عليه علماء الأنتروبولوجيا بالإسلام الشعبي.
وحيثما وجد المجال، يكون علامة على حضور المقدس (2). ومجال دراستنا الآن هو الزاوية، إنها أداة تنظيمية قبلية متطورة، تقوم بدور ديني مقدس وسياسي ودنيوي كنتيجة لنفوذها الاجتماعي (3) . في هذا المجال البسيط بنائه المقدس ترابه في علاقته بكرامة وولاء الشخص المدفون فيه حسب مبحوثينا، نجد عدة ممارسات ( تعبديّة ) تمارس داخل حرم الضريح وعموما بالزاوية كمجال مقدس، تطابقا مع بعض الممارسات الأخرى؛ حيث لا تنحصر وظيفة العملية الطقوسية في إعادة تأكيد المبادئ البنيوية المركزية لمجتمع ما، بل إن هذه العملية الطقوسية نفسها منخرطة في السياسة المحلية (4)، " تْلآغْنْجَا " أو " لحْطْرْتْ " أو " موسم أيت باعمران "... إلخ. من هنا ستتضح لنا الإشكالية التي نحن في صددها على الشكل التالي:
- ما دلالة تلك الممارسات التي تمارس داخل الضريح، وتركيزًا في موسم أيت باعمران ؟
- كيف يفهمها الناس بحوض دادس ؟ وما علاقة المكلفين بالزاوية بها ؟
عندما نعود إلى الوراء أي إلى التاريخ بلمحة من تأن وطيب خاطر، نجد أن المجتمع الدادسي في فترات مختلفة من نشأته كان ولازال مجتمعا ذكوريا بامتياز. إنه نتاج لسلطة مجتمع عرف ضراوة الجنس الذكوري بالمقارنة مع الجنس الآخر. ولا غرابة في ذلك فالمحدد البيولوجي دال عليه ووعورة المجال. لكن عندما يتعلق الأمر بالعقل فلا يجب علينا أن نتسرع في الحسم أو في الاندفاع قائلين إن المرأة تجهل تماما التعامل مع كل ما يحتاج لتفسير دقيق أو ما يوجد على شكل بنية مفاهيم ميتافيزيقية. فعندما نجد أن النساء في دادس هن المعنيات بالدرجة الأولى بمثل هذه السلوكات التي يعرفها ضريح مولاي باعمران إذا شئنا التخصيص؛ نجد من الضروري الإشادة بدورهن في المحافظة على الموروث الثقافي الأمازيغي بالمنطقة عموما. ومن بين ما لازلن يحتفظن به - كخزان ثقافي - وكما هو ملاحظ، ما يدخل فيما يسميه فسترمارك في أطروحته بالبقايا الوثنية؛ ويقصد بها مجموعة من المعتقدات والطقوس القديمة، بعضها تم احتواءه من طرف الديانة المحمدية (الإسلام)، والبعض الآخر بقي حاضرا ببساطة داخل معتقدات وطقوس المسلمين رغم الاعتراضات الشديدة للفقهاء (5).
الآن وفقط بدأنا نفهم ولو بشكل بسيط أن هذه الممارسات خارجة عن مجال الزاوية، عن نطاق اختصاصها المركز أساسا وكما سبق الذكر في ما هو ديني مقدس ( أي النّص ) وسياسي ودنيوي إذا أمكن لنا أن نقول: فقط. أي أن كل ممارسة يشهدها مجال الزاوية وتحت سقف قبة الضريح ليست نابعة من تواجد الزاوية المكاني والزماني، بل هي في الحقيقة مجرد مجال يعتقد فيه الناس لتفريغ هذا " الوهم " الذي سبق وقلنا عنه أنه اعتقاد أو طريق للوصول إلى الروحانية التي ستمكن مُمَارِسَها من التشفع لنفسه من السماء أكثر لو بقي في منزله مثلا. وقبل ذلك كانت أماكن العلاج المعترف بها الطبيعة أولا بما أنها الشكل الظاهر للحقيقة؛ فهي تملك في داخلها القدرة على إزالة الخطإ وتبديد الأوهام (6). هنا تماما تتجلى لنا قدسية مجال الزاوية وكيف توجّه " الذوات الواهمة " كل طاقاتها الروحانية صوبه لمجرد ارتباطه (المجال) بضريح شخص كان مشهودا له بالولاء حسب ما تَوفَّر لديهم من رواية شفوية وحسب ما توارثوه عن آبائهم، وكذلك اعتقادهم بأزلية روح من يشهد له الناس بالولاء على الأرض، أو في شخوص أبنائه وأحفاده؛ ومن هنا يستمد كل أفراد زاوية أيت باعمران مكانتهم في الانتساب لهذا الولي بيولوجيا وروحيا في نظر الممارسين لهذه السلوكات.
هكذا يفهم الناس بدادس تواصلهم الدائم مع مجال الضريح سواء بمجرد الحضور والزيارة أو بتقديم هدايا تدخل في نطاق أوسع وأشمل سنحاول تخصيص موضوع لها وهي " القرابين " بمفهومها الأنتروبولوجي والسوسيولوجي لا كما يفهمها الناس؛ أو ضمن العرف القبلي، فيما يخص دور الزاوية في فك النزاعات والخلافات بين القبائل المتواجدة في محيطها.
إننا إذا عرفنا تاريخ زاوية مولاي باعمران بالتفصيل سوف لن نختلف على ما سنتوصل إليه من حقائق، لكن والحال أننا لا نتوفر لحد الآن إلا على قليل من الوثائق المؤرخة لبعض فترات من تاريخها، لا يجب علينا كما لا يجب على أحد الخوض في ما أسميه بالغموض المتعلق بالزاوية، إلا والأدلة ثابتة.
لقد سبق وأشرنا باقتضاب بأن جل الممارسات والسلوكات التي يمارسها حجاج الضريح في كل موسم، خارجة عن نطاق تخصص الزاوية زمانا ومكانا. وأن هذه الممارسات مرتبطة أشد الارتباط بسياق أكبر وأشمل وهو المجتمع الكبير إذا لم نقل شمال إفريقيا بشكل أوسع وأعمق، وذلك عبر مراحل التاريخ التي نشأة فيها كل هذه العادات والتقاليد على جغرافيته وعبر تأثره بالعالم الكبير. أي أن هذه الممارسات سابقة للزاوية زمانا، ومتجدرة في ثقافة أفراد هذا المجال إذا عدنا للتخصيص؛ وبالتالي فهي تندرج في ما يسميه علماء الاجتماع بالعقل الجمعي للمجتمع، والذي لا يستطيع أي فرد أو أي جماعة التعرض له إلا بشق الأنفس وغزارة الأجيال الحاملين لهذه الرسالة ( رسالة التغيير).
كل هذا سيفتح لنا أبواب التساؤلات من جديد وعلى مصراعيها:
- فما موقف الرأي العام من هذه الممارسات ؟ وهل صحيح أنهم يرفضون لكنهم في نفس الوقت يمارسون ؟
- لماذا لم تستطع الزاوية رغم خطابها الديني الحد أو القضاء على مثل هذه الممارسات " الوثنية " حسب فسترمارك ؟
- إلى أي حد كرّست هذه الممارسات الفهم الخاطئ للدّين الإسلامي الذي ترعاه " الزاوية " ؟
- لماذا تركز غالبية النساء المُمَارِسَاتُ في أفعالهن على نيّة طلب الزواج مقابل التدحرج كعادة واعتقاد ؟
- لماذا فِعْلُ التدحرج بالضرورة ؟ وما علاقته بقدسية مجال الزاوية وتربتها ؟
- ما دلالة التبرك بتربة الضريح ؟ وكيف تصور الناس مؤخرا فكرة بركة مياه البئر المحاذية للزاوية ؟
كلها أسئلة والمزيد المزيد منها ينتظر الإجابة الموضوعية والعلمية بدون أي تدخل للذاتية وللتعصب الذي يفقد البحث العلمي معناه وحرمته. والحال أننا نكرر ما سبق وتحدثنا عنه مرارا وتكرارا: العقل السليم هو الذي يتقبل الأفكار على أنها أفكار، وليس على كونها مسلمات أو معتقدات أو تواثب جامدة. نحن لا نقول الحقيقة، ولكننا في طريق البحث عنها.
- الإحالات :
1- الدين والتحليل النفسي، إريك فروم. ترجمة: فؤاد كامل. دار غريب للطباعة. ص.
2- المقدس الإسلامي، نور الدين الزاهي. دار توبقال للنشر. ص:32.
3- القبيلة، الإقطاع والمخزن مقاربة سوسيولوجية للمجتمع المغربي الحديث1844-1934، الهادي الهروي. أفريقيا الشرق.ص: 122.
4- سيدي شمهروش الطقوسي والسياسي في الأطلس الكبير، حسن رشيق. ترجمة: عبد المجيد جحفة ومصطفى النحال. أفريقيا الشرق.ص:174.
5- الدين والمجتمع دراسة سوسيولوجية للتدين بالمغرب، عبد الغني منديب. أفريقيا الشرق.ص: 20.
6- دروس ميشيل فوكو، ترجمة محمد ميلاد. دار توبقال للنشر. ص: 31.
محمد العمراني- المتطوع المساعد
-
عدد الرسائل : 737
تاريخ الميلاد : 16/04/1988
العمر : 36
الدولة : المغرب
المهنة : طالب ، مؤطر تربوي ، تقني إعلاميات
المدينة : قلعة أمكونة
الدولة :
احترام قوانين المنتدى :
رد: زاوية مولاي باعمران، جدلية الدِّين والتديُّن. محاولة للفهم
كان هذا الموضوع مثيرا للجدل في يوم من الأيام ؟
محمد العمراني- المتطوع المساعد
-
عدد الرسائل : 737
تاريخ الميلاد : 16/04/1988
العمر : 36
الدولة : المغرب
المهنة : طالب ، مؤطر تربوي ، تقني إعلاميات
المدينة : قلعة أمكونة
الدولة :
احترام قوانين المنتدى :
رد: زاوية مولاي باعمران، جدلية الدِّين والتديُّن. محاولة للفهم
شكرا لك اخي محمد العمراني على الموضوع وهي محاولة للفهم كما اشرت لكن لا نفهم اي شئ فيما يجري احيانا اناقش الموضوع مع والدتي وتجيبني قائلة "اداغ اسن اسنفع ربي هات ئشقا الجد ن مولاي بعمران" يعني انه لا يجب ان ندكره بسوء او الخوض في الحديت عنه وعن الزاوية
ووتغني النسوة "أ مولاي بعمران أ ودا سنتدعو " في هدا الموسم دهبت انا وصديقتي الى ايت بعمران لرؤية الانشطة التي تقوم بها جمعية ايت بعمران في تنشيط الموسم لمدة لا تتجاوز 30 دقيقة وعدنا وفي طريق العودة التقينا بشبان يخاطبننا "اندو اود نكني اد نك مولاي بعمران ئس ؤر نتتهال " ضنا منه اننا قصدنا الزاوية لهدا الغرض والصحيح اننا لم نصل الى قبة الزاوية وناقشت الامر مرة اخرى مع والدتي فقالت لي النية هي كل شئ وانتم جيل تشكون في كل شئ وليست لديكم نية خالصة .......
ووتغني النسوة "أ مولاي بعمران أ ودا سنتدعو " في هدا الموسم دهبت انا وصديقتي الى ايت بعمران لرؤية الانشطة التي تقوم بها جمعية ايت بعمران في تنشيط الموسم لمدة لا تتجاوز 30 دقيقة وعدنا وفي طريق العودة التقينا بشبان يخاطبننا "اندو اود نكني اد نك مولاي بعمران ئس ؤر نتتهال " ضنا منه اننا قصدنا الزاوية لهدا الغرض والصحيح اننا لم نصل الى قبة الزاوية وناقشت الامر مرة اخرى مع والدتي فقالت لي النية هي كل شئ وانتم جيل تشكون في كل شئ وليست لديكم نية خالصة .......
توناروز- الحضور المميز
-
عدد الرسائل : 133
تاريخ الميلاد : 11/07/1977
العمر : 47
الدولة : المغرب
المدينة : قلعة امكونة
الدولة :
احترام قوانين المنتدى :
رد: زاوية مولاي باعمران، جدلية الدِّين والتديُّن. محاولة للفهم
قبل كل شيء : السلام عليكم ورحمة الله .
لي شرف كبير أن أكون من بين من يخوضون في مثل هذه المواضيع المتعلقة بزاوية مولاي باعمران بالجنوب الشرقي ، لكثرة الالتباسات التي تحوم حول هذه المنطقة وما يقع تحث هذه القبة بالضبط . وكباحثين جميعا عن الحقيقة أي أننا في مجرد محاولات للفهم في نطاق سوسيولوجي أنتروبولوجي علمي بالطبع .
سأحاول قدر الإمكان التفصيل أكثر في الموضوع لأنني لامست من سؤالك هذا أن الموضوع السابق لازال غامضا بعض الشيء . شكرا على الأسئلة ، البحث لم ينتهي ولن ينتهي ما دام هنالك من يبحث عن الحقيقة .
شكرا على طرحك لهذه الأسئلة مرة أخرى ، وأذكر أننا بهذه التساؤلات نفتح رهانات واسعة للنقاش وليس بالضرورة بعض الأفراد هم المعنيون بالإجابة عن جميع الأسئلة بقدر ما نحن معنيون جميعا بها.
الجواب في الموضوع الموالي إن شاء الله .
ملاحظة :
إن جميع المواضيع التي بدأت أطرحها حول زاوية مولاي باعمران . وقبيلة أيت باعمران كمجال ، كلها مترابطة فيما بينها . وأنصح بقرائتها جميعا كي تتضح الأفكار أكثر فأكثر .
لي شرف كبير أن أكون من بين من يخوضون في مثل هذه المواضيع المتعلقة بزاوية مولاي باعمران بالجنوب الشرقي ، لكثرة الالتباسات التي تحوم حول هذه المنطقة وما يقع تحث هذه القبة بالضبط . وكباحثين جميعا عن الحقيقة أي أننا في مجرد محاولات للفهم في نطاق سوسيولوجي أنتروبولوجي علمي بالطبع .
سأحاول قدر الإمكان التفصيل أكثر في الموضوع لأنني لامست من سؤالك هذا أن الموضوع السابق لازال غامضا بعض الشيء . شكرا على الأسئلة ، البحث لم ينتهي ولن ينتهي ما دام هنالك من يبحث عن الحقيقة .
شكرا على طرحك لهذه الأسئلة مرة أخرى ، وأذكر أننا بهذه التساؤلات نفتح رهانات واسعة للنقاش وليس بالضرورة بعض الأفراد هم المعنيون بالإجابة عن جميع الأسئلة بقدر ما نحن معنيون جميعا بها.
الجواب في الموضوع الموالي إن شاء الله .
ملاحظة :
إن جميع المواضيع التي بدأت أطرحها حول زاوية مولاي باعمران . وقبيلة أيت باعمران كمجال ، كلها مترابطة فيما بينها . وأنصح بقرائتها جميعا كي تتضح الأفكار أكثر فأكثر .
محمد العمراني- المتطوع المساعد
-
عدد الرسائل : 737
تاريخ الميلاد : 16/04/1988
العمر : 36
الدولة : المغرب
المهنة : طالب ، مؤطر تربوي ، تقني إعلاميات
المدينة : قلعة أمكونة
الدولة :
احترام قوانين المنتدى :
رد: زاوية مولاي باعمران، جدلية الدِّين والتديُّن. محاولة للفهم
في الحقيقة أسئلة جيدة وفي المستوى. لكن كما وسبق أن ذكرت فلا يجب على الإنسان دائما أينما حل وارتحل أن يقف مكتوف الأيدي أمام أي سؤال مهما كان تعقيده أو شكله وفحواه.
لن أستفيض في النقاش طويلا بل سأوجز في إجابتي بشكل مختصر حسب تسلسل الأسئلة التي أوردتها:
1) كيف ترى الساكنة مولاي باعمران وكيف يتصورونه في مخيلتهم ؟
2) لماذا يدعوا الناس في بعض الأحيان باسم الولي ؟
3) ما سبب ربط الناس الضريح بمسألة الزواج ؟
4) وما الصراع القائم بين الأجيال السابقة والناشئة حول هذه العادات والممارسات بدادس خاصة ؟
قبل أن أقول أي شيء في هذا الموضوع ، أتمنى أن نتمعن بعض الشيء في ما تضمنه النص السابق حول جدلية الدين والتدين بزاوية مولاي باعمران. وكذلك محاولة رصد المقصود منها كطرح علمي أنتروبولوجي .
1- الكل يعلم بأن شمال إفريقيا قبل دخول الإسلام إليها كانت تنتشر بها الديانة اليهودية والمسيحية كديانات سماوية ، بالإضافة إلى الوثنية كمعتقدات وضعية، أي التي أرسى قواعدها الإنسان. هذه الأخيرة فرضت نفسها وبشكل كبير حتى بعد ظهور الإسلام الذي لم يستطع لحد الآن التخلص من بعضها لتجدرها في مخيلة سكان هذه المناطق. لقد كان ظهور الإسلام – الدين التوحيدي – بمثابة تكسير لذلك العجز الذي تعانيه الذات البشرية في عبادة المجرد والإيمان بالغيبيات. لقد سهر الإنسان القديم ( وأقصد بذلك القدم في الزمن ) على مصاحبة آلهته له في كل لحظة، أو جعل وساطة بينه وبينهم فبدأ يجسد تلك الوساطة في الطوطمية والتقرب من الحيوانات أو تقديس الطبيعة... إلخ. لقد كان في خشية كل مجهول. وهذا ما تحدث عنه أكست كونت في تقسيمه لتاريخ البشرية إلى ثلاث مراحل كبيرة: المرحلة اللاهوتية، الميتافيزيقية، الوضعية. كل ذلك لم يتغير مع ظهور الإسلام كما سبق وأشرنا إليه، ما خلق خلخلة للنظام المتعارف عليه لا في شمال إفريقيا أو الجزيرة العربية قبيل ظهور الإسلام بها. إنه ذلك الدين الذي يرفض جعل أي وساطة بين الفرد وربه. إنه الدين التوحيدي الذي يقف المرء منفردا وبدون مساعدة من أحد أمام ربه في شكل عبادته التي أتى بها ( أي الإسلام ). كل هذا لم يكن ليتحمل من قبل أناس كانت كل عباداتهم وتقرباتهم لله تمر عبر وسائط متعددة في بعض الأحيان.
هذا ونعلم أيضا أن بعض المناطق بشمال إفريقيا لحد الساعة تجهل الكثير عن هذه الديانة الجديدة، إما لتوغلها عبر الجبال والصحاري الواسعة والغابات، أو لتجدر ثقافة العبادة الوثنية بها رغم اليهودية والمسيحية والإسلام. ولا يخفى على أحد أن منطقة دادس من بين المناطق العديدة في المغرب خصوصا وشمال إفريقيا عموما التي لازالت تتوارث بعض تلك الممارسات الوثنية كما يصفها فسترمارك. والظاهر لنا الآن أن ظهور زاوية مولاي باعمران بهذا المجال وظهور الولي مولاي باعمران كرمز من رموز الدين الجديد في نظر المبحوثين لكونه منتسبا للسلالة النبوية. حقق تحولا جذريا في شكل الممارسة الدينية بهذا المجال. فانتقال الساكنة من الديانات المتعددة التي ذكرناها إلى الإسلام لم يعني بالضرورة تخليهم عن أشكال الممارسات التي كانوا يقومون بها آنذاك. لقد اعتبرت الساكنة إذن الولي ذلك الوسيط لصلاحه وعدله وثقتهم به جعلتهم يضعونه موضع الرمز. وليس بالتأكيد مولاي باعمران من طاله ذلك فقط بل كل من شهد له ساكنة المغرب بالولاء والصلاح قبيل ظهور الإسلام به. وبعد وفاة الولي بقي قبره يحتفظ بالخصوصية له ولأحفاده بهذه المنطقة. وهذا ما يفسر توالي زيارات السكان للزاوية مند ذلك الحين إلى اليوم.
ملاحظة: إن الزيارات التي تتم خلال موسم مولاي باعمران خارجة عن نطاق ما تحدثنا عنه في الفقرة أعلاه. وكذلك الهدايا المقدمة في هذا الموسم للزاوية خارجة كذلك عن هذا الإطار. نرجو الإطلاع على موضوع: مولاي باعمران أسطورة الأسد الأصم والكلاب المتجولة، محاولة للفهم.
2- عندما نفهم حقيقة تاريخ دادس انتروبولوجيا من خلال صيرورة وتاريخ هذه الممارسات الدينية المختلفة التي نشهدها يوميا في كل مناطقه، سنجد أن كل الأسئلة التي نطرحها لها أجوبة علمية لا تحتاج إلى الكتمان أو التأجيل في الإجابة عنها لأي سبب من الأسباب. وللإجابة على السؤال الثاني تكفي نظرة واحدة إلى هذا المثال لتتضح الصورة أكثر: لنفترض جدلا أن A يعبد B، وأن A لا يرى B، و A هنا تفرض عليه ثقافته التي توارثها من مجتمعه أن يعبد B من خلال C. أي أن C هنا هو الواصل بين A و B. بعد ظهور ديانة جديدة فرضت على A أن يعبد B دونا عن C. ماذا سيفعل A إذن ؟ بالضرورة سيحاول أن يختلق C جديدا يقوم مقام القديم ليزيل ضعفه الدفين والذي كرسته ثقافته فيه وعبر الأجيال السابقة له. في لحظة من اللحظات ظهر D كرمز من رموز الدين الجديد وراع له، ألن نجد أن A والباحث عن وسيط سيعتمد D بدلا من C القديم ؟ هكذا تبدأ النسوة بالدعاء باسم مولاي باعمران للتقرب من الله، اعتقادا منهن بأزلية روح الأولياء والمرابطين.
3- فيما يخص مسألة ربط الناس ضريح الولي بمسألة الزواج، فذلك لا يجعلنا نقول أنه الأمر الوحيد الذي يستقطب الساكنة وخاصة النساء لزيارة الضريح. فهناك من يرغب في الزواج وهناك من يرغب في الشفاء وهناك من يرغب في الحج والآخر يرغب في أن تسهل له حاجة من حوائج الدنيا ... إلخ. إنها كلها تدخل في نطاق ما أسميه الوهم الداخلي أو الضعف الدفين للشخصية الدادسية خصوصا. ففي الغرب مثلا نجد كل فرد يرتبط بطبيب نفساني يزوره كل أسبوع أو كل شهر على الدوام. كذلك في المغرب فالعادة تفرض التوجه للأولياء لما يسميه الباحثون بالسياحة الدينية أو للتخفيف من بعض الأمراض النفسية أو لاعتقادهم بأن المجال المرتبط بالأولياء يتوفر على ما يسمونه ب" البركة " في كل ما هو خير بمعناه الإيجابي و " أموتل " في كل ما هو سلبي ومضر. هنا فمسألة الزواج ليست بالضرورة الركيزة الأساسية لزيارة الأولياء بالمنطقة وخاصة ضريح الولي مولاي باعمران. لكن الأمر الذي أحاول حقيقة أن أبحث فيه هو : ما سبب إصرار البعض على أن كل ما يتمنونه ويطلبونه من الولي أو من خلال الضريح يتحقق لهم وبالشكل الذي أرادوه وفي الزمن الذي حددوه ؟
بالإضافة إلى ذلك فمسألة الخوف من الخوض في التحدث عن الولي بالسوء، هي في نضر المبحوثين مساس بالمعتقد، وهو شيء مقدس في نظرهم قد يطولك إن أخللت به مكروه ما. ونجدها لدى كل الشعوب، فمثلا لا يستطيع أحد أن يسب البقرة في الهند ، أو أن يسبح في نهر النيل في مصر، أو أن يشعل النار يوم السب بالنسبة لليهود... إلخ. كل هذا في مخيلة بعض من ساكنة دادس بالطبع. وقد لا يستطيع أحدنا ونحن شباب واع ومثقف أن يصب الماء الساخن ليلا على الأرض دون أن يبسمل ‼
4- في هذا السؤال لا أجد إلا أن التقانة والتطور العلمي هما السبب في خلق تلك الهوة الكبيرة بين الأجيال السابقة والجديدة. وأوجه من هنا نصيحة إلى كل إبن وابنة واعيين بما يحدث في العالم الآن من تطور في جميع المجالات أن يحاولوا تكريس مستوياتهم الثقافية في تثقيف أولياء أمورهم والاعتناء بهم فيما يخص الجوانب الثقافية ، لكي لا تتكرر مثل هذه الأسئلة التي أجد أن الحل الوحيد للتخلص من الغموض الذي يوجد فيها هو توجيه أصابع الاتهام إلى دواتنا قبل أي أحد آخر. فنجد البعض يقول إن المكلفين بهذه الزوايا هم المسؤولون عن هذه الممارسات، وينسون أن أهاليهم هم الممارسون لها، وليس المكلفين بالزاوية.
خلاصة:
العقل السليم هو الذي يتقبل الأفكار على أنها أفكار، وليس على كونها مسلمات أو معتقدات أو تواثب جامدة. نحن لا نقول الحقيقة، ولكننا في طريق البحث عنها.
بسم الله الرحمان الرحيم : " لا يغير الله ما بقوم، حتى يغيروا ما بأنفسهم " . صدق الله العظيم.
لن أستفيض في النقاش طويلا بل سأوجز في إجابتي بشكل مختصر حسب تسلسل الأسئلة التي أوردتها:
1) كيف ترى الساكنة مولاي باعمران وكيف يتصورونه في مخيلتهم ؟
2) لماذا يدعوا الناس في بعض الأحيان باسم الولي ؟
3) ما سبب ربط الناس الضريح بمسألة الزواج ؟
4) وما الصراع القائم بين الأجيال السابقة والناشئة حول هذه العادات والممارسات بدادس خاصة ؟
قبل أن أقول أي شيء في هذا الموضوع ، أتمنى أن نتمعن بعض الشيء في ما تضمنه النص السابق حول جدلية الدين والتدين بزاوية مولاي باعمران. وكذلك محاولة رصد المقصود منها كطرح علمي أنتروبولوجي .
1- الكل يعلم بأن شمال إفريقيا قبل دخول الإسلام إليها كانت تنتشر بها الديانة اليهودية والمسيحية كديانات سماوية ، بالإضافة إلى الوثنية كمعتقدات وضعية، أي التي أرسى قواعدها الإنسان. هذه الأخيرة فرضت نفسها وبشكل كبير حتى بعد ظهور الإسلام الذي لم يستطع لحد الآن التخلص من بعضها لتجدرها في مخيلة سكان هذه المناطق. لقد كان ظهور الإسلام – الدين التوحيدي – بمثابة تكسير لذلك العجز الذي تعانيه الذات البشرية في عبادة المجرد والإيمان بالغيبيات. لقد سهر الإنسان القديم ( وأقصد بذلك القدم في الزمن ) على مصاحبة آلهته له في كل لحظة، أو جعل وساطة بينه وبينهم فبدأ يجسد تلك الوساطة في الطوطمية والتقرب من الحيوانات أو تقديس الطبيعة... إلخ. لقد كان في خشية كل مجهول. وهذا ما تحدث عنه أكست كونت في تقسيمه لتاريخ البشرية إلى ثلاث مراحل كبيرة: المرحلة اللاهوتية، الميتافيزيقية، الوضعية. كل ذلك لم يتغير مع ظهور الإسلام كما سبق وأشرنا إليه، ما خلق خلخلة للنظام المتعارف عليه لا في شمال إفريقيا أو الجزيرة العربية قبيل ظهور الإسلام بها. إنه ذلك الدين الذي يرفض جعل أي وساطة بين الفرد وربه. إنه الدين التوحيدي الذي يقف المرء منفردا وبدون مساعدة من أحد أمام ربه في شكل عبادته التي أتى بها ( أي الإسلام ). كل هذا لم يكن ليتحمل من قبل أناس كانت كل عباداتهم وتقرباتهم لله تمر عبر وسائط متعددة في بعض الأحيان.
هذا ونعلم أيضا أن بعض المناطق بشمال إفريقيا لحد الساعة تجهل الكثير عن هذه الديانة الجديدة، إما لتوغلها عبر الجبال والصحاري الواسعة والغابات، أو لتجدر ثقافة العبادة الوثنية بها رغم اليهودية والمسيحية والإسلام. ولا يخفى على أحد أن منطقة دادس من بين المناطق العديدة في المغرب خصوصا وشمال إفريقيا عموما التي لازالت تتوارث بعض تلك الممارسات الوثنية كما يصفها فسترمارك. والظاهر لنا الآن أن ظهور زاوية مولاي باعمران بهذا المجال وظهور الولي مولاي باعمران كرمز من رموز الدين الجديد في نظر المبحوثين لكونه منتسبا للسلالة النبوية. حقق تحولا جذريا في شكل الممارسة الدينية بهذا المجال. فانتقال الساكنة من الديانات المتعددة التي ذكرناها إلى الإسلام لم يعني بالضرورة تخليهم عن أشكال الممارسات التي كانوا يقومون بها آنذاك. لقد اعتبرت الساكنة إذن الولي ذلك الوسيط لصلاحه وعدله وثقتهم به جعلتهم يضعونه موضع الرمز. وليس بالتأكيد مولاي باعمران من طاله ذلك فقط بل كل من شهد له ساكنة المغرب بالولاء والصلاح قبيل ظهور الإسلام به. وبعد وفاة الولي بقي قبره يحتفظ بالخصوصية له ولأحفاده بهذه المنطقة. وهذا ما يفسر توالي زيارات السكان للزاوية مند ذلك الحين إلى اليوم.
ملاحظة: إن الزيارات التي تتم خلال موسم مولاي باعمران خارجة عن نطاق ما تحدثنا عنه في الفقرة أعلاه. وكذلك الهدايا المقدمة في هذا الموسم للزاوية خارجة كذلك عن هذا الإطار. نرجو الإطلاع على موضوع: مولاي باعمران أسطورة الأسد الأصم والكلاب المتجولة، محاولة للفهم.
2- عندما نفهم حقيقة تاريخ دادس انتروبولوجيا من خلال صيرورة وتاريخ هذه الممارسات الدينية المختلفة التي نشهدها يوميا في كل مناطقه، سنجد أن كل الأسئلة التي نطرحها لها أجوبة علمية لا تحتاج إلى الكتمان أو التأجيل في الإجابة عنها لأي سبب من الأسباب. وللإجابة على السؤال الثاني تكفي نظرة واحدة إلى هذا المثال لتتضح الصورة أكثر: لنفترض جدلا أن A يعبد B، وأن A لا يرى B، و A هنا تفرض عليه ثقافته التي توارثها من مجتمعه أن يعبد B من خلال C. أي أن C هنا هو الواصل بين A و B. بعد ظهور ديانة جديدة فرضت على A أن يعبد B دونا عن C. ماذا سيفعل A إذن ؟ بالضرورة سيحاول أن يختلق C جديدا يقوم مقام القديم ليزيل ضعفه الدفين والذي كرسته ثقافته فيه وعبر الأجيال السابقة له. في لحظة من اللحظات ظهر D كرمز من رموز الدين الجديد وراع له، ألن نجد أن A والباحث عن وسيط سيعتمد D بدلا من C القديم ؟ هكذا تبدأ النسوة بالدعاء باسم مولاي باعمران للتقرب من الله، اعتقادا منهن بأزلية روح الأولياء والمرابطين.
3- فيما يخص مسألة ربط الناس ضريح الولي بمسألة الزواج، فذلك لا يجعلنا نقول أنه الأمر الوحيد الذي يستقطب الساكنة وخاصة النساء لزيارة الضريح. فهناك من يرغب في الزواج وهناك من يرغب في الشفاء وهناك من يرغب في الحج والآخر يرغب في أن تسهل له حاجة من حوائج الدنيا ... إلخ. إنها كلها تدخل في نطاق ما أسميه الوهم الداخلي أو الضعف الدفين للشخصية الدادسية خصوصا. ففي الغرب مثلا نجد كل فرد يرتبط بطبيب نفساني يزوره كل أسبوع أو كل شهر على الدوام. كذلك في المغرب فالعادة تفرض التوجه للأولياء لما يسميه الباحثون بالسياحة الدينية أو للتخفيف من بعض الأمراض النفسية أو لاعتقادهم بأن المجال المرتبط بالأولياء يتوفر على ما يسمونه ب" البركة " في كل ما هو خير بمعناه الإيجابي و " أموتل " في كل ما هو سلبي ومضر. هنا فمسألة الزواج ليست بالضرورة الركيزة الأساسية لزيارة الأولياء بالمنطقة وخاصة ضريح الولي مولاي باعمران. لكن الأمر الذي أحاول حقيقة أن أبحث فيه هو : ما سبب إصرار البعض على أن كل ما يتمنونه ويطلبونه من الولي أو من خلال الضريح يتحقق لهم وبالشكل الذي أرادوه وفي الزمن الذي حددوه ؟
بالإضافة إلى ذلك فمسألة الخوف من الخوض في التحدث عن الولي بالسوء، هي في نضر المبحوثين مساس بالمعتقد، وهو شيء مقدس في نظرهم قد يطولك إن أخللت به مكروه ما. ونجدها لدى كل الشعوب، فمثلا لا يستطيع أحد أن يسب البقرة في الهند ، أو أن يسبح في نهر النيل في مصر، أو أن يشعل النار يوم السب بالنسبة لليهود... إلخ. كل هذا في مخيلة بعض من ساكنة دادس بالطبع. وقد لا يستطيع أحدنا ونحن شباب واع ومثقف أن يصب الماء الساخن ليلا على الأرض دون أن يبسمل ‼
4- في هذا السؤال لا أجد إلا أن التقانة والتطور العلمي هما السبب في خلق تلك الهوة الكبيرة بين الأجيال السابقة والجديدة. وأوجه من هنا نصيحة إلى كل إبن وابنة واعيين بما يحدث في العالم الآن من تطور في جميع المجالات أن يحاولوا تكريس مستوياتهم الثقافية في تثقيف أولياء أمورهم والاعتناء بهم فيما يخص الجوانب الثقافية ، لكي لا تتكرر مثل هذه الأسئلة التي أجد أن الحل الوحيد للتخلص من الغموض الذي يوجد فيها هو توجيه أصابع الاتهام إلى دواتنا قبل أي أحد آخر. فنجد البعض يقول إن المكلفين بهذه الزوايا هم المسؤولون عن هذه الممارسات، وينسون أن أهاليهم هم الممارسون لها، وليس المكلفين بالزاوية.
خلاصة:
العقل السليم هو الذي يتقبل الأفكار على أنها أفكار، وليس على كونها مسلمات أو معتقدات أو تواثب جامدة. نحن لا نقول الحقيقة، ولكننا في طريق البحث عنها.
بسم الله الرحمان الرحيم : " لا يغير الله ما بقوم، حتى يغيروا ما بأنفسهم " . صدق الله العظيم.
محمد العمراني- المتطوع المساعد
-
عدد الرسائل : 737
تاريخ الميلاد : 16/04/1988
العمر : 36
الدولة : المغرب
المهنة : طالب ، مؤطر تربوي ، تقني إعلاميات
المدينة : قلعة أمكونة
الدولة :
احترام قوانين المنتدى :
رد: زاوية مولاي باعمران، جدلية الدِّين والتديُّن. محاولة للفهم
تحية لكم إخواني
شكرا لك أخي على طرحك هذا الموضوع الذي يثير الجدل بين (آيت ليغ دايت دغي)
ما يجعل الأمور معقدة عندي هي أن أبن عمة لي كان يتحدث عن (مولاي إبراهيم أوموسى) على أنه لا يستطيع فعل شيئ ولو أنه استطاع لما وجد نفسه مدفونا...
وفي أحد الليالي الصيفية لما مر وحده عند مدفنه أكد لي أنه رأى شخصا هناك يلبس
لاحقه ويقول له بأن ماكان يقوله ليس صحيحا
ولا أريد من أي واحد منكم أن يظن أن هذا كذب و افتراء ..
والعالم هو الله..
أنا أفكاري مشوشة بعض الشيئ عن هذا الموضوع لذا فهذا ما لدي لأقوله.
وشكرا
شكرا لك أخي على طرحك هذا الموضوع الذي يثير الجدل بين (آيت ليغ دايت دغي)
ما يجعل الأمور معقدة عندي هي أن أبن عمة لي كان يتحدث عن (مولاي إبراهيم أوموسى) على أنه لا يستطيع فعل شيئ ولو أنه استطاع لما وجد نفسه مدفونا...
وفي أحد الليالي الصيفية لما مر وحده عند مدفنه أكد لي أنه رأى شخصا هناك يلبس
لاحقه ويقول له بأن ماكان يقوله ليس صحيحا
ولا أريد من أي واحد منكم أن يظن أن هذا كذب و افتراء ..
والعالم هو الله..
أنا أفكاري مشوشة بعض الشيئ عن هذا الموضوع لذا فهذا ما لدي لأقوله.
وشكرا
tattbirt- الوسام البرونزي
-
عدد الرسائل : 331
تاريخ الميلاد : 03/05/1998
العمر : 26
الدولة : marocco
المهنة : طالبة
المدينة : warzazat
الدولة :
احترام قوانين المنتدى :
رد: زاوية مولاي باعمران، جدلية الدِّين والتديُّن. محاولة للفهم
لم أرد الرد في الحقيقة على سؤالك صديقتي تتبيرت لأسباب متعددة لكن لكي لا تعتقدي أنني تجاهلت ردك بالمرة فجوابي هو :
- أنني لم أناقش شخصية " سيدي براهيم أو موسى " في موضوعي.
- أن كل ما يراج حول مثل هذه الإدعاءات لا أجد له أساسا من الصحة لغياب اتباتات حقيقية وعلمية عليه.
- أنا لا أكدِّب ما تقولين لكن لدي سؤال : لماذا لم نسمع في تاريخ دادس أن مثل ذلك الموقف وقع مع عدة أشخاص ؟ فحسب علمي فهذه الأحداث تقع مع أفراد منفردين فقط .
في النهاية : سيأتي موضوع لاحق أناقش فيه هذه المسألة كتوضيح فقط .
شكرا على تفاعلك في الموضوع .
- أنني لم أناقش شخصية " سيدي براهيم أو موسى " في موضوعي.
- أن كل ما يراج حول مثل هذه الإدعاءات لا أجد له أساسا من الصحة لغياب اتباتات حقيقية وعلمية عليه.
- أنا لا أكدِّب ما تقولين لكن لدي سؤال : لماذا لم نسمع في تاريخ دادس أن مثل ذلك الموقف وقع مع عدة أشخاص ؟ فحسب علمي فهذه الأحداث تقع مع أفراد منفردين فقط .
في النهاية : سيأتي موضوع لاحق أناقش فيه هذه المسألة كتوضيح فقط .
شكرا على تفاعلك في الموضوع .
محمد العمراني- المتطوع المساعد
-
عدد الرسائل : 737
تاريخ الميلاد : 16/04/1988
العمر : 36
الدولة : المغرب
المهنة : طالب ، مؤطر تربوي ، تقني إعلاميات
المدينة : قلعة أمكونة
الدولة :
احترام قوانين المنتدى :
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى