اليهود بالجنوب الشرقي للمغرب
صفحة 1 من اصل 1
اليهود بالجنوب الشرقي للمغرب
اليهود بالجنوب الشرقي للمغرب
تذكر المصادر التاريخية والدراسات الأنثروبولوجية أن الحضارة العبرية عرفت بالمغرب منذ قرون؛ بحيث استوطنت مجموعة من المناطق، من جنوبه إلى شماله ، ومن شرقه إلى غربه. في الجنوب الشرقي من بلاد المغرب الأقصى ما زالت الذاكرة تستعيد تاريخ هذه الحضارة التي عمرت لقرون خلت قبل شن الحركات الإمبريالية ودخول المعمر إلى إفريقيا، وكان أبناء العم سام يستوطنون مناطق لها خصوصيات جغرافية كالخصب، مثلا منطقة إبرغوسن بإغيل مكون، وقلعة مكونة، أو ما يمكن أن نجمله في ضفاف الوديان، كواد مكون ودادس اللذين يعتبران من روافد واد درعة الممتد على مسافة طويلة، ويذكر الباحث المغربي محمد المنور في مؤلفه " الجنوب الشرقي للمغرب" في طبعته الفرنسية نقلا عن كتاب " مملكة اليهود " للباحثة مونيه أن أولى أفواج اليهود المتوافدة على واد درعة كانت قد بدأت منذ القرن العاشر قبل الميلاد، ولم يكن استقرارها في المناطق المذكورة آنفا يتميز بالسهولة والسيولة، بل كانت تطبعها صراعات وصدامات قامت على إثرها حروب ونزاعات مع السكان المحليين، ومن هذا يتأكد لدى المؤرخين قدم منطقة "تِيلِيتْ" المركز أو محور الاستقرار بالنسبة إلى اليهود والتي تعاقب على حكمها العديد من الخلفاء مما يدل على حضارة يهودية أمازيغية في امتداد قبائل" أرتكين"، وخصوصيات اقتصادية تجارية وحرفية بمناطق تنغير على الحدود بين إقليمي ورزازات والراشيدية والتي ـ أي تنغير ـ اعتبرت إلى الآن مركزا تجاريا مهما على امتداد الإقليم، بحيث أنشأ اليهود نوى للعديد من الحرف كصناعة المنفخات الهوائية ( الكير ) أو ما يصطلح عليه محليا ب"الرابوز" التي عرفت بها مدينة تنغير منذ القدم، وكذا دباغة الجلود والصناعات المرتبطة بها كالأحذية التقليدية وصناعة البرادع للبغال والحمير والخيل، وهي حرف راعت حاجيات الناس ولبت رغباتهم الضرورية وكل ما اشتهت أنفسهم نظر للطابع البدوي لحياتهم، واعتمادهم على التِّرحال وتتبع المراعي.
1 ـ المجال الاجتماعي:
تذكر الروايات الشفهية التي شهدت على تاريخ اليهود بمنطقة " تيليت " الحافظة لذاكرة اليهود بالجنوب الشرقي للمغرب أن شعب الله المختار عرف بحرف تقليدية على مدى القرون التي قضوها بمراكز الاستيطان، ذلك أن تاريخ التواجد بهذا المكان يمتد لعهود سحيقة عجزت ذاكرة " عمي أحمد زاهدي" أحد معاصري آخر الأسر اليهودية بالمنطقة ، وهو الذي زاد عمره عن 120 سنة، عن تذكر سنة تجدرهم بالمنطقة، بل اكتفى بالتعبير بقوله « آباء آباء آباء آبائنا" أي 6 أو 7 أجيال»، إن لم نقل تاريخا متوغلا في القدم. لدرجة كان بها أبناء العم سام يؤمنون بأنهم مغاربة ـ بحسب شهادة عمي أحمد ـ لأنهم يقولون بأن ميلادهم كان بالمغرب وتمنوا أن يضم قبورهم وهو ما تم فعلا بهذه المقبرة كما توضح الصورة، بلد عرفوا على ثراه الشبيبة والصبا، ألفوا أناسه، واستأنسوا بهوائه وخيرات طبيعته. ومما يحكى أن العشائر اليهودية كانت تتخذ من أناس المنطقة الأمازيغ معارف يتبادلون معهم الزيارات في المناسبات والأعياد سواء العبرية أو الإسلامية، بل يختارون من الأسر الأمازيغية ذات الصيت والنفوذ الاجتماعي من أجل اتخاذها دِرعا في حالة الاعتداء عليها، ذلك أن من أعراف اليهود أنهم لا يوقدون نارا في يوم عيدهم الأسبوعي الذي جعله الله لبني إسرائيل؛ إذ كانت قداسة يوم السبت تمتد إلى وضع أطاييب مأكولاتهم في تنورات تعد من مساء الجمعة ويحكم عليها الغلق ليتمكنوا من الحفاظ على حرارة الطعام، وهو ما يدل على أن الوازع الديني لدى اليهود أمر لا مراء فيه ولا جدال رغم ما يقال عن بنائه على أساطير كفكرة " أرض بلا شعب لشعب بال أرض" أو أسطورة " أرض الميعاد" وشعب الله المختار كما فصل في ذلك روجي غارودي.
ورغم الزيارات التي تجري بين السكان المحليين واليهود والتقارب الديني أو التعايش البين الإسلام والديانات الأخرى بالمغرب، فغن تناول المأكولات من الطرفين لم تكن تتم إلا في مادة الخبز وحده لأن عقيدة كل من المسلمين يحرم ما أهل لغير الله به، ولليهود كاهن يعرف ب" الحزَّان " هو من يتولى مهمة ذبح الذبائح صغيرها وكبيرها، وتدل صفة الحزان على درجة عليا في الهرم الاجتماعي اليهودي، ولا يلقب بها إلا ذو شأن عظيم كـالولي أو المرابط لدى المسلمين.
ومما روج له اليهود للحفاظ على شرفهم من الدنس باختلاطهم مع أبناء المسلمين وحجب بناتهم من الزنا وان تعرورى نساؤهم حكاية من نسج الخيال تقول بأن ناكح المرأة اليهودية لا طهارة له من بعد بالماء إلا إذا اغتسل بالزيت ويمشي في السوق متجردا عن اللباس وكاشفا عورته، وأمام حاجة الناس وفاقتهم، لم يكن لأحد من السكان المحليين إتيان اليهوديات إلا بالحق. واستطاعت حضارة اليهود المبنية على أساطير من الحفاظ على نقاء شرفها إذ لا ديانة تحل ما حرم الله.
2 ـ الجانب الاقتصادي:
لقد كان لتواجد اليهود بمنطقة " تيليت " الأثر الأكبر في وضع اللبنات لمجموعة من الحرف التقليدية، وعلى رأسها السباكة التي كانوا قد استأثروا بها دون غيرهم، نظرا لأنهم يقول ـ عمي أحمد زاهدي ـ لا يريدون تعليم غيرهم من السكان المحليين، إلا من يثقون في أنه لن يكشف سرا ولن يجهر بقول. وبذلك تمكنوا من السيطرة على حرفة سبك الذهب والفضة وحلي الحرير التي استولوا بها على السوق وتمكنوا من التقرب من النساء. وأول ما بدا به اليهود أثناء استيطانهم لضفتي واد دادس هو ابتياعهم الأراضي الفلاحية أمام ضعف الحالة المادية للسكان الأصليين، كما كانوا يشترون الأبقار ويكترونها لأهل قبائل " أورتكين " بالخمس، وفي هذا الصدد يورد عمي أحمد حكاية أخرى روج لها اليهود مفادها أن النساء الواتي يستغلن هذه الأبقار لا يجوز لهن أكل سمنها، لأن متناولته ينمو لها شعر الشارب كالرجل، وقد تمكنوا من تحصين حقهم من السمن والجبن بهذه الخرافة. وإلى جانب استغلالهم للسكان الأمازيغ بالخمس في اقتسام نتاج أنعامهم من البقر والغنم والمعز والدجاج، فهم اشتروا أراض امتلكوها وتوارثوها أبا عن جد على امتداد شريط ورعة، وبالضبط أيت أوزين وتيليت، وكانوا بدورهم يستفيدون من حصصهم من ماء الري.
وبغض النظر عن السباكة والحرير والفلاحة، فلم يفت اليهود أن يشتهروا في تنغيربصناعة الكير التي ظلت إلى الآن من تراث المدينة وغدت حرفة الكثير من ساكنتها، وتوارثها الأبناء عن الأجداد كما أرسى اليهود لبناتها. ومن تم كان وما يزال هذا المحور مركزا تجاريا استطاع أولا وأخيرا التعريف بجنوب شرق المغرب.
3 ـ طقوس اليهود، أساطير على مر العهود:
يتميز الشعب اليهودي بكونه شعب الأساطير، ففي الجانب العقدي يحتفل اليهود بدورهم بعيد " عاشور "، كانوا ـ يقول عمي أحمد ـ يعدون أشهى المأكولات والأطعمة ويتبادلون الرش بالماء ويلعبون. أما الصلاة عند اليهود فتختلف عن نظيرتها لدى المسلمين صلواتهم تقام عندما تبدأ الشمس في الغروب أو الشروق وعند استقامتها في وسط السماء وهي كلها أوقات منهي عنها في الدين الإسلامي، وفي أحاديث كثيرة أمر المسلمون بمخالفة اليهود. كما يحتل يوم السبت قداسة لا تضاهى لدى اليهود بحيث تشل الحركة في الملاح . أما عن طقوس الجنازة فتبدأ أولا بغسل الميت في مكان خاص يدعى " كهف بومدين " ويتم كفنه داخله ولا يجوز لأحد من المسلمين الاطلاع على هذه الطقوس، نظرا لطابعها السري، لدرجة أنه بمجرد مصادفة موكب الجنازة لأحد المسلمين يعاد الميت ليغسل من جديد. هذا نزر قليل مما حدثنا به أحمد زاهدي الذي عاصر اليهود في منطقة تيليت بقلعة مكونة جنوب المغرب ونعد قراء الجريدة بإفادتهم في الأعداد القادمة بمعلومات وأخبار أخرى عن حياة اليهود التي تتذبذب بين الواقع والخيال.
عمر الحسني – قلعة مكونة
nbarc- محـمــد إدريـســـي
-
عدد الرسائل : 3407
تاريخ الميلاد : 18/02/1988
العمر : 36
الدولة : maroc
المهنة : مساعد صيدلي
المدينة : قلعة مكونة
الهاتف : 0651184573
0634670825
رقم عضويه : 1
الأوسمة :
احترام قوانين المنتدى :
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى