رحلة إلى الجنوب الشرقي

رحلة إلى الجنوب الشرقي من المغرب
المصدر : منتدى الحجاج

هذه قراءة لجزء من كتاب مفتوح لطبيعة المغرب، من خلال تجربة معيشية في رحلة سياحية لمدار تجاوز الألف كلم، للجنوب الشرقي للمغرب. رحلة وجدت نفسي فيها أمام لوحات رائعة الجمال ، بدون إطار، ولا لوحات متحف اللوفر؛ فقلت: شتان ما بين الجمال الطبيعي والجمال الفني، ولو أن لكل منهما أنصاره ومبرراته. هذه التجربة الجمالية هي التي دفعتني إلى أن أعرضها بدون تحفظ ، مدعمة بصور إلتقطها بنفسي عسى أن أكون قد وُفقت في اختيارها.
انطلقت السيارة تطوي الطريق طيا من مدينة مراكش إلى ورزازات؛ وما إن بلغنا ، أنا وزوجتي وابنتي، الجبال الأطلسية حتى بدأت الطريق تلتوي، وكأنها ثعبان يزحف نحو الأعلى ، ثم تنحدر، فتخال نفسك في سقوط حر، وهو إحساس لا يدرك روعته، إلا من مر من "تيزي تيشكا" الشامخة جبالها ، والسحيقة فجاجها ، والخصبة وديانها، فتلوح لك بين مسافة وأخرى تجمعات سكنية متراكبة بيوتها ، يعكس لونها الأحمر وجنات الأطفال وهم يحملون حقائبهم متوجهين إلى الفصول الدراسية أو عائدين منها؛ وبجانب الطريق ، في فسحة عند المنعرج، ينشر بعض رجال القرية صناديق من التفاح والإجاص ليبتاعها العابرون طرية قُطفت في يومها.
وصلنا إلى مدينة ورزازات حوالي الساعة التاسعة ليلا.
ورزازات باب الجنوب الكبير، على طول أودية درعة ودادس وزيز. ورزازات هي نقطة الإنطلاق نحو الواحات الخضراء، وهي أيضا نقطة تلاق لمختلف ثقافات المنطقة وصناعاتها التقليدية. بهذه العوامل وغيرها ، وببهاء ضياء تلك المنطقة ، وصفاء سمائها ، ومناظرها الطبيعية، أدركت سر توافد المخرجين السينمائيين العالميين الكبار عليها، لتصوير أعمالهم الكبرى، مما دفع السلطات المغربية إلى بناء استوديوهات ضخمة،بمدينة ورزازات، ومدرسة لتكوين الممثلين والتقنيين في كل المجالات المتعلقة بالصناعة السينمائية؛ إنها، وبدون مبالغة، هوليوود مصغرة.
نزلنا بفندق "باب الصحراء"، وهو فندق يقع بساحة الموحدين وسط المدينة، فاستقبلنا الموظف "حميد" بابتسامة عريضة، وكلمات الترحاب تتقاطر من فيه كأنه يعرفنا منذ زمان، جعلتنا ننسى بعض تعب الرحلة، ونرتاح لمعاملته. أخذنا قسطا من الراحة، وبعد تناول العشاء ، طلبت منه استشارة حول أفضل المدارات السياحية في المنطقة، مع العلم أنني أتوفر على خريطة مفصلة عن تلك المواقع في الجنوب الشرقي للمغرب. اقترح علي فكرة ، وتتلخص في أن أترك سيارتي وأكتري سيارة كبيرة ذات الدفع الرباعي بسائقها كمرشد سياحي لنقوم برحلة تستغرق ثلاثة أيام تمتد إلى تلال مرزوكة.

انطلقت الرحلة في اليوم الثاني باكرا نحو وادي النخيل "واحة سكورة" ،أو منطقة الألف قلعة أو قصبة ، وتبعد هذه الواحة عن ورززات ب 42 كلم في اتجاه وادي الورود ( قلعة مكونة) او بداية وادي دادس. يحيط بها النخيل من كل جانب وكذا أشجار الرمان والسفرجل و الزراعة السقوية . قيل لنا أن قصورها بنيت منذ عهد يعقوب المنصور الموحدي في القرن الثاني عشر؛ إلا أن هناك رأيا آخر يرد بناءها إلى القرن الثامن عشر، على عهد السلطان مولاي إسماعيل؛ ويستند أصحاب هذا الرأي على أن "الوزان" المكنى بليون الإفريقي لم يأت على ذكرها في كتابه عندما مر بالمنطقة في القرن السادس عشر.

انطلقنا من "واحة سكورة" إلى وادي مكونة حيث توجد مدينة "قلعة مكونة" على ارتفاع 1450 مترا، عند ملتقى وادي مكونة ودادس. تتميز الواحة بزراعة الورد خصوصا في فصل الربيع. أما في فصل الصيف فتجنى كل ما تشتهيه النفس من انواع الفواكه: المشمس، التفاح، الإجاص، التين، البرقوق، الرمان، اللوز، الزيتون، الخوخ، بل قد تدهشك الدوالي وهي ترتفع إلى الأعالي ب 10 أو 15 مترا. ومن قلعة مكونة يمتد السكن متصلا على امتداد 20 كلم على ضفاف نهر مكَون إلى بومالن دادس، وهي مدينة صغيرة تشكل ملتقى لبربر آيت عطا بجبال صاغرو وبربر آيت صدرات لدادس العليا.

اشتهرت قبائل أيت عطا بجبال صاغرو ببسالتها في مقاومة الاستعمار الفرنسي في الثلاثينيات من القرن الماضي، وفيه دارت معارك شرسة حتى بالسلاح الأبيض، وقد دامت المعارك مدة 45 يوما، اندحر فيها جيش الاحتلال مرات عديدة رغم القصف المدفعي والجوي.
كان قائد قبائل آيت عطا هو "عسو با سلام العطاوي" ، وقائد الجيوش الفرنسية هو القبطان هانري بورنزيل الذي قتل في معركة بوكافر في 28 فبراير 1933.
عندما تعذر على الجيوش الفرنسية هزم المقاومين، بعثوا لهم رسلا يدعونهم للاستسلام فرفضوا، بل فضلوا الموت على الحياة تحت سلطة الأجنبي. ثم اكتفى الفرنسيون في طلبهم الثاني بجمع العطايا (الضريبة) مع تركهم يسيرون انفسهم بأنفسهم، فأجابهم "عسو باسلام العطاوي" بقوله – حسب رواية المرشد-السائق أحمد –" أيت عطا ما ياخذ مَعْطا ، وما يعطي عْطا ولو يصير جبل صاغْرو وْطا"، وتفصيح العبارة كالتالي: "قائد آيت عطا لا يأخذ هدية أو رشوة، ولا يؤدي ضريبة أو جزية، ولو صار جبل صاغرو بالحرب أرضا واطئة مستوية".
اتجهنا من بومالن جهة الشمال نحو مضايق دادس،وهي مسافة تقدربـ 25 كلم، وهي من أجمل المناطق في الجنوب. تمتد الطريق ملتوية بجانب نهر دادس وعلى جانبه تجد بعض الدور وقد اتخدت لون الصخر المحيط بها كأنها خجلى من جمالية المكان، أو بعض الدور وهي تطل على النهر من عال، وكأنها تلقي له تحية الصباح بحياء. كنا ننزل من السيارة من حين لآخر، ونقطع جزءا من المسافة مشيا على الأقدام لنستمتع بهذه المناظر الخلابة، ونستنشق الهواء النقي، ونلتقط بعض الصور لتخليد اللحظة، وللإحساس بما تعج به تلك الجبال الشامخة من أريحية. إن أفضل طريقة لزيارة وادي دادس هي السير على الأقدام لبضعة مسافات بجانب النهر حتى الوصول إلى المضايق التي قضينا بها بعض الوقت الممتع ، قبل أن نقفل راجعين في اتجاه بومالن إلى المأوى للمبيت.

يقع المأوى في نصف الطريق بين مضايق دادس وبومالن، يطل على الوادي ، وتقابله جبال يطلق عليها "أصابع القرد"، وبالفعل فإنها تشبه كف القرد. وضعنا امتعتنا في الغرف المخصصة لنا، ثم طلب منا المرشد أحمد أن نقوم برحلة مشيا على الأقدام Randonnée في قعر الوادي. تخلفت زوجتي عن الرحلة عندما سمعت باحتمال وجود الثعالب ، فمكثت بالمأوى لتأخذ قسطا من الراحة، وانطلقنا أنا وابنتي وأحمد إلى المغامرة. كانت الساعة تشير إلى الخامسة مساء عندما نزلنا إلى جانب النهر المحفوف بالأشجار والأحراش، وما هي إلا مسافة صغيرة حتى انحرف بنا أحمد نحو مسلك وعر بين الصخور. ومن ثم بدأ السير، وبدأتُ معه أرسم حلما بالألون، تارة مشرقا بما يحيط بي من مناظر، وتارة مظلما كلما اعترضتنا صخرة ضخمة نضطر إلى تسلقها أو المرور تحتها مشيا على الأربع، وكلما تقدمنا في المسير كلما وجدنا صعوبة في المسالك، بالإضافة إلى أن الليل بدأ يرخي سدوله على المكان.وفي لحظة أحسست أن الزمان قد توقف عن الانسياب، وكأنني أسبح في اللانهائي، وأمام هذا الصمت السرمدي، فلم أعد أسمع سوى دقات قلبي وكأنها إيقاع رتيب في سمفونية الخلود. ولم أُنشَتل من حلمي و أتنفس الصعداء إلا بعد أن خرجنا من ذلك الجوف العميق، وصعدنا إلى قمة مرتفع، ومنه بدأت تلوح لنا أضواء المأوى . لقد استغرق المسير مدة ثلاث ساعات. ولا أخفيكم سرا،إن قلت لكم أنها كانت خرجة اختلطت فيها أحاسيس المتعة بالرهبة من وحش المكان.

المصدر : منتدى الحجاج

ومن قلعة مكونة يمتد السكن متصلا على امتداد 20 كلم على ضفاف نهر مكَون إلى بومالن في هذه الجملة هناك خطا هو ان النهر الموجود بين القلعة و بومالن هو نهر دادس وليس مكون

من طرف omar96 الأحد 02 مايو 2010, 14:42

شكرا على الموضوع الجيد

رحلة إلى الجنوب الشرقي

رحلة إلى الجنوب الشرقي

رد: رحلة إلى الجنوب الشرقي

رد: رحلة إلى الجنوب الشرقي