حكمة الخُرَسَاءْ ( الجزء الثاني )

حكمة الخُرَسَاءْ ( الجزء الثاني )

بقلم: محمد العمراني

في الواقع التعصب بوصفه ظاهرة بشرية خالصة تنتمي إلى مجال العلاقات بين إنسان وإنسان، يمكن أن يعالج بمناهج وأساليب متعددة، تبعا للزاوية التي نتأمله منها. ففي استطاعة علم النفس، وعلم الاجتماع، والتاريخ، والعلوم البيولوجية- في استطاعة هذه العلوم كلها أن تلقي أضواء كاشفة على ظاهرة التعصب، وأن تساعد الإنسان على إزالة هذه الغشاوة التي أعمت بصيرة البشرية ردحا طويلا من الزمان.

ولطالما كان الصراع قائما دائما بين أمرين اثنين هما: أن تكون ذئبا أو تأكلك الذئاب. ما الطائل من عقل الإنسان إن لم يستخدمه إلا في الإنصات لأفكار الآخرين ؟ أو بطريقة أفضل للإجابة على هؤلاء المتعصبين لآرائهم، أين أذهب بأفكاري إن عملت بأفكارك أنت؟ والواضح أن المعضلة التي لا زال يعيشها الكثير من شبابنا اليوم هو التبعية لآراء الآخرين، ألئك الذين يتعصبون لأفكارهم، إما كونهم كبارا في السن، السنوات التي قضوها في الدراسة، مناصبهم، أدوارهم في المجتمع... كلها أساليب يستعملها المتعصبون لأفكارهم.

إن التعصب كما هو واضح، يتضمن عنصرين أحدهما إيجابي والآخر سلبي. فالعنصر الإيجابي هو اعتقاد المرء بأن الفئة التي ينتمي إليها، سواء أكانت قبيلة أم وطنا أم مذهبا فكريا أو دينيا، أسمى وأرفع من بقية الفئات، والعنصر السلبي هو اعتقاده بأن تلك الفئات الأخرى أحط من تلك التي ينتمي إليها. إذن إن اعتقاد فئة معينة بتفوقها يعني آليا أنها تنظر إلى الفئات الأخرى كما لو كانت أقل منها قدرا. إن ردة الفعل الناجمة عن هذا الأمر قد تظهر كأنانية وحب ظهور لدى البعض، إنها أسلوب لحرق كل تلك المعتقدات الواهية بأن فارق السن أو المستوى الدراسي أو الدور الإجتماعي أو المناصب... يعد موقفا لكي نمتثل للمثل الدادسي القائل: " ig da sawaln ikhatarn, fstn imzzan ". هنا أنصح من لازال يؤمن بهذه الأفكار بقراءة الجزء الأول من حكمة الخرساء.

لابد من أن واقع هذا الأمر أنتج فعل احتراق بطيء لدى البعض، لكن هذا لا يهم، فالمهم أن المرء سيحشر مع أعماله وتأتي كل المحددات التي يعتقدها فارقا بينه وبين الآخرين. وإلا فما هو الأمر الذي استحق الاقتناع ولم يقتنع به أحد ؟

الكثير منا استمتع بمسرحيات شكسبير، ومن بين ما أعجبني في أحد مسرحياته ( مكبث ) عندما قال " مكبت " في مشهد من فصول هذه المسرحية لـ " ليدي مكبت " : وماذا لو فشلنا ؟ فكان الجواب : نفشل !؟ إحزم شجاعتك ولن نفشل .. . ولا زلنا نردد دائما، ما نكتبه وما نقوله لا يلزم أحدا الامتثال به، الرد عليه، مناقشته... وإلا فأفكارنا تمارس فعل إحراق لا ولن ينفي أحد ذلك ما دام أن أثرها بدأ يظهر في ترسبات نشهدها الآن.

من هنا نصل إلى أن الفرق ليس فيما تحدث عنه المثل السابق، الفرق أن البعض لم يتعلم بعد معنى العنوان السابق لنصنا هذا. إضافة إلى أن البعض لا يستطيع التعبير عن آرائه تحت هويته، وهذا هو الدليل والرهان الأكبر الذي يذل على هوان شباكه. وشجاعة الرجال في العراك تبغي .. جرأة المحارب وسيفه بيده وتقوى الإله . تتمخض الجبال في بعض الأحيان فتنجب ما فوق البعوض. والنتيجة قد توصلنا إليها سابقا، إنما هي أسماء مستعارة لواقع مزيف.

فقط الردود المقرونة بهويات أصحابها تستحق المناقشة