نحن والتخلف
4 مشترك
صفحة 1 من اصل 1
نحن والتخلف
إن الهدف من هذه التساؤلات ليس هو تجريم قطاع معين أو أناس معينين وإنما هو الوقوف على حقيقة أن كل فرد له دائرة تأثير خاصة به. فإن هو أحسن اختياراته فتأثيره سيكون إيجابيا، وإن أخطأ التصرف فلا مناص من تأثيره السلبي على محيطه
إن كل متتبع محايد لأحوال بلدنا في السنوات الأخيرة لا بد أن يسترعي انتباهه «التميز» الذي صرنا نحظى به في احتلال أذيال قوائم التصنيفات الدولية في مختلف مجالات التنمية والتمظهرات الحضارية ومؤشرات التقدم المجتمعي. فقطاعات كالتعليم والصحة ومحاربة الرشوة والفساد، مثلا لا حصرا، عرفت مؤخرا تقهقرا خطيرا رغم إصرار الخطابات الرسمية -الأقرب إلى الكاريكاتير والضحك على الذقون منه إلى الحقيقة- على محاولة صد أشعة الشمس بغربال أخرق أحمق.
كتفسير لأسباب هذا التردي، من السهل إلقاء كل اللوم على الحكومة المغربية بمسؤوليها وتبرئة ذمة المواطنين المغلوبين على أمرهم. والسؤال الذي يطرح نفسه في نظري هو كيف لشرذمة من المسؤولين يعدون بالعشرات على أقصى تقدير أن يدفعوا ببضع عشرات ملايين من المواطنين في غياهب ظلمات من التخلف الحضاري والمجتمعي؟ نحن أمام أمرين لا ثالث لهما: إما أن هؤلاء المسؤولين من طينة غريبة ويتميزون بطاقات هرقلية خارقة يعجز أمامها الملايين من ذوي الصفات البشرية المتواضعة عن الصد، أو أن نظرية العشرات التي تدفع بالملايين إلى الهاوية تستلزم بعض المراجعة والتدقيق. هل يمكن الجزم بأن الملايين من المواطنين المغلوبين على أمرهم لا يد لهم في تمظهرات التخلف المذكورة سالفا؟
لنتأمل قليلا تصرفاتنا اليومية على اختلاف مهامنا ومسؤولياتنا ولنتساءل بصدق إن كانت تساهم في تحسين محيطنا أم على العكس من ذلك تزيده رداءة. فمن الغفلة أن نظن أن ما نقوم به لا يؤثر على الصورة الإجمالية لبلادنا. فالنهر أصله قطرات ماء متراكمة وروافد تتجمع لتشكل هذا المجرى المائي الكبير.
لنأخذ كمثال قطاع التعليم، هل يصح تشخيص وضعه الحالي بكونه نتاج سياسات تربوية فاشلة لدواوين وزراء تعاقبوا علي هذا القطاع؟ ألا وجود لأسباب أخرى؟ أو لنقل وضعيات كرست هذا الوضع ولم تساعده على الإقلاع عنه؟ هل يقوم المدرس-الذي يعتبر بالرغم من كل شيء الحلقة المحورية في المسألة التربوية- بدوره في تخليص تلاميذه من قبضة هذه السياسات التربوية العقيمة؟
لنتساءل بعد ذلك عن ظاهرة الرشوة والفساد الإداري الذي صرنا نعايشه أكثر مما نعايش ذوينا. أليس لدينا كمواطنين قسط من المسؤولية في تفشي هذه الظواهر؟ إذا اعتبرنا متلقي الرشوة مذنبا، فما حكم من يعطيها، أحيانا بسخاء وإصرار، و«يتفنن» في إيجاد تعابير مرادفة لعبارة «رشوة» ليسهل على المتلقي قبولها؟
لنتحدث عن استغلال النفوذ والشطط في استعمال السلطة، تلك التهمة التي دأبنا على الصراخ بها حينما نتقمص دور المواطن المغلوب على أمره في مواجهة جبروت المسؤولين من ذوي السلط. ألا نمارس بدورنا شططا واستغلالا للنفوذ حينما نمارس تسلطا في بيوتنا كأزواج ونذيق زوجاتنا ويلات تفوقنا العضلي على جنس النساء؟
ألا يمارس بعض سائقي الطاكسي (المقهورين عندما يضربون عن العمل احتجاجا على مشروع مدونة السير) بدورهم استغلالا للنفوذ حينما يفرضون زيادات صاروخية على جيوب الزبناء العزل كلما سنحت الفرصة (الأعياد مثلا)؟ أيصعب علينا تخيل ما سيفعله هؤلاء الأشخاص إن تمكنوا من سلط أكبر... سلطة وزير النقل مثلا؟
ألا تمارس بعض الأطر الصحية (المقهورة حينما تطالب بتسوية أوضاعها المادية والاجتماعية) استغلالا للنفوذ حين تتعامل مع المرضى بشكل أسوأ مما يتعامل به البياطرة مع الحيوانات؟ أيشق علينا تخيل ما سيفعله هؤلاء إن هم تمكنوا من صلاحيات أوسع... صلاحيات وزير الصحة مثلا؟
إن الهدف من هذه التساؤلات ليس هو تجريم قطاع معين أو أناس معينين وإنما هو الوقوف على حقيقة أن كل فرد له دائرة تأثير خاصة به. فإن هو أحسن اختياراته فتأثيره سيكون إيجابيا، وإن أخطأ التصرف فلا مناص من تأثيره السلبي على محيطه. ومن دون شك، فالمجتمع هو مجموع دوائر التأثير هاته. كما أن مسؤولية النتيجة تقع بالتالي على رقبة كل المواطنين حكومة وشعبا.
إن الملاحظ لحال البلدان المتقدمة سيجد أن ما تنعم به هذه الشعوب من رفاهية ورقي، إنما هو نتاج التصرفات المسؤولة لكافة مواطنيها رعاة ورعية. وعلى نفس المنوال، فتخلف الشعوب لا يعدو كونه نتيجة منطقية لتخلفات فردية وإفلاسات أخلاقية لا تستأثر بها فئة دون أخرى.
وأخيرا، علينا أن نختار بين أمرين. إما أن نفكر مليا ونبدأ في التأثير إيجابا على دوائر نفوذنا أو نتجرع مرارة تخلفنا و«تميزنا» في أذيال قائمات التصنيف الدولية، بإلقاء اللوم كله على «شرذمة» من «المخلوقات الهرقلية» التي لا طاقة لنا بها كي ننعم بغفوة عين بعيدا عن تأنيب ضمائرنا التي يبدو أن غربالنا يحجب عنها فعلا شمس الحقيقة
كتفسير لأسباب هذا التردي، من السهل إلقاء كل اللوم على الحكومة المغربية بمسؤوليها وتبرئة ذمة المواطنين المغلوبين على أمرهم. والسؤال الذي يطرح نفسه في نظري هو كيف لشرذمة من المسؤولين يعدون بالعشرات على أقصى تقدير أن يدفعوا ببضع عشرات ملايين من المواطنين في غياهب ظلمات من التخلف الحضاري والمجتمعي؟ نحن أمام أمرين لا ثالث لهما: إما أن هؤلاء المسؤولين من طينة غريبة ويتميزون بطاقات هرقلية خارقة يعجز أمامها الملايين من ذوي الصفات البشرية المتواضعة عن الصد، أو أن نظرية العشرات التي تدفع بالملايين إلى الهاوية تستلزم بعض المراجعة والتدقيق. هل يمكن الجزم بأن الملايين من المواطنين المغلوبين على أمرهم لا يد لهم في تمظهرات التخلف المذكورة سالفا؟
لنتأمل قليلا تصرفاتنا اليومية على اختلاف مهامنا ومسؤولياتنا ولنتساءل بصدق إن كانت تساهم في تحسين محيطنا أم على العكس من ذلك تزيده رداءة. فمن الغفلة أن نظن أن ما نقوم به لا يؤثر على الصورة الإجمالية لبلادنا. فالنهر أصله قطرات ماء متراكمة وروافد تتجمع لتشكل هذا المجرى المائي الكبير.
لنأخذ كمثال قطاع التعليم، هل يصح تشخيص وضعه الحالي بكونه نتاج سياسات تربوية فاشلة لدواوين وزراء تعاقبوا علي هذا القطاع؟ ألا وجود لأسباب أخرى؟ أو لنقل وضعيات كرست هذا الوضع ولم تساعده على الإقلاع عنه؟ هل يقوم المدرس-الذي يعتبر بالرغم من كل شيء الحلقة المحورية في المسألة التربوية- بدوره في تخليص تلاميذه من قبضة هذه السياسات التربوية العقيمة؟
لنتساءل بعد ذلك عن ظاهرة الرشوة والفساد الإداري الذي صرنا نعايشه أكثر مما نعايش ذوينا. أليس لدينا كمواطنين قسط من المسؤولية في تفشي هذه الظواهر؟ إذا اعتبرنا متلقي الرشوة مذنبا، فما حكم من يعطيها، أحيانا بسخاء وإصرار، و«يتفنن» في إيجاد تعابير مرادفة لعبارة «رشوة» ليسهل على المتلقي قبولها؟
لنتحدث عن استغلال النفوذ والشطط في استعمال السلطة، تلك التهمة التي دأبنا على الصراخ بها حينما نتقمص دور المواطن المغلوب على أمره في مواجهة جبروت المسؤولين من ذوي السلط. ألا نمارس بدورنا شططا واستغلالا للنفوذ حينما نمارس تسلطا في بيوتنا كأزواج ونذيق زوجاتنا ويلات تفوقنا العضلي على جنس النساء؟
ألا يمارس بعض سائقي الطاكسي (المقهورين عندما يضربون عن العمل احتجاجا على مشروع مدونة السير) بدورهم استغلالا للنفوذ حينما يفرضون زيادات صاروخية على جيوب الزبناء العزل كلما سنحت الفرصة (الأعياد مثلا)؟ أيصعب علينا تخيل ما سيفعله هؤلاء الأشخاص إن تمكنوا من سلط أكبر... سلطة وزير النقل مثلا؟
ألا تمارس بعض الأطر الصحية (المقهورة حينما تطالب بتسوية أوضاعها المادية والاجتماعية) استغلالا للنفوذ حين تتعامل مع المرضى بشكل أسوأ مما يتعامل به البياطرة مع الحيوانات؟ أيشق علينا تخيل ما سيفعله هؤلاء إن هم تمكنوا من صلاحيات أوسع... صلاحيات وزير الصحة مثلا؟
إن الهدف من هذه التساؤلات ليس هو تجريم قطاع معين أو أناس معينين وإنما هو الوقوف على حقيقة أن كل فرد له دائرة تأثير خاصة به. فإن هو أحسن اختياراته فتأثيره سيكون إيجابيا، وإن أخطأ التصرف فلا مناص من تأثيره السلبي على محيطه. ومن دون شك، فالمجتمع هو مجموع دوائر التأثير هاته. كما أن مسؤولية النتيجة تقع بالتالي على رقبة كل المواطنين حكومة وشعبا.
إن الملاحظ لحال البلدان المتقدمة سيجد أن ما تنعم به هذه الشعوب من رفاهية ورقي، إنما هو نتاج التصرفات المسؤولة لكافة مواطنيها رعاة ورعية. وعلى نفس المنوال، فتخلف الشعوب لا يعدو كونه نتيجة منطقية لتخلفات فردية وإفلاسات أخلاقية لا تستأثر بها فئة دون أخرى.
وأخيرا، علينا أن نختار بين أمرين. إما أن نفكر مليا ونبدأ في التأثير إيجابا على دوائر نفوذنا أو نتجرع مرارة تخلفنا و«تميزنا» في أذيال قائمات التصنيف الدولية، بإلقاء اللوم كله على «شرذمة» من «المخلوقات الهرقلية» التي لا طاقة لنا بها كي ننعم بغفوة عين بعيدا عن تأنيب ضمائرنا التي يبدو أن غربالنا يحجب عنها فعلا شمس الحقيقة
izri- مراقب عام
-
عدد الرسائل : 435
تاريخ الميلاد : 17/06/1981
العمر : 43
الدولة : MAROC
المهنة : طالب
المدينة : مدينة الورود
الدولة :
احترام قوانين المنتدى :
رد: نحن والتخلف
التخلف صناعة، وربما أحد علوم العصر الذي تميزنا به بحق؛ فنحن أمة تفوقنا في كل علم وفن، ومن أبرز هذه الفنون: فن التخلف. نحن أميون، وربما نفاخر العالم بذلك. إننا نصنع الأمية وننتجها، ولربما نصدرها إلى أطراف العالم من حولنا.
التخلف عملة وطنية نحن من صنعها من أجل أن يتعامل بها الجميع، وهي العملة الوحيدة في العالم التي لها وجه واحد فقط، مرسوم عليه الجهل. نحن الوحيدون بين الأمم الذين نحارب الجهل بمزيد من الجهل.
ونحن من دون العالم نفاخر بأننا أمة "اقرأ" في حين ناصبنا القراءة كل العداء، وجعلنا من القراءة والكتب أعداء لنا منذ زمن بعيد. ونحن من بين كل الخلق الذين جعلنا شعار المرحلة- مع الاعتذار للشاعر عمرو بن كلثوم:
ألا لا يجهلن أحد علينا
فنجهل فوق جهل الجاهلينا
فنحن إذن من خلد الجاهلية مهما كان قصد الشاعر من كلمة جهل بريئاً وإيجابياً. لدينا جاهلية قديمة وجاهلية معاصرة ذات أصول ويتم تدريسها في مدارسنا وجامعاتنا، ونتداولها في تعاملنا اليوم.
نحن نجهل ونتجاهل في كل شيء. لدينا مئات الفضائيات التي لا حصر لها تبث في ثنايانا مختلف صنوف الجهل والتخلف، وتسلب أوقاتنا وربما عقولنا- إن بقي لدينا شيء منها.
نتكلم كثيراً وجعلنا من القول فنوناً، ومن البلاغة صناعة، ومن السجع طريقة، ونمارس الكسل بكافة أنواعه التي من أهمها الكسل الفكري، فالدماغ في إجازة منذ قرون خلت، بانتظار صدمه كهربائية علها تبعثه من سباته العميق.
نمارس الكره.. وأحيانا الحقد ونرغب في الحرب, ونتبارى في الجهل والأمية. نمضي الساعات نبحلق في الشاشة الصغيرة وربما الكبيرة بحثاً عن شيء، ولا نجده. نضع الأطباق فوق سطوح بيوتنا، ونقلب المحطات وننام، ثم نصحو من أجل أن ننام من جديد.
نلقي مسؤولية كل مشاكلنا على الآخرين، على الاستعمار، وعلى القضاء والقدر، ونغمس رؤوسنا في الرمال. نشتم الآخرين وندعو عليهم بكل أصناف الدعاء، ونقنع أنفسنا أننا ما زلنا في مقدمة الأمم.
لا علاقة لنا بالإنتاج، ولا رغبة لنا في التطور، بل إننا قد نحارب من يقدم لنا فكرة قد تقود إلى تطورنا. نصدق كل شيء، ونؤمن بالخرافة، ونقدس الأسطورة، ونفرح بنشر الإشاعة.
عاطلون عن العمل، وصنعنا من البطالة مهنة. بل إننا نعيب على غيرنا حين يعمل.
لا نقرأ التاريخ، ونكره درس التاريخ في المدرسة، ونتثاءب كثيراً، ولا ندري ماذا نصنع بالمعلومات التي يضخونها في رؤوسنا وعلى مسامعنا ليل نهار.
نفاخر بأمجاد الماضي، ونزعم أن الأندلس كانت لنا، ولا نملك حاضراً مشرفاً نتحدث عنه. كل الأمم لها حاضر، ونحن ليس لنا إلا الماضي نتغنى به.
نفاخر بخرافات الزير سالم ونباهي برجولة عنترة العبسي، ونذكر في مجالسنا كرم حاتم الطائي الأسطوري، ونسمي أولادنا وبناتنا أسماء ونخلد أولئك الذين أورثونا الجهل والتهور وربما الغباء.
نسخر من الآخرين، ولا يعجبنا العجب، ونظن أننا لا غالب لنا. ونمجد مفهوم الذات لدينا، ونعطي أنفسنا كل الحق أن نصنف العالم وكل من حولنا ونلصق بهم نعوتاً وألوناً بعدد ألوان قوس قزح.
نحن جاهلون رغم كثرة مدارسنا، وجاهلون رغم انتشار جامعاتنا، فليس من بينها جامعة واحدة استحقت أن تكون من بين أفضل خمسمائة جامعة في العالم الحديث، وجاهلون رغم أن كثيراً منا يحمل درجة الدكتوراه أو في طريقه إليها.
نمارس الشعوذة، ويذهب حتى المتعلمون إلى مشعوذي الطب. يضربون المرضى بحجة إخراج الجن من أجسادهم، ولا نؤمن بالطب النفسي ولا بقدرات العيادات النفسية، أليس هذا هو الجهل بعينه؟
وفي زمن الانفجار المعرفي الهائل، تتفجر لدينا مواهب تفسير الأحلام، والمعالجة من خلال الشعوذة، وكل ما هو بعيد عن العقل.
نجهل بتفوق، ونتخلف بجدارة، نصدق كل شيء، ولا ندقق في شيء، ننعم بالجهل ونتلذذ بحلاوته، ويقتلنا الكبرياء.. لا نقبل الاختلاف في الرأي، ونعلن الحرب ببساطة، فهذه الواحة لنا دوماً وأبداً، وخلال لحظات، ودون نقاش تمتد أيدينا إلى سيوفنا، ونعتلي ظهور خيولنا، فلا مجال لتفاوض، وكل من يقول رأياً معارضاً قد يصبح خائناً.
نتخبط في الفكر، ولا مجال لاستخدام العقل، ونلعن العولمة، ونعيش في ظلها، فهنيئاً لنا لأننا ننعم بالجهل، فقد صدق قول الشاعر فينا:
ذو العلم يشقى في النعيم بعقله
وأخو الجهالة في الشقاوة ينعم.
بقلم الدكتور تركي بني خالد
التخلف عملة وطنية نحن من صنعها من أجل أن يتعامل بها الجميع، وهي العملة الوحيدة في العالم التي لها وجه واحد فقط، مرسوم عليه الجهل. نحن الوحيدون بين الأمم الذين نحارب الجهل بمزيد من الجهل.
ونحن من دون العالم نفاخر بأننا أمة "اقرأ" في حين ناصبنا القراءة كل العداء، وجعلنا من القراءة والكتب أعداء لنا منذ زمن بعيد. ونحن من بين كل الخلق الذين جعلنا شعار المرحلة- مع الاعتذار للشاعر عمرو بن كلثوم:
ألا لا يجهلن أحد علينا
فنجهل فوق جهل الجاهلينا
فنحن إذن من خلد الجاهلية مهما كان قصد الشاعر من كلمة جهل بريئاً وإيجابياً. لدينا جاهلية قديمة وجاهلية معاصرة ذات أصول ويتم تدريسها في مدارسنا وجامعاتنا، ونتداولها في تعاملنا اليوم.
نحن نجهل ونتجاهل في كل شيء. لدينا مئات الفضائيات التي لا حصر لها تبث في ثنايانا مختلف صنوف الجهل والتخلف، وتسلب أوقاتنا وربما عقولنا- إن بقي لدينا شيء منها.
نتكلم كثيراً وجعلنا من القول فنوناً، ومن البلاغة صناعة، ومن السجع طريقة، ونمارس الكسل بكافة أنواعه التي من أهمها الكسل الفكري، فالدماغ في إجازة منذ قرون خلت، بانتظار صدمه كهربائية علها تبعثه من سباته العميق.
نمارس الكره.. وأحيانا الحقد ونرغب في الحرب, ونتبارى في الجهل والأمية. نمضي الساعات نبحلق في الشاشة الصغيرة وربما الكبيرة بحثاً عن شيء، ولا نجده. نضع الأطباق فوق سطوح بيوتنا، ونقلب المحطات وننام، ثم نصحو من أجل أن ننام من جديد.
نلقي مسؤولية كل مشاكلنا على الآخرين، على الاستعمار، وعلى القضاء والقدر، ونغمس رؤوسنا في الرمال. نشتم الآخرين وندعو عليهم بكل أصناف الدعاء، ونقنع أنفسنا أننا ما زلنا في مقدمة الأمم.
لا علاقة لنا بالإنتاج، ولا رغبة لنا في التطور، بل إننا قد نحارب من يقدم لنا فكرة قد تقود إلى تطورنا. نصدق كل شيء، ونؤمن بالخرافة، ونقدس الأسطورة، ونفرح بنشر الإشاعة.
عاطلون عن العمل، وصنعنا من البطالة مهنة. بل إننا نعيب على غيرنا حين يعمل.
لا نقرأ التاريخ، ونكره درس التاريخ في المدرسة، ونتثاءب كثيراً، ولا ندري ماذا نصنع بالمعلومات التي يضخونها في رؤوسنا وعلى مسامعنا ليل نهار.
نفاخر بأمجاد الماضي، ونزعم أن الأندلس كانت لنا، ولا نملك حاضراً مشرفاً نتحدث عنه. كل الأمم لها حاضر، ونحن ليس لنا إلا الماضي نتغنى به.
نفاخر بخرافات الزير سالم ونباهي برجولة عنترة العبسي، ونذكر في مجالسنا كرم حاتم الطائي الأسطوري، ونسمي أولادنا وبناتنا أسماء ونخلد أولئك الذين أورثونا الجهل والتهور وربما الغباء.
نسخر من الآخرين، ولا يعجبنا العجب، ونظن أننا لا غالب لنا. ونمجد مفهوم الذات لدينا، ونعطي أنفسنا كل الحق أن نصنف العالم وكل من حولنا ونلصق بهم نعوتاً وألوناً بعدد ألوان قوس قزح.
نحن جاهلون رغم كثرة مدارسنا، وجاهلون رغم انتشار جامعاتنا، فليس من بينها جامعة واحدة استحقت أن تكون من بين أفضل خمسمائة جامعة في العالم الحديث، وجاهلون رغم أن كثيراً منا يحمل درجة الدكتوراه أو في طريقه إليها.
نمارس الشعوذة، ويذهب حتى المتعلمون إلى مشعوذي الطب. يضربون المرضى بحجة إخراج الجن من أجسادهم، ولا نؤمن بالطب النفسي ولا بقدرات العيادات النفسية، أليس هذا هو الجهل بعينه؟
وفي زمن الانفجار المعرفي الهائل، تتفجر لدينا مواهب تفسير الأحلام، والمعالجة من خلال الشعوذة، وكل ما هو بعيد عن العقل.
نجهل بتفوق، ونتخلف بجدارة، نصدق كل شيء، ولا ندقق في شيء، ننعم بالجهل ونتلذذ بحلاوته، ويقتلنا الكبرياء.. لا نقبل الاختلاف في الرأي، ونعلن الحرب ببساطة، فهذه الواحة لنا دوماً وأبداً، وخلال لحظات، ودون نقاش تمتد أيدينا إلى سيوفنا، ونعتلي ظهور خيولنا، فلا مجال لتفاوض، وكل من يقول رأياً معارضاً قد يصبح خائناً.
نتخبط في الفكر، ولا مجال لاستخدام العقل، ونلعن العولمة، ونعيش في ظلها، فهنيئاً لنا لأننا ننعم بالجهل، فقد صدق قول الشاعر فينا:
ذو العلم يشقى في النعيم بعقله
وأخو الجهالة في الشقاوة ينعم.
بقلم الدكتور تركي بني خالد
amouna-amoura- عضوة إدارية
-
عدد الرسائل : 1301
تاريخ الميلاد : 21/03/1992
العمر : 32
الدولة : المغرب
المهنة : طالبة
المدينة : قلعة امكونة
الأوسمة :
الدولة :
احترام قوانين المنتدى :
رد: نحن والتخلف
اضافتي هده لا تعني ان هدا الموضوع غير متكامل بل هو تام و شامل ولله الحمد ولكن فقد لتبادل الفكار ولتتم الفائدة ان شاء الله.
""" "$$$$$$$$$$التخلف$$$$$$$$$$$$$$$$$$$$
*"هناك سبب رئيسي لتخلفنا، وهو نظراتنا الى الحياة، تلك النظرات السلبية والمتخلفة والجامدة". (التاريخ الإسلامي / ص13)
*اننا إذا وجدنا حالة التخلف والتقهقر والبؤس والحرمان في بلادنا، فان ذلك ليس إلا بسبب ما كسبت أيدينا. (ص184 آفاق الحركة الإسلامية)
*مشكلة التخلف في الواقع ليست مشكلة واحدة، وانما هي آلاف المشاكل. وانما اطلقت كلمة التخلف مجازاً للتعبير عن مجموعة المشاكل التي يعاني منها البلد المتخلف. وكما ان الصداع أحياناً ليس وجعاً واحداً في الرأس يعالج باقراص (الاسبرين) وحسب، وانما هو نتاج ضعف عام في الجسم كله يجب ان يعالج ببرنامج غذائي وطبي متكامل. كذلك التخلف يجب ان يعالج في البلاد النامية ببرامج الإسلام كافة، لان كل جزء من الاسلام يعالج ناحية في التخلف، وبالمجموع يعالج المجموع. (ص259-260 البعث الإسلامي)
*من اعقد المشاكل وابرزها في عالم اليوم هي مشكلة التخلف التي تبدو أكبر من غيرها. (ص268 البعث الإسلامي)
*التبعية هي سمة رئيسية من سمات التخلف، إذ لا نجد الآن دولة مستقلة واحدة متخلفة، كما لا نجد دولة مستعمرة واحدة متقدمة. وهذا دليل ان السبب الرئيسي للتخلف او التقدم، انما هو التبعية او الاستقلال. (ص278 البعث الإسلامي)
*إذا كان التخلف الحضاري والابتعاد عن روح الاسلام سبباً في شقاء آبائنا، فان ذلك لا يعني انه انتهى، بل لازلنا نحمله عبر قانون الوراثة والافكار والعادات وطريقة المواجهة مع الحياة. (ص13 كيف نقهر التخلف الحضاري
بقلم السيد محمد تقي المدرسي
""" "$$$$$$$$$$التخلف$$$$$$$$$$$$$$$$$$$$
*"هناك سبب رئيسي لتخلفنا، وهو نظراتنا الى الحياة، تلك النظرات السلبية والمتخلفة والجامدة". (التاريخ الإسلامي / ص13)
*اننا إذا وجدنا حالة التخلف والتقهقر والبؤس والحرمان في بلادنا، فان ذلك ليس إلا بسبب ما كسبت أيدينا. (ص184 آفاق الحركة الإسلامية)
*مشكلة التخلف في الواقع ليست مشكلة واحدة، وانما هي آلاف المشاكل. وانما اطلقت كلمة التخلف مجازاً للتعبير عن مجموعة المشاكل التي يعاني منها البلد المتخلف. وكما ان الصداع أحياناً ليس وجعاً واحداً في الرأس يعالج باقراص (الاسبرين) وحسب، وانما هو نتاج ضعف عام في الجسم كله يجب ان يعالج ببرنامج غذائي وطبي متكامل. كذلك التخلف يجب ان يعالج في البلاد النامية ببرامج الإسلام كافة، لان كل جزء من الاسلام يعالج ناحية في التخلف، وبالمجموع يعالج المجموع. (ص259-260 البعث الإسلامي)
*من اعقد المشاكل وابرزها في عالم اليوم هي مشكلة التخلف التي تبدو أكبر من غيرها. (ص268 البعث الإسلامي)
*التبعية هي سمة رئيسية من سمات التخلف، إذ لا نجد الآن دولة مستقلة واحدة متخلفة، كما لا نجد دولة مستعمرة واحدة متقدمة. وهذا دليل ان السبب الرئيسي للتخلف او التقدم، انما هو التبعية او الاستقلال. (ص278 البعث الإسلامي)
*إذا كان التخلف الحضاري والابتعاد عن روح الاسلام سبباً في شقاء آبائنا، فان ذلك لا يعني انه انتهى، بل لازلنا نحمله عبر قانون الوراثة والافكار والعادات وطريقة المواجهة مع الحياة. (ص13 كيف نقهر التخلف الحضاري
بقلم السيد محمد تقي المدرسي
fati17- الحضور المميز
-
عدد الرسائل : 125
تاريخ الميلاد : 15/07/1993
العمر : 31
الدولة : المغرب
المدينة : مكناس
احترام قوانين المنتدى :
رد: نحن والتخلف
في الحقيقة ترددت كثيرا قبل أن أتشجع للرد على هذا الموضوع !! ليس لأنه لا يعجبني، بل بالعكس تماما فهو موضوع جيد جدا بالإضافة إلى أن الردود متناسقة مع ما ورد فيه كذلك و هي في الحقيقة تجاوزت تلك الردود المكتفية بكلمة " شكرا " و هذا ما جعلني خجولا في الرد عليه لأن ما سأضيفه لن يكون إلا : شكرا على الموضوع الجميل و على الردود الجميلة كذلك. لم تتركوا لي المجال للإضافة !
مع أزكى السلام.
العمراني عبد العزيز- الوسام البرونزي
-
عدد الرسائل : 307
تاريخ الميلاد : 19/08/1982
العمر : 42
الدولة : المغرب
المدينة : مدينة الورود
رقم عضويه : 879
الأوسمة :
الدولة :
احترام قوانين المنتدى :
رد: نحن والتخلف
في الحقيقة لا أجد إلا كلمة شكر أن أبعتها لكم من هذا المنبر الحر على ردودكم الجميلة
والتي اكسبت الموضوع إضافة شكرا
والتي اكسبت الموضوع إضافة شكرا
izri- مراقب عام
-
عدد الرسائل : 435
تاريخ الميلاد : 17/06/1981
العمر : 43
الدولة : MAROC
المهنة : طالب
المدينة : مدينة الورود
الدولة :
احترام قوانين المنتدى :
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى