العيون التي تبتسم طول الوقت
5 مشترك
صفحة 1 من اصل 1
العيون التي تبتسم طول الوقت
العيون التي تبتسم طول الوقت
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مبتسمة، ظلّت تتصنّع السير قبالتك جيئة وذهابا بحركات متئدة، يحفّها غير قليل من الغنج، وكأنّما لتخبرك بأمر ما..
ملبية طلبات الزبائن، ترشقك بين الفينة والأخرى بنظرات جانبيّة ذات مغزى واضح، وحين تهمد الحركة في المحلّ لوقت قصير، تستند إلى "الكونتوار"، ملقية برأسها إلى جماع مرفقيها، بينما يختفي باقي جسدها وراء الحاجز الخشبي، في شبه كبير بمشهد من السيرك، حيث يبدو رأس إحداهنّ موضوعا على منضدة دون جسد، يتكلّم ويبتسم ضاجّا بالحياة، ولسذاجتك أنت الذي ترغب في الهروب من الواقع، تصدّق الأمر، وتظلّ لأيّام طويلة تختلف إلى السيرك، تغمز الرأس المقطوع محاولا الظفر به. الفرق بين رأس السيرك ورأس نادلتك، هو أنّ الثاني يصطبغ بالخجل كلّما أطلت النظر إليها ملوّحا بابتسامة شبه خفيّة، فتتفتح سماء من الطّيور بداخلك، وينبت لك جناحان، يرفعانك قليلا عن الأرض.
لم يكن يفصلك عنها سوى ممرّ صغير وسط تلك المحطّة المقرفة، فكّرت أن تنتقل إلى المحلّ حيث تعمل، تذكّرت أنّك طلبت مشروبا في المحلّ الذي يقابلها، فاكتفيت بالنظر والابتسامة. لم تكن تحبّ المكوث في المحطّات الطرقيّة أكثر من وقت اقتناء التذاكر والسؤال عن زمن الحافلة، لكنّك هذه المرّة كنت مستعدّا للمبيت هناك، وسط الأوساخ والضجيج، واحتمالات النشل والجريمة، بل والتخلف عن الموعد الأساسي الذي تسافر من أجله، والذي يقوم عليه طموحك الثقافي والعملي، فقط من أجل تلك العيون التي تبتسم طول الوقت..
أنهيت مشروبك، وثلاث مشروبات أخرى، ولازلت متسمّرا قبالتها، امتلأتَ بالابتسامات، كما امتلأت هي بالغمز والإشارات، تمايلتَ على إيقاع موسيقى كلاسيكيّة، تمايلت هي أيضا، هرشت فروة رأسك دون أن تزيح نظرك عنها، هَرَشَتْ أيضا، نزعت نظارتك وفركت عينيك، لم تفركهما، أعدت فرك عينيك بحماس لا علاقة له بتحسين النظر أو الرغبة في النوم مثلا، ابتسمت وأشارت لك: أنت مجنون..
كنت كلّما أتيتَ حركة قصدا أو عفوا، إلاّ وتقابلها بابتسامة، حتى وهي تكلّم أو تلبي طلبات الزبائن.
لم تشعر بالزمن وسط تلك الابتسامات التي تبتلعك، مرّت الحافلة كما توقّعت، ثمّ الثانية، والثالثة، طلع الفجر عليك من ثنيّات الشقوق التي تخترم حيطان المحطّة، وأنت لازلت مركوزا أمامها مثل وتد قديم، لم تفكّر في الوداع أبدا، لأنّك كنت غارقا في الابتسامة الممزوجة بموسيقى كلاسيكيّة مختارة بدقّة. الفجر الثاني والثالث طلعا أيضا من ذات الشقوق..
بعد خمسين سنة، كان بالإمكان رؤيتكما في نفس المحلّ ، لكن هذه المرّة لم تكن جالسا، وإنّما في حركة دائبة جيئة وذهابا، تنظران إلى شابّ يجلس في المحلّ المقابل، يغمز إلى فتاتكما، وهي تبتسم بخفر، جاهدة ألاّ ترياها..
كلّ شيء تغيّر، المحلاّت ازدادت اتّساعا، الممرّ بينهما أصبح ملعبا لأطفال صغار، المحطّة لم تعد صاخبة كما كانت، والزبناء قليلون، قليلون جدّا.
جسداكما انكمشا مثل نجمة مطفأة، وجهاكما فقدا رونق الشباب بشكل ملحوظ. شيء واحد لم يتغيّر في المشهد كلّه:
الموسيقى الكلاسيكيّة ذاتها، وحركتكما الدائبة والحيويّة مثل شابّين، وتلك العيون التي لازالت تبتسم طول الوقت...
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مبتسمة، ظلّت تتصنّع السير قبالتك جيئة وذهابا بحركات متئدة، يحفّها غير قليل من الغنج، وكأنّما لتخبرك بأمر ما..
ملبية طلبات الزبائن، ترشقك بين الفينة والأخرى بنظرات جانبيّة ذات مغزى واضح، وحين تهمد الحركة في المحلّ لوقت قصير، تستند إلى "الكونتوار"، ملقية برأسها إلى جماع مرفقيها، بينما يختفي باقي جسدها وراء الحاجز الخشبي، في شبه كبير بمشهد من السيرك، حيث يبدو رأس إحداهنّ موضوعا على منضدة دون جسد، يتكلّم ويبتسم ضاجّا بالحياة، ولسذاجتك أنت الذي ترغب في الهروب من الواقع، تصدّق الأمر، وتظلّ لأيّام طويلة تختلف إلى السيرك، تغمز الرأس المقطوع محاولا الظفر به. الفرق بين رأس السيرك ورأس نادلتك، هو أنّ الثاني يصطبغ بالخجل كلّما أطلت النظر إليها ملوّحا بابتسامة شبه خفيّة، فتتفتح سماء من الطّيور بداخلك، وينبت لك جناحان، يرفعانك قليلا عن الأرض.
لم يكن يفصلك عنها سوى ممرّ صغير وسط تلك المحطّة المقرفة، فكّرت أن تنتقل إلى المحلّ حيث تعمل، تذكّرت أنّك طلبت مشروبا في المحلّ الذي يقابلها، فاكتفيت بالنظر والابتسامة. لم تكن تحبّ المكوث في المحطّات الطرقيّة أكثر من وقت اقتناء التذاكر والسؤال عن زمن الحافلة، لكنّك هذه المرّة كنت مستعدّا للمبيت هناك، وسط الأوساخ والضجيج، واحتمالات النشل والجريمة، بل والتخلف عن الموعد الأساسي الذي تسافر من أجله، والذي يقوم عليه طموحك الثقافي والعملي، فقط من أجل تلك العيون التي تبتسم طول الوقت..
أنهيت مشروبك، وثلاث مشروبات أخرى، ولازلت متسمّرا قبالتها، امتلأتَ بالابتسامات، كما امتلأت هي بالغمز والإشارات، تمايلتَ على إيقاع موسيقى كلاسيكيّة، تمايلت هي أيضا، هرشت فروة رأسك دون أن تزيح نظرك عنها، هَرَشَتْ أيضا، نزعت نظارتك وفركت عينيك، لم تفركهما، أعدت فرك عينيك بحماس لا علاقة له بتحسين النظر أو الرغبة في النوم مثلا، ابتسمت وأشارت لك: أنت مجنون..
كنت كلّما أتيتَ حركة قصدا أو عفوا، إلاّ وتقابلها بابتسامة، حتى وهي تكلّم أو تلبي طلبات الزبائن.
لم تشعر بالزمن وسط تلك الابتسامات التي تبتلعك، مرّت الحافلة كما توقّعت، ثمّ الثانية، والثالثة، طلع الفجر عليك من ثنيّات الشقوق التي تخترم حيطان المحطّة، وأنت لازلت مركوزا أمامها مثل وتد قديم، لم تفكّر في الوداع أبدا، لأنّك كنت غارقا في الابتسامة الممزوجة بموسيقى كلاسيكيّة مختارة بدقّة. الفجر الثاني والثالث طلعا أيضا من ذات الشقوق..
بعد خمسين سنة، كان بالإمكان رؤيتكما في نفس المحلّ ، لكن هذه المرّة لم تكن جالسا، وإنّما في حركة دائبة جيئة وذهابا، تنظران إلى شابّ يجلس في المحلّ المقابل، يغمز إلى فتاتكما، وهي تبتسم بخفر، جاهدة ألاّ ترياها..
كلّ شيء تغيّر، المحلاّت ازدادت اتّساعا، الممرّ بينهما أصبح ملعبا لأطفال صغار، المحطّة لم تعد صاخبة كما كانت، والزبناء قليلون، قليلون جدّا.
جسداكما انكمشا مثل نجمة مطفأة، وجهاكما فقدا رونق الشباب بشكل ملحوظ. شيء واحد لم يتغيّر في المشهد كلّه:
الموسيقى الكلاسيكيّة ذاتها، وحركتكما الدائبة والحيويّة مثل شابّين، وتلك العيون التي لازالت تبتسم طول الوقت...
سامي دقاقي- الوسام البرونزي
-
عدد الرسائل : 361
تاريخ الميلاد : 01/01/1977
العمر : 47
الدولة : المغرب
المدينة : قلعة مكونة
احترام قوانين المنتدى :
رد: العيون التي تبتسم طول الوقت
مشكور أخي سامي على هذه الغطسة المنعشة في بحيرة الإبتسامة الباردة و الآسرة
أخويا سعداتك لقيتي للي يضحك ليك
مودتي التي لا تنام
كيجاتك هادي
هههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههه
أخويا سعداتك لقيتي للي يضحك ليك
مودتي التي لا تنام
كيجاتك هادي
هههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههه
خالد نجاح- الحضور المميز
-
عدد الرسائل : 136
تاريخ الميلاد : 15/04/1984
العمر : 40
الدولة : المغرب
المدينة : قلعة مكونة
الدولة :
احترام قوانين المنتدى :
رد: العيون التي تبتسم طول الوقت
Tu nous as emmenés à un voyage excellent sur le voile de sourire avec ces baux sentiments
Amicalement
النورس- الحضور المميز
-
عدد الرسائل : 108
تاريخ الميلاد : 01/01/1972
العمر : 52
الدولة : maroc
المدينة : rabat
احترام قوانين المنتدى :
رد: العيون التي تبتسم طول الوقت
merciiiiiiiiiiiiiiiiii
امبراطورة الحزن- وسام العطاء
-
عدد الرسائل : 435
تاريخ الميلاد : 11/04/1989
العمر : 35
الدولة : المغرب
المدينة : ورزازات
احترام قوانين المنتدى :
رد: العيون التي تبتسم طول الوقت
الأخ والقاص خالد
شكرا على مرورك وتعليقك الجميل
في الحقيقة فإنّ نصف القصة واقعي وقد عشته في مدينة مراكش والنصف الآخر من أكاذيب المبدعين هاهاهاهاها
ما كاينش ما حلى من الابتسامة الصادقة أخويا خالد والله...ولكن ماشي تبقا عي ماشي وحالّ فمّك...
مودتي التي لا تشيخ
شكرا على مرورك وتعليقك الجميل
في الحقيقة فإنّ نصف القصة واقعي وقد عشته في مدينة مراكش والنصف الآخر من أكاذيب المبدعين هاهاهاهاها
ما كاينش ما حلى من الابتسامة الصادقة أخويا خالد والله...ولكن ماشي تبقا عي ماشي وحالّ فمّك...
مودتي التي لا تشيخ
سامي دقاقي- الوسام البرونزي
-
عدد الرسائل : 361
تاريخ الميلاد : 01/01/1977
العمر : 47
الدولة : المغرب
المدينة : قلعة مكونة
احترام قوانين المنتدى :
رد: العيون التي تبتسم طول الوقت
, شكرا لك أخي سامي بإتحافنا بمواضعك القيمة والجميلة أتمنى لك التوفيق والأستمرارية
مع تحياتي
مع تحياتي
izri- مراقب عام
-
عدد الرسائل : 435
تاريخ الميلاد : 17/06/1981
العمر : 43
الدولة : MAROC
المهنة : طالب
المدينة : مدينة الورود
الدولة :
احترام قوانين المنتدى :
رد: العيون التي تبتسم طول الوقت
, شكرا لك أخي سامي بإتحافنا بمواضعك القيمة والجميلة أتمنى لك التوفيق والأستمرارية
مع تحياتي
مع تحياتي
izri- مراقب عام
-
عدد الرسائل : 435
تاريخ الميلاد : 17/06/1981
العمر : 43
الدولة : MAROC
المهنة : طالب
المدينة : مدينة الورود
الدولة :
احترام قوانين المنتدى :
رد: العيون التي تبتسم طول الوقت
أخي النورس
شكرا على مرورك ومتابعتك لمواضيعي وهذا في الواقع شرف لي يا أخي
مودتي التي لا تشيخ
شكرا على مرورك ومتابعتك لمواضيعي وهذا في الواقع شرف لي يا أخي
مودتي التي لا تشيخ
سامي دقاقي- الوسام البرونزي
-
عدد الرسائل : 361
تاريخ الميلاد : 01/01/1977
العمر : 47
الدولة : المغرب
المدينة : قلعة مكونة
احترام قوانين المنتدى :
رد: العيون التي تبتسم طول الوقت
الأخت إمبراطورة الحزن
شكرا من القلب على مرورك الجميل
مودتي التي لا تشيخ
شكرا من القلب على مرورك الجميل
مودتي التي لا تشيخ
سامي دقاقي- الوسام البرونزي
-
عدد الرسائل : 361
تاريخ الميلاد : 01/01/1977
العمر : 47
الدولة : المغرب
المدينة : قلعة مكونة
احترام قوانين المنتدى :
رد: العيون التي تبتسم طول الوقت
لا شكر على واجب يا أخي سامي، فعندما أرى إسمك على موضوع أكون على يقين أنني سأستمع بقراءته، فمزيدا من العطاء و الإبداع
مع أخلص تحياتي
مع أخلص تحياتي
النورس- الحضور المميز
-
عدد الرسائل : 108
تاريخ الميلاد : 01/01/1972
العمر : 52
الدولة : maroc
المدينة : rabat
احترام قوانين المنتدى :
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى