الحارس
5 مشترك
صفحة 1 من اصل 1
الحارس
الحـــــــــــارس
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
شاخصا عند الباب، يظلّ اثنتي عشر ساعة كلّ يوم، لا يعرف من مهمته الرتيبة تلك غير منع أيّ أجنبي من الاقتراب، أو محاولة الاقتراب من الباب.
في ساعات حراسته يلبث عالق الفكر بالحارس الآخر، الذي يقاسمه نفس المهمة لما تبقى من اليوم، هل يشعر بنفس الملل الذي يزحف إليه مثل عيون الحرب؟ هل يختلس لحظات للجلوس أو الكرى؟ هل يتساءل مثله عن طبيعة ما يحرسه؟
باستمرار كانت تلكزه هذه الأسئلة وأخرى، غير أنّ ما يؤرّقه أكثر، أنّه لا يملك ولو سبيلا صغيرا إلى معرفة ما الذي يحرسه بالضبط، ولم يظلّ ملتصقا مثل طابع بريد على ذلك الباب الموصد على الدّوام؟
أحيانا كان يُرَى دائبا في عدّ طابور من النمل، أو بعض الهوام الأخرى، يمرّ قريبا منه، ينحني حتى تكاد أنفاسه تحرق هذه الكائنات الدقيقة، ويخاطبها:
"أنا لست سليمان، وطبعا لا أفهم لغتكم، لهذا لن أجد حرجا في سحقكم هكذا"، يرفع قدمه، ثمّ يهوي بها على الطابور. لم يكن يعرف سببا لتصرفه هذا، كما لم يكلف نفسه إيجاد سبب ما ولو على سبيل الإقناع، كان يطلق تنهيدة تنم على الارتياح متمتما:
" على الأقل فعلت شيئا جديدا هذا اليوم، غير الخضوع لهذا الباب القميء"، في الواقع كان يتحايل على الضجر الذي يقضم روحه، ويحاول التمسك بأيّ قشة قد تنسيه ولو للحظة أرق السؤال عن طبيعة عمله، وطبيعة ما بالغرفة.
غير ما مرّة كان يختلق حوارات، ويفتعل شجارات مع شخوص وهميّة، قد تصل إلى السباب، والتهديد بالقتل، أصوات يسمع صداها في الخارج. غير أنّ صوتا آت من أعماقه في النهاية، يطغى على كلّ ذلك: " ترى ما ذا يوجد داخل هذه الغرفة اللعينة؟؟".
لم يستطع مقاومة هذا الهوس الذي انتقل إلى حياته الخاصّة، إذ لم تفهم زوجته ولا أبناؤه لماذا استيقظ صباح أحد الأيّام في ثورة من الهياج والغضب، وانتزع جميع الأبواب، ثمّ ألقى بها إلى سطح المنزل، وانهار على الأرض مقلّبا نظره بين الغرف: " هكذا على الأقل كلّ شيء واضح".
الهوس ذاته لم يفعل سوى أن تشجّر داخله، بحيث صار كلّما مرّ بباب موصد أثناء رواحه إلى العمل أو غدوّه منه، إلاّ وجسّه أو أدار مقبضه، كان يتنفس الصعداء حين ينفتح هذا الباب أو ذاك، كما يشعر بالانقباض والغضب كلما اصطدم بآخر موصد أو محكم الإغلاق،
لم يبال قطّ بما يترتّب عن هذه الأفعال من مواقف محرجة في كثير من الأحيان.
في إحدى المرات فتح بابا، فإذا به وجها لوجه مع امرأة، سرعان ما أرخت حبالها الصوتية بصراخ مدوّ، لم ينته إلاّ وخلق الله قد تحلّق حولهما من كل حدب وصوب، لم يع الحارس المسكين حقيقة الأمر إلاّ في مخفر الشرطة، متّهما بالتحرش الجنسي، ومحاولة الاغتصاب، إذ لم يكن الباب الذي فتحه غير باب مرحاض عمومي خاص بالنساء.
بعد خروجه من هذه التهمة سالما، نظرا لحسن سيرته وسلوكه، وربما لتدخل جهات نافذة في القضيّة، أضمر في نفسه أمرا، ولم يمرّ يوم واحد حتى نفذه:
هشم الباب، ورغم أنّه أصيب بكسر في عظم الشظية، أسقطه أرضا في عجز تام عن الحركة، فقد تحامل على نفسه، ثم حابيا دخل الغرفة التي أرّقته زمنا..
منذ تلك اللحظة، لم يغادرها أبدا، بينما ظلّ مناوبه في الحراسة على نفس الإيقاع، لكن بمناوبة حارس جديد...
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
شاخصا عند الباب، يظلّ اثنتي عشر ساعة كلّ يوم، لا يعرف من مهمته الرتيبة تلك غير منع أيّ أجنبي من الاقتراب، أو محاولة الاقتراب من الباب.
في ساعات حراسته يلبث عالق الفكر بالحارس الآخر، الذي يقاسمه نفس المهمة لما تبقى من اليوم، هل يشعر بنفس الملل الذي يزحف إليه مثل عيون الحرب؟ هل يختلس لحظات للجلوس أو الكرى؟ هل يتساءل مثله عن طبيعة ما يحرسه؟
باستمرار كانت تلكزه هذه الأسئلة وأخرى، غير أنّ ما يؤرّقه أكثر، أنّه لا يملك ولو سبيلا صغيرا إلى معرفة ما الذي يحرسه بالضبط، ولم يظلّ ملتصقا مثل طابع بريد على ذلك الباب الموصد على الدّوام؟
أحيانا كان يُرَى دائبا في عدّ طابور من النمل، أو بعض الهوام الأخرى، يمرّ قريبا منه، ينحني حتى تكاد أنفاسه تحرق هذه الكائنات الدقيقة، ويخاطبها:
"أنا لست سليمان، وطبعا لا أفهم لغتكم، لهذا لن أجد حرجا في سحقكم هكذا"، يرفع قدمه، ثمّ يهوي بها على الطابور. لم يكن يعرف سببا لتصرفه هذا، كما لم يكلف نفسه إيجاد سبب ما ولو على سبيل الإقناع، كان يطلق تنهيدة تنم على الارتياح متمتما:
" على الأقل فعلت شيئا جديدا هذا اليوم، غير الخضوع لهذا الباب القميء"، في الواقع كان يتحايل على الضجر الذي يقضم روحه، ويحاول التمسك بأيّ قشة قد تنسيه ولو للحظة أرق السؤال عن طبيعة عمله، وطبيعة ما بالغرفة.
غير ما مرّة كان يختلق حوارات، ويفتعل شجارات مع شخوص وهميّة، قد تصل إلى السباب، والتهديد بالقتل، أصوات يسمع صداها في الخارج. غير أنّ صوتا آت من أعماقه في النهاية، يطغى على كلّ ذلك: " ترى ما ذا يوجد داخل هذه الغرفة اللعينة؟؟".
لم يستطع مقاومة هذا الهوس الذي انتقل إلى حياته الخاصّة، إذ لم تفهم زوجته ولا أبناؤه لماذا استيقظ صباح أحد الأيّام في ثورة من الهياج والغضب، وانتزع جميع الأبواب، ثمّ ألقى بها إلى سطح المنزل، وانهار على الأرض مقلّبا نظره بين الغرف: " هكذا على الأقل كلّ شيء واضح".
الهوس ذاته لم يفعل سوى أن تشجّر داخله، بحيث صار كلّما مرّ بباب موصد أثناء رواحه إلى العمل أو غدوّه منه، إلاّ وجسّه أو أدار مقبضه، كان يتنفس الصعداء حين ينفتح هذا الباب أو ذاك، كما يشعر بالانقباض والغضب كلما اصطدم بآخر موصد أو محكم الإغلاق،
لم يبال قطّ بما يترتّب عن هذه الأفعال من مواقف محرجة في كثير من الأحيان.
في إحدى المرات فتح بابا، فإذا به وجها لوجه مع امرأة، سرعان ما أرخت حبالها الصوتية بصراخ مدوّ، لم ينته إلاّ وخلق الله قد تحلّق حولهما من كل حدب وصوب، لم يع الحارس المسكين حقيقة الأمر إلاّ في مخفر الشرطة، متّهما بالتحرش الجنسي، ومحاولة الاغتصاب، إذ لم يكن الباب الذي فتحه غير باب مرحاض عمومي خاص بالنساء.
بعد خروجه من هذه التهمة سالما، نظرا لحسن سيرته وسلوكه، وربما لتدخل جهات نافذة في القضيّة، أضمر في نفسه أمرا، ولم يمرّ يوم واحد حتى نفذه:
هشم الباب، ورغم أنّه أصيب بكسر في عظم الشظية، أسقطه أرضا في عجز تام عن الحركة، فقد تحامل على نفسه، ثم حابيا دخل الغرفة التي أرّقته زمنا..
منذ تلك اللحظة، لم يغادرها أبدا، بينما ظلّ مناوبه في الحراسة على نفس الإيقاع، لكن بمناوبة حارس جديد...
سامي دقاقي- الوسام البرونزي
-
عدد الرسائل : 361
تاريخ الميلاد : 01/01/1977
العمر : 47
الدولة : المغرب
المدينة : قلعة مكونة
احترام قوانين المنتدى :
رد: الحارس
مشكور أخي سامي على الموضوع رغم أنني لم أفهمه جيدا
adak iy rabbi la3wan
adak iy rabbi la3wan
sifaw- الوسام البرونزي
-
عدد الرسائل : 307
تاريخ الميلاد : 15/04/1990
العمر : 34
الدولة : maroc
المهنة : amalmad
المدينة : ouarzazate
الأوسمة :
الدولة :
رد: الحارس
الأخ سيفاو
شكرا على مرورك
هذا نص إبداعي يدخل ضمن جنس القصة..
في الحقيقة إن قلت شيئا عن النص سيعدّ ذلك تعسفا في حق القارئ ومصادرة لحقه في القراءة والتأويل..لاسيما وأنّ القارئ هو الذي يكمّل دائرة التلقي...
فقط سأقول لك أعد قراءة النص مرة أخرى فقد تنفتح أمام ذائقتك مغاليقه...
مودتي
شكرا على مرورك
هذا نص إبداعي يدخل ضمن جنس القصة..
في الحقيقة إن قلت شيئا عن النص سيعدّ ذلك تعسفا في حق القارئ ومصادرة لحقه في القراءة والتأويل..لاسيما وأنّ القارئ هو الذي يكمّل دائرة التلقي...
فقط سأقول لك أعد قراءة النص مرة أخرى فقد تنفتح أمام ذائقتك مغاليقه...
مودتي
سامي دقاقي- الوسام البرونزي
-
عدد الرسائل : 361
تاريخ الميلاد : 01/01/1977
العمر : 47
الدولة : المغرب
المدينة : قلعة مكونة
احترام قوانين المنتدى :
رد: الحارس
شكرا للأخ سامي على هذه القصة التي هي في نظري أقرب إلى الواقع من الخيال. فالتفافتك لهذه العينة من المستخدمين وإظهار معاناتهم اليومية في قالب حكائي أضفت على الموضوع صبغة خاصة.
وأضيف ان هذه الفئة من المجتمع {والتي لا يمكن الإستغناء عنها في بعض الأحيان} إنما هي فئة مضطهدة تستغل أسوأ استغلال من الشركات التي تستخدمهم بأجور زهيدة مقابل ساعات طويلة من العمل.
وكنتيجة يمكن أن يصيبهم كل ما جاء في قصتك هاته، وربما أكثر من ذلك.
وتحياتي للكاتب والقاص سامي.
وأضيف ان هذه الفئة من المجتمع {والتي لا يمكن الإستغناء عنها في بعض الأحيان} إنما هي فئة مضطهدة تستغل أسوأ استغلال من الشركات التي تستخدمهم بأجور زهيدة مقابل ساعات طويلة من العمل.
وكنتيجة يمكن أن يصيبهم كل ما جاء في قصتك هاته، وربما أكثر من ذلك.
وتحياتي للكاتب والقاص سامي.
النورس- الحضور المميز
-
عدد الرسائل : 108
تاريخ الميلاد : 01/01/1972
العمر : 52
الدولة : maroc
المدينة : rabat
احترام قوانين المنتدى :
رد: الحارس
تحية إبداعية للصديق سامي على القصة الأكثر من رائعة، لقد حركت في دواخلنا ذلك الفظول الطفولي لمعرفة ما خلف الابواب الموصدة، خصوصا تلك التي في عقولنا ونعجز دائما عن اقتحاهها خوفا من المجهول.
مودتي التي لا تشيخ
مودتي التي لا تشيخ
خالد نجاح- الحضور المميز
-
عدد الرسائل : 136
تاريخ الميلاد : 15/04/1984
العمر : 40
الدولة : المغرب
المدينة : قلعة مكونة
الدولة :
احترام قوانين المنتدى :
رد: الحارس
الأخ والصديق النورس
شكرا على مرورك الجميل وتعليقك الأجمل
صدقت في كل ما قلته عزيزي فأنا تقصدت بالفعل الكشف على ذلك الجانب السيكولوجي في شخصية بطل القصة(الحارس) والمعاناة التي تؤرقه حيال ذلك الشيء المجهول الذي يحرسه.. وهو الأمر الذي تفاقم بشكل جعله عصابيا وهستيريا في نهاية المطاف...
وكثيرا من الأشخاص يعيشون بالفعل هاته الحالات حتى يصبحوا في النهاية مرضى نفسيين قد يقدمون على ارتكاب جرائم بشعة وأسوق هنا مثال الأب الذي نحر بنتيه في فاس مؤخرا وقد تحدثت وسائل الإعلام عن هذا الأمر، فهو إنسان مثقف وكان يعاني من ظلم الواقع لأنه وضعه في مهنة لا تليق بمستواه ولا تبلغه كفاف العيش، وظهرت عليه بوادر مرض نفسي خفيفة في الأول ثم تفاقم الأمر حتى انتهى بارتكابه لتلك الجريمة...
مودتي التي لا تشيخ
شكرا على مرورك الجميل وتعليقك الأجمل
صدقت في كل ما قلته عزيزي فأنا تقصدت بالفعل الكشف على ذلك الجانب السيكولوجي في شخصية بطل القصة(الحارس) والمعاناة التي تؤرقه حيال ذلك الشيء المجهول الذي يحرسه.. وهو الأمر الذي تفاقم بشكل جعله عصابيا وهستيريا في نهاية المطاف...
وكثيرا من الأشخاص يعيشون بالفعل هاته الحالات حتى يصبحوا في النهاية مرضى نفسيين قد يقدمون على ارتكاب جرائم بشعة وأسوق هنا مثال الأب الذي نحر بنتيه في فاس مؤخرا وقد تحدثت وسائل الإعلام عن هذا الأمر، فهو إنسان مثقف وكان يعاني من ظلم الواقع لأنه وضعه في مهنة لا تليق بمستواه ولا تبلغه كفاف العيش، وظهرت عليه بوادر مرض نفسي خفيفة في الأول ثم تفاقم الأمر حتى انتهى بارتكابه لتلك الجريمة...
مودتي التي لا تشيخ
سامي دقاقي- الوسام البرونزي
-
عدد الرسائل : 361
تاريخ الميلاد : 01/01/1977
العمر : 47
الدولة : المغرب
المدينة : قلعة مكونة
احترام قوانين المنتدى :
رد: الحارس
merci bzaf
houria200- شكر و تقدير
-
عدد الرسائل : 1189
تاريخ الميلاد : 03/11/1992
العمر : 32
الدولة : maroc
المدينة : tinghir
رد: الحارس
الأخ المبدع خالد
شكرا على مرورك وتعليقك
طبعا الرغبة في معرفة ما وراء الأبواب واكتشاف المخبوء بعيدا عن الأعين هو أمر فطري في كلّ إنسان، لأنه يكون باعثا على عدة أسئلة تقلق باستمرار...
هذه دعوة لفتح الأبواب الموصدة، لكن ليس أيّ باب.. حذار يا خالد
لا يمشي يوقع ليك بحال اللي وقع لخونا..ههههههههههه
مودتي عزيزي
شكرا على مرورك وتعليقك
طبعا الرغبة في معرفة ما وراء الأبواب واكتشاف المخبوء بعيدا عن الأعين هو أمر فطري في كلّ إنسان، لأنه يكون باعثا على عدة أسئلة تقلق باستمرار...
هذه دعوة لفتح الأبواب الموصدة، لكن ليس أيّ باب.. حذار يا خالد
لا يمشي يوقع ليك بحال اللي وقع لخونا..ههههههههههه
مودتي عزيزي
سامي دقاقي- الوسام البرونزي
-
عدد الرسائل : 361
تاريخ الميلاد : 01/01/1977
العمر : 47
الدولة : المغرب
المدينة : قلعة مكونة
احترام قوانين المنتدى :
رد: الحارس
الأخت حورية
شكرا على مرورك الجميل أختي
مودتي
شكرا على مرورك الجميل أختي
مودتي
سامي دقاقي- الوسام البرونزي
-
عدد الرسائل : 361
تاريخ الميلاد : 01/01/1977
العمر : 47
الدولة : المغرب
المدينة : قلعة مكونة
احترام قوانين المنتدى :
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى