منزلنا القديم

منزلنا القديم

في منزلنا القديم، غابت كل ملامح الحياة.. اللهم صدى السنين و الذكريات.. التي تلوح من حين لآخر عبر الشرفات.. لقد هجرناه لتسكنه الأشباح و الجرذان و اليرقات.. فصارت تنسج عنه الأساطير و الخرافات.. رعب إرهاب و سخافات.. كم لهونا فيه و كم سهرنا مع الشهوات.. حتى أتى دهر توالت علينا فيه النكبات.. فصارت سلالمه زلقة لا مجال فيها للارتقاء، وصارت أبوابه و نوافذه لا تصد عنا بردا، ريحا، شمسا و لا نسمات.. تصدعت جدرانه بالشروخ العميقة، فصار الرحيل الواقع و الحقيقة.
من زار منزلنا القديم ماذا يرى؟
سيرى في صحنه الفسيح قد انتصب تمثال امرأة عارية، طبعا ليس تمثال الحرية، يسمع لها صدى وهي تستغيث في صمت: "ما بال القوم تناسوا هذه التحفة العريقة"، إنها أمنا التي جردناها من كل شيء حتى الحقيقة، سيجد زقاقاته مرصعة بالدماء، دماء الجدود و الآباء التي سالت لتعلي الصرح لتشيد البناء، تناجي الزوار في حسرة: "أين أباءي العظماء؟ أين أبنائي الأقوياء؟ ليمحو عني العار ليعيدوا إلي الكبرياء".
ماذا عن القبو و العلية؟ لن يجد فيها أسمالنا البالية ومتاعنا القديم، سيجد فيها أفكارنا العظيمة و أمجادنا السقيمة تحفها شباك العنكبوت وتأكل منها الجرذان حتى تتلاشى رويدا رويدا، ماذا عن الخزانة أو المكتبة؟ لن يجد تراثا أو ثقافة، لن يجد إلا خفافيش تلتهم الذاكرة و صراصير تشوش و تشوه التاريخ بألحانها العذبة،
أما متحف اللوحات التي رسمها أجدادنا بعرقهم و دماءهم فصار لا يضم إلا الهياكل و الأردات، فلوحة الحب الناصعة البياض تراكم عليها الغبار حتى صارت لا تميز عن لوحة الموت القاتمة، و لوحة الإنسان طمست معالمها بعدما طليت ببراز القوارض و الحشرات، و لوحة الكرامة قد أوقعتها الغربان على الأرض و قلبت على وجهها فلا يبدو إلا ظهرها، أما لوحة الحرية فقد سلبت من هيكلها ومازال يرثيها حتى الآن.
لم تعد البلابل تغرد من النوافذ أو من فوهة المدفأة، بل صار نعيق الغربان من يؤنس الزائر إن لم يزده وحشة و رعبا، وفي الليل ينبئ نعيب البوم بهبوب العاصفة فتقرع الريح الأبواب و النوافذ وتطفئ الشموع و نار المدفأة لتطفي على صورة البؤس لمسة أخيرة، تقصف حبات البرد السقف المعدني فتصم الأذان و تعيد إلى الذاكرة سنوات الرصاص و الحروب في الأزمنة الغابرة، لا يرى الزائر سوى الأشباح، شبح الانهيار، شبح الانكسار، شبح الفساد و الفتنة والدمار، شبح الموت، ولا يسمع سوى صفير الرياح عبر النوافذ يرافقه زئير أسود آت من الماضي العائد، يلمع البرق فيضيء المكان، يجد الزائر نفسه وسط حشد من الوحوش جاءت لتحتمي بالمنزل من العاصفة، فيشتد رعبه وينقبض قلبه فينام نوما عميقا يمضي الليل في الأحلام، يسترجع التاريخ ورقة ورقة فيبتسم تارة، يتجهم تارة و يصرخ تارة ويستغيث، وفي الصباح تهدأ العاصفة و تطل الشمس من النافذة المكسورة وترسل رسولها ليهمس في أذنه: "استيقظ فقد حان وقت العودة"، لكنه لا يستجيب، لقد خمدت روحه، لم يمت زائرنا بردا ولم يمت رعبا، بل حسرة واسى على كتابنا الأزلي الذي أهملناه حتى طالته النار فأحرقت كل أوراقه و لم يبقى إلا الغلاف الذي يحمل عنوان "الوطن".

فمن أيها السادة؟ من يدفن الزائر و يرمم منزلنا القديم قبل أن يصبح كومة من الأنقاض فيضيع تصميمه و يستحيل ترميمه؟.

ان شكــرت خجــلت ,,
فحــروفـي أمــآمكـ مكسـورة ,,
مترددة ,,
جمــآل طرحكـ يستحق الثنــآء ,,
لا تحرمنا جديدك..
كل التحيــآيآ لكـــــ
amouna-amoura

لك خالص امتناني أخت أمونة أمورة في الحقيقة تخونني التعابير ولا أعرف كيف أشكرك على التعبير الرقيق.
دمت متألقة معطاءة.

إنها قصة من الواقع هذا ما فقدناه لقد تغير كل شئ في حياة الإنسان تلك البساطة ،ذلك الكرم،

لم تعد البلابل تغرد من النوافذ أو من فوهة المدفأة، بل صار نعيق الغربان من يؤنس الزائر إن لم يزده وحشة و رعبا، تناجي الزوار في حسرة: "أين أباءي العظماء؟ أين أبنائي الأقوياء؟ ليمحو عني العار ليعيدوا إلي الكبرياء"..................

لي عودة إلى الموضوع لقراءته بتأني واستخلاص مايمكن استخلاصه من عبر...!

شكرا أخي خالد على هذه القصص ودام لك العطاء والتألق...!

تحياتي الخالصة للأخ سدراتي، أجدد لك شكري و امتناني لمتابعتك المسمرة لمواضيعي، كما أعتذر عن تأخري في الرد لأني كنت منشغلا ببعض الأمور هذه الأيام.
دمت مخلصا معطاءا للمنتدى وللمنطقة.