ذات الوشاح الأحمر
3 مشترك
صفحة 1 من اصل 1
ذات الوشاح الأحمر
ذات الوشاح الأحمر
بدأ كل شيء صبيحة ذلك اليوم الدافئ، عندما كان آدم يمارس تمارينه الصباحية كعادته في منتزه المدينة، محاولا التغلب على الشيطان الذي يسكن عقله مند زمن، إيمانا منه بان العقل السليم في الجسم السليم، خلى المكان من الزوار لدرجة بدا فيها موحشا و مهجورا مند الأزل، لكنه لم يكترث لذلك، لأنه كان يحب العزلة و الانزواء ليحارب شيطانه في صمت، كانت حركاته الرياضية تنساب في تناغم سحري مع جدول الأفكار الذي يتدفق في أعماقه ليروي ذلك العطش الأزلي إلى حياة الورود والأشواك، في غمرة هذا التناسق، و بينما كان يأخذ شهيقا طويلا للتخفيف من وتيرة نبضات قلبه المتسارعة بعد تمرين دماغي وعضلي استنزف معظم طاقته، كانت هي تمر من أمامه كالبدر وسط النجوم المتلألئة، بابتسامتها الشقراء السامة، شعرها الذهبي المنسدل حتى مؤخرتها المستديرة، وشاحها الحريري الأحمر الملتف حول رقبتها في عظمة الكوبرى والممتد على صدرها بخصلات رشيقة، تلهوا بها نسائم الصباح الدافئة، نظرتها الحادة التي تبث القشعريرة في الأوصال برموشها السوداء الآسرة.
أمام هذا الإبداع الإلهي، لم يستطع قلبه إلا أن يركع، يسلم نفسه، و يرفرف في عبير العطر الفرنسي الذي يفوح من وشاحها الأحمر، وقف آدم إكراما لهذا الملاك وقفة محارب يستمع لنداء الوطن بكل جوارحه، فأطال شهيقه، حبس أنفاسه، وسافر ليودع شيطانه، ويعقد معه الهدنة، زال عنه التعب و الإرهاق بعدما غاص في بحيرة الابتسامة الباردة، ليعيش انتعاشا لم يدق مثله من قبل، لقد كانت أطول لحظة عاشها في حياته، رأى فيها كل السنين الخوالي تمر أمام عينيه يلتقطها، يمزقها، و يطلقها مع الريح، وهو يراقب شحنة الجمال تبتعد عن دنياه التي رسمها للتو ونصبها ملكة وإلهة عليها، بقي يتأملها تتلاشى بين الزهور، ناثرة خلفها بذور الجمال، يسقيها النسيم المفعم بعطرها الفرنسي، عله يعرف من أي صنف من الورود هي، ليقطفها، ويستحوذ عليها قبل أن تحصدها مناجيل عمياء لا تميز الزهور الفواحة عن العشب الذي يقدم للأغنام .
لم يمحو دنياه الجديدة من لوحة الذاكرة، بل احتفظ بها، و جعل منها ملاذا له كلما أحس بالعطش الذي لم يعد يفارقه منذ ذلك اللقاء المطول القصير، جعل منها حياته الحقيقية التي يعيشها بصدق، أصبح ينتهز الفرصة كلما أتيحت له ليدخل إلى دنياه، ويقفل على نفسه بسبعة أقفال، لينفرد مع ملاكه، ويشحن أحاسيسه بالسعادة والدفء، بدأ أول الأمر بمراسلتها باسم ذات الوشاح الأحمر، عبر الحمام الزاجل ذو العرف الفضي الذي لا يوجد إلا في دنياه، ثم بمواعدتها و مرافقتها متى استطاع أن يفلت من حبال العالم الخارجي الموحش و الكئيب، كانت حاضرة معه وقريبة منه أينما حل، في بيته أو عمله، في نومه أو صحوه، كلما نادته كان ينقطع عن العالم ليعيش معها وحدها دون أن يشعر بما يدور من حوله من جلبة، عاش معها حياة في منتهى الرومانسية، سافرا إلى كل بلاد العالم عبر الفضاء و عبر الزمن، فقد كانت حياته تتخطى كل قوانين الطبيعة والفيزياء والمادة .
لاحظ احد أصدقائه شروده المتواصل، فسأله إن كان شيطانه القديم قد عاد لمضايقته والعبث معه من جديد، لم يملك الشجاعة لإخباره بدنياه الجديدة، كي لا يقتحمها عليه ويعكر صفاءها، لكنه أشار له بان الأمر اكبر من أن يتحمله شيطان، وأن شيطانه قد استسلم .
منذ أيام أصبح مهموما، كئيبا، ومثيرا للشفقة و الاشمئزاز، فقد انقطعت عنه فجأة و لم تعد تناديه أو تأتي إلى دنياه، لم يعد يستطيع السفر إليها ولا حتى تذكر شكل ابتسامتها، لون شعرها أو رائحة عطرها لقد اختفت من ذاكرته إلى الأبد، لم يعد يجد مذاقا للطعام، فقد كانت تطعمه بيديها، فاعتزل الطعام والشراب والدنيا بأسرها، و لزم الفراش والدموع، لم يجرؤ على مصارحة أحد بحكايتها، حتى الطبيب النفسي الذي أخضعه للتنويم المغناطيسي، لم يستطع أن يجد مفتاح دنياه الضائع وسط كم هائل من الأفكار الغريبة و الصور المبعثرة في ذاكرته المخربة ، كان الموت الزائر الوحيد الذي ينتظره، لكنه ظل يحوم حول بيته، ولم يستطع الدخول إليه، لان قوة غامضة كانت تمنعه من ولوجه.
في صبيحة اليوم الذي يصادف مرور سنة كاملة على ذلك اللقاء المطول القصير، استفاق آدم منهك القوى على صوت صديقه الذي لازمه طيلة مرضه، أيقضه ليطلعه على رسالة وردت إليه للتو من شخص مجهول، رفض في البداية قراءة الرسالة، أو حتى سماعها من صديقه، لكن أمام إلحاح صديقه وصوت قوي من أعماقه غلباه، و أقنعاه بقراءتها، تناول الظرف، فتحه، وسحب الورقة، بدأت يداه ترتعشان وقلبه يخفق بشدة بعدما فاح من الورقة عبير عطر فرنسي ليس غريبا عن ذاكرته، وما إن وقعت عيناه على السطر الأول من الرسالة حتى أطلق ابتسامة عريضة ضمنها كل شوقه و معاناته، اتبعها ضحكة هستيرية طويلة، لم يستطع صديقه أن يتحمل الموقف، فانتزع الورقة من يده، و بدأ بقراءتها بصوت مسموع:
من ذات الوشاح الأحمر…
خالد نجاح- الحضور المميز
-
عدد الرسائل : 136
تاريخ الميلاد : 15/04/1984
العمر : 40
الدولة : المغرب
المدينة : قلعة مكونة
الدولة :
احترام قوانين المنتدى :
رد: ذات الوشاح الأحمر
مزيدا من التألق ياأديب القلعة، حقيقة كتاباتك يجب أن تنشرفي المجلات المختصة لهذا النمط ،كالفوانيس وغيرها كثير....دمت للمنتدى متألقا ووفيا ،تحياتي الصادقة٠
عبدالله سدراتي- نائب المدير
-
عدد الرسائل : 376
تاريخ الميلاد : 29/03/1965
العمر : 59
الدولة : المغرب.
المهنة : التدبير.
المدينة : قلعة الورود.
الأوسمة :
الدولة :
احترام قوانين المنتدى :
رد: ذات الوشاح الأحمر
الأخ سدراتي:
ممتن لاهتمامك المتواصل و للإطراء اللطيف . في الحقيقة مازلت بعيدا كل البعد عن لقب الأديب فما ان إلا مبتدئ بالكاد تداعب أناملي القلم للحظات.
مودتي.
ممتن لاهتمامك المتواصل و للإطراء اللطيف . في الحقيقة مازلت بعيدا كل البعد عن لقب الأديب فما ان إلا مبتدئ بالكاد تداعب أناملي القلم للحظات.
مودتي.
خالد نجاح- الحضور المميز
-
عدد الرسائل : 136
تاريخ الميلاد : 15/04/1984
العمر : 40
الدولة : المغرب
المدينة : قلعة مكونة
الدولة :
احترام قوانين المنتدى :
رد: ذات الوشاح الأحمر
chokran lil akh khalid 3ala mawdo3ihi almomayaz tahiyati lak akhi
jihad- عضو فعال
-
عدد الرسائل : 286
تاريخ الميلاد : 13/02/1991
العمر : 33
الدولة : maroc
المدينة : tinghir
الدولة :
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى