لمن يهمه الأمر _ أوهام الضهير البربري
صفحة 1 من اصل 1
لمن يهمه الأمر _ أوهام الضهير البربري
دراسة لكتاب 'الضهير البربري أكبر أكذوبة سياسية في المغرب المعاصر' لمحمد مونيب
السياق العام لظهير 16 ماي 1930
لم يكن ظهير 16 ماي 1930 أول ظهير تصدره السلطات الإستعمارية بالمغرب فقد " كان ظهير 11شتنبر 1914 أول من قنن تنظيم القبائل الخاضعة للسيطرة الفرنسية، وقد تبعته دورية 15 يونيو 1914 التي توصي ضباط الشؤون الأهلية بالمحافظة على الأعراف الأمازيغية" من هنا ندرك أن ظهير 16 ماي 1930 سبقته ظهائر أخرى مثا ظهير 15 يونيو 1922 القاضي بتفويت الأراضي للأجانب، من دون أن يثير ذلك أي رد فعل من طرف من نصب نفسه وصيا على الوطنية المغربية في الوقت الذي كانت فيه لغة البنادق ونيران المقاومة المسلحة بالجبال والخنادق تلتهم جنود المستعمر
كما أن الظهير المنظم لسير العدالة بالقبائل ذات الأعراف البربرية والتي لا توجد بها محاكم لتطبيق الشريعة، وهي التسمية الأصل لما يعرف زورا وبهتانا بالظهير "البربري"، لم يأتي بجديد مادام أن القضاء العرفي كان موجودا بالمغرب منذ فترة قديمة، وكل ما هنالك أن هذا الظهير " قام فقط بإعطاء الصبغة القانونية للجماعات القضائية"
الأمر الذي يضحد المقولة الشهيرة لرجالات " الوطنية الكلامية" من كون ظهير16 ماي 1930 جاء لتنصير البربر، وزرع التفرقة بينهم وبين العرب والقضاء على الإسلام… ذلك أن ترديد هذه الأسطوانة المهترئة، ما فتئت ترددها هذه الحفنة لإشهارها كفزاعة في وجه إيمازيغن. كما أن نص الظهير، وهو من الظهائر الملكية التي كان السلطان يصدرها ويوقعها باسمه كما هو الشأن في هذه الحالة, إذ يحمل طابع السلطان محمد بن يوسف، لم ينص على أي جانب يفيد بث بذور التفرقة داخل أوساط المجتمع المغربي
أما التحديد الذي تقوم عليه إجراءات ظهير 16 ماي 1930 فهي تقوم أساسا على التحديد المجالي/الترابي، وليس التحديد العرقي كما ذهبت إلى ذلك العديد من القراءات المغرضة. أما المبحث الثاني من هذا الفصل، فهو يشمل مقاربة للقوانين العرفية الأمازيغية " إزرفان" إنطلاقا من التحديد القضائي " للبربري"، بموجب قرار الإقامة العامة الحامل لرقم يوم 24 فبراير 1924 الذي يبين الأفراد الذين يمكن اعتبارهم منتمين لقبيلة ذات JB/192 عرف"بربري"، وهم
- " البربر" المولودون في القبيلة ويقطنون بها
- " البربر" المولودون في قبيلة أخرى
- العرب الشرفاء المستقرون نهائيا في القبيلة ذات العرف قبل احتلالها من طرف فرنسا،والعرب الذين ولدوا في هذه القبائل ويقيمون بها
- الإسرائيليون في نفس وضعية العرب والإسرائيليون الذين ولدوا في نفس الوضعية. علاوة على ذلك، هناك التحديد القضائي" للأجانب" عن القبيلة وهم الأفراد الآخرون مهما كانت جنسيتهم، جنسهم أو ديانتهم، وهو تحديد لم يتم من دون أن يثير عدة مشاكل
تبقى إذن، هذه صورة أولية عن السياق العام لظهير 16 ماي 1930، والتساؤل الذي يظل مطروحا يتعلق بأي حق نسب ذلك الظهير إلى "البربر"، خاصة قبل أن تسقط أسطورة "الزعيم المنقذ" وتتجلى صورة الحقيقة وتتحطم الأصنام التي كانت بمثابة مسلمات مطلقة انبنت عليها حقائق ما بعد 1930
تداعيات ظهير 16 ماي 1930
ينطلق الباحث في هذا الفصل من الحديث عن الإستغلال السياسي لظهير 16 ماي 1930 والمظاهرات التي أعقبت صدوره، وكذا التأويل المغرض لهذا الظهير من طرف البورجوازية المدينية التي، وبمجرد ما أن تناهى إلى مسامعها صدور ما أسمته " بالظهير البربري"، حتى أقامت الدنيا ولم تقعدها. فلقد انطلقت المظاهرات في كل اتجاه، ولكنها لم تستطع أن تتجاوز إحدى الدروب المغلقة كما هو مؤكد، وبدأت حركة " اللطيف" من المساجد كفضاء مقدس تم استغلال قدسيته لتوهيم المغاربة بأن فرنسا ترمي من وراء هذا الظهير إلى تنصير " البربر" وتفريقهم عن إخوتهم وهدم الكيان الوطني المغربي، وهو ما حاول أول من بدأ هذه الحركة - عبد الطيف الصبيحي - القيام به وترويجه بعدما اتصل ببعض الشباب المغاربة وعمل على " تغويل الحدث لكي يصل إلى جميع الشرائح الإجتماعية، وقدم الظهير على أنه يمس الدين الإسلامي" ص:37، خاصة أمام المحاولات الفاشلة بقصد إذكاء حماس المغاربة
وفي خضم هذه المظاهرات والأحداث وتزايدها بعد إخبار الناس بالأهداف المزعومة للظهير، أصبح يتم ترديد " اللطيف" وسط صفوف المصلين وفق الصيغة التي هيأها " عبد الله الجيراري": اللهم يا لطيف نسألك اللطف فيما جرت به المقادير لا تفرق بيننا وبين إخواننا البرابر
" وحسب جيل لافوينت ترديد "اللطيف" كان يتم كل يوم بفاس من 4 يوليوز إلى 15 غشت أي 43 مرة، بينما ينزل هذا الرقم إلى 15 بالرباط، 15 لسلا…" ص:39
وإجمالا يمكن القول، بأن محطة 16 ماي 1930 وما صاحبها من تداعيات سياسية وفكرية، شكلت نقطة تحول في مسار التاريخ المغربي المعاصر، بالنظر للمجرى الذي اتخذته هذه التداعيات ومختلف الإفرازات التي تفرعت عنها، إضافة إلى طبيعة تلك الظرفية ذاتها التي تميزت ببداية القضاء على آخر معاقل المقاومة المسلحة بالبوادي والجبال، كخيار حاسم إهتدى إليه الشعب المغربي لطرد المستعمر الفرنسي والإسباني، مقابل بداية انطلاق شرعنة ما أطلق عليه "العمل السياسي" الذي تزعمته نخبة ما بعد 1930 ذات الجذور الإجتماعية والثقافية المعروفة. هذه الحفنة التي كانت تجد لنفسها امتدادا تنظيميا فيما يعرف "بالعائلة" - "الطائفة" - "الزاوية"…، قبل أن تجعل من الظهير مرجعا لإنطلاق "الحركة الوطنية" بدل الإستمرار في خيار حرب التحرير
والواقع أن "المدينية السياسية" التي تبلورت بعد صدور هذا الظهير، ما فتئت تستنكر أعمال "الكفاح المسلح" التي كانت تهدد التواجد الإستعماري بالمغرب، وذهبت إلى أبعد من ذلك حينما هنئت فرنسا على قضائها على المتمردين في الجبال وقدمت لها عريضة المطالبة بالإصلاحات… وبذلك قدمت صورة أخرى عن الوطنية والعمل الوطني والنضال من أجل الحرية والإستقلال، في وقت كان فيه الوطنيون الحقيقيون من أبناء الشعب المغربي ما زالوا في خنادق القتال وغياهب المنافي والسجون الإستعمارية السحيقة
ومن الأهمية بمكان، التذكير بمعطى تاريخي أساسي و " بنقطة مهمة جدا وهي إرسال الملك محمد الخامس للكتاب الشريف إلى الباشوات ليقرأ في مساجد البلاد أثناء صلاة الجمعة، يوم عيد المولد النبوي الذي احتفل به في 11 غشث 1930، يبين فيه أسباب إصدار هذا الظهير، وحذر رعاياه من التأويلات الخاطئة" ص:46. ومما جاء في نص هذه الرسالة: "… وقد قامت شرذمة من صبيانكم الذين يكادون لم يبلغوا الحلم وأشاعوا ولبيس ما صنعوا ، أن البرابر بموجب الظهير الشريف تنصروا وما دروا عاقبة فعلهم الذميم وما تبصروا وموهوا بذلك على العامة وصاروا يدعونهم لعقد الإجتماعات بالمساجد عقب الصلوات لذكر اسم الله تعالى اللطيف فخرجت المسألة من دور التضرع والتعبد إلى دور التحزب والتمرد…"
وجدير بالذكر، بأن فئة المحميين كانت لها أدوار في مجريات الأحداث التي أعقبت هذه المرحلة والتي شكلت " الإطارات الأساسية للحركة الوطنية" وهو ما حاول الباحث عبد المطلب الزيزاوي إبرازه من خلال كتاب "أوهام الظهير البربري: السياق والتداعيات". ولقد تجلى هذا الدور في تزعم المحميين والمتجنسين للإحتجاجات والمظاهرات والحملة ضد الظهير المذكور، خاصة وأن " الهاجس الرئيسي الذي كان يشغل هذه الطبقة، هو التفكير في الحفاظ على مصالحها ونفوذها في إطار الحماية، ترقبا لما بعد الإستقلال حيث أدركت بأن الإستعمار كان بصدد تشكيل مناطق نفوذ جديدة، بناء على إيديولوجيات سياسية وثقافية جديدة، وقد فهمت هذه الطبقة بأن مستقبلها يتوقف على مدى تحركها في إطار تحالفها القديم مع السلطة المخزنية - وفي ظروف الحماية بالذات- لضمان موقع الترؤس والسلطة بعد الإستقلال، ضد النخب الأخرى، وخاصة تلك التي يمكن أن تتشكل في هذه المرحلة العصيبة من داخل المجتمع القبلي (الأمازيغي في معظمه)، والذي نظرت إليه البورجوازية المدينية دائما على أنه مصدر الخطر الذي يتهددها. هذا ما يفسر سكوت هذه العائلات عن التنكيل الذي يمارسه المستعمر بالقبائل، ويفسر بالتالي تحركها الإحتجاجي ابتداءا من 1930 عندما أصبحت قرارات الحماية مهددة للأسس الإيديولوجية التي تسند نفوذ هذه العائلات وحظوتها بجانب المخزن التقليدي وهي الدين واللغة العربية" صص:68-69
ومن أبرز هؤلاء المحميين النشيطين نذكر: الحاج حسن بوعياد وأخوه محمد، الحاج الطاهر مكوار، العربي الديوري أحمد بن الطاهر التازي
علاوة على العديد من العناصر الأخرى والعائلات التي اغتنمت فرصة صدور هذا الظهير حتى تلعب دور المنقذ وتفرغ السم الذي ظلت تستجمعه عن الوطنيين الحقيقيين الذين ضحوا في سبيل الوطن. بعد هذه النظرة الموجزة عن طبيعة الأحداث التي أعقبت صدور ظهير 16 ماي 1930 المنظم لسير العدالة بالقبائل ذات الأعراف الأمازيغية، ينتقل الكاتب إلى تحديد تداعيات الظهير على مغرب ما بعد 1930. فعلى المستوى السياسي، كان من شأن ظهور النواة الأولى من النخب المدينية أن يشكل لديها صدور هذا الظهير كما اعتبر ذلك علال الفاسي " فاتحة عهد كفاح وطني في الداخل والخارج"
وهو ما حذا بهذه الحفنة إلى وضع بذرة التنظيم الحزبي، إنطلاقا "من الزاوية التي كانت تضم في البداية 10 أعضاء من فاس ممن تزعم المظاهرات ضد الظهير وقد اتخذوا أسماءا مستعارة تيمنا بالعشرة المبشرين بالجنة. ولجوءهم لهذا الأسلوب، كان لأجل جمع أكبر عدد ممكن من الأنصار. فحمزة الطاهري استعير له اسم أبو بكر، علال الفاسي (عمر)، محمد بن الحسن الوزاني (عثمان)، العربي بوعياد (علي) أحمد بوعياد (سعد)، الحسن بوعياد (سعيد)، عبد القادر التازي ( طلحة)، محمد الديوري (الزبير)، إدريس بن عبد الرحمان برادة (عبد الرحمان بن عوف)، أحمد مكوار (أبو عبيدة). وفي حدود 1931 ارتفع عدد أعضائها إلى العشرين. وقد تكلف علال الفاسي ومحمد حسن الوزاني بوضع قانونها الداخلي" ص:56
إضافة إلى "الطائفة" كمستوى ثاني من التنظيم، وكذا لجنة "السافر" و"الخلايا" التي كانت مهمتها بث الوعي بالقضية الوطنية، وكأن المغاربة هم من كان ينقصهم الوعي الوطني وكانوا نائمين على إيقاع الموسيقة الأندلسية وخرافات "ألف ليلة وليلة". وتأتي سنة 1934 ليتم تأسيس "كتلة العمل الوطني" ، وهو ما اعتبر بمثابة أول تنظيم "حزبي" بالمغرب والذي تولت قيادته(comité d’action marocaine) "تقديم دفتر الإصلاحات المغربية" للسلطات الإستعمارية من خلال كل من عمر بن عبد الجليل ومحمد حسن الوزاني… وهي الوثيقة التي تطرح في مبناها ومعناها أكثر من سؤال. ولعل أهم ما يثير الإنتباه داخل دفتر الإصلاحات المقدم لفرنسا ما جاء في ديباجة هذه الوثيقة من تهنئة للسلطات الفرنسية على قضائها على "التمرد". "ونص المطلب الخامس على احترام اللغة العربية لغة البلاد الدينية والرسمية والإدارات كلها بالإيالات الشريفة وكذلك سائر المحاكم. وعدم إعطاء أية لهجة من اللهجات البربرية أية صفة رسمية. ومن ذلك عدم كتابتها بالحروف اللاتينية. رغم أن هذا المطلب يغيب في النسخة الفرنسية عكس النسخة العربية" ص:58
أما في الشمال فقد تأسس حزب الإصلاح الوطني بتاريخ 18 دجنبر 1936 بزعامة عبد الخالق الطريس، وكذا حزب الوحدة المغربية بزعامة المكي الناصري… وأهم خاصية أن سياسة هذه الأحزاب تجاه الإسبان ( في المنطقة الخليفية) كانت امتدادا لسياسة "الحركة الوطنية" قبل 1936 داخل منطقة النفوذ/الإستعمار الفرنسي، وهو ما يؤكد مقولة كون هذه التنظيمات لم تأخذ مسألة استقلال المغرب محمل الجد والكفاح على شاكلة ما قامت به المقاومة المسلحة
" وعرفت سنة 1937 حدثا مهما يتمثل في انشقاق "كتلة العمل الوطني" ففي شهر يناير اجتمع واحد وعشرون زعيما ليختاروا اللجنة المركزية الجديدة وفي أثناء هذا الإجتماع عارض الوزاني في ترشيح الفاسي رئيسا، وذلك لأن ثقافته الإسلامية الصرفة ستكون عقبة في سبيل إجراء مفاوضات مع فرنسا، ثم إن عجزه عن التحدث باللغة الفرنسية سيجعل التفاهم أصعب. ولما كان الزعماء يواجهون إحتمال توسيع تنظيمهم بحيث يشمل جميع المغرب، قرروا أنه لا يمكن أن يسند إلى علاال الفاسي منصب ثانوي بحال من الأحوال. فاختير الفاسي رئيسا وأعطي للوزاني منصبا ثانويا وهو منصب الأمين العام، شعر الوزاني وهو خريج المدرسة الحرةللعلوم السياسية في باريس(…) بأن هذه الهزيمة البسيطة تحط من شأنه كثيرا وعلى هذا قدم إستقالته علال الفاسي قام بتأسيس "الحزب الوطني"، أما الوزاني فأسس حزب "الحركة القومية" تحول إسمها إلى "الحركة القومية الإستقلالية". وفي المؤتمر الوطني المنعقد بالدار البيضاء أيام 27، 28 و29 يوليوز 1946 تغيراسم التنظيم، فأصبح يحمل اسم حزب "الشورى والإستقلال"
وفي "الصيف من سنة 1946 صرح الأمين العام للحزب محمد حسن الوزاني لصحيفة لوباريزيان ليبيري Le Parisien Libéré بأن حزبه يقبل مبدئيا إبرام معاهدة جديدة مع فرنسا تكون الغاية منها ضمان إستقلال المغرب وتنظيم العلاقات المغربية الفرنسية والإحتفاظ للفرنسيين بمصالحهم المشروعة" ص:60
هكذا يتبين المنحى الذي اتخذه تشكيل هذه التنظيمات السياسية وطبيعة الظروف التي حكمت ظهورها، باعتبارها كانت ولادة غير طبيعية ولم تكن بمثابة إفراز موضوعي لتطور المجتمع المغربي لكونها انبنت على أساس أسطورة بقيت تحكم مختلف تطورات هذه التشكيلات السياسية وكذا الإطار الإيديولوجي الذي ترعرعت فيه وجعلت منه أساس توجهاتها التي تراوحت بين السلفية التقليدية، ووهم العروبة اقتداءا بشكيب أرسلان الذي لعب دورا مهما إبان فترة صدور هذا الظهير على مستوى مختلف التداعيات والتحركات التي خلفها ظهير 16 ماي 1930. كل هذا يبرر في نهاية المطاف جل الأعمال التي قامت بها هذه النخب سواء على مستوى تعاطيها مع مسألة استقلال المغرب (نموذج اتفاقية إكس ليبان) أو على مستوى مختلف القضايا الوطنية فيما بعد،(نموذج الأمازيغية). وهو ما يعالجه الكاتب فمن تداعيات الظهير على المستوى الفكري التي كانت أبرز تجلياتها معاداة الأمازيغية
وعليه، فقد كان يتم التذكير كل مرة بأن الغاية من ظهور "الحركة الوطنية" هي التصدي للظهير "البربري" من أجل إنقاذ الشعب المغربي. ولم تكن هذه الحركة ترى بأن نضال الأمازيغ إنما هو استمرار طبيعي لحركة المقاومة والإستيلاب والذوبان في الآخر … وعلى هذا الأساس، قامت نخبة ما بعد 1930 ببناء إيديولوجية توحيدية وفق ثوابت (حركة وطنية، إسلام عربية، وحدة وطنية) وجعلت منها حقيقة في مقابل (إستعمار فرنسية، بربرية مسيحية، تمزيق الوحدة الوطنية) ص:67
وعلى هذا الأساس أصبحت هناك وطنية إيجابية وهي الوطنية المقاسة على أساس عقلية المعتمد بن عباد (وطنية الكلام) مقابل وطنية على مقاس عقلية يوسف بن تاشفين، وهذه هي الثنائية التي تحكم على التوالي التوجهات الوطنية التي أفرزتها مرحلة بداية القرن العشرين خاصة بعد 1930
الأولى جسدتها العائلات المنحدرة من الأندلس والتي استقرت ببعض المدن، "إضافة إلى أن وطنية هذه النخبة ذات مضمون متعال عن الأرض، ومنفصل عنها. ويتجلى ذلك في دفاعها عن العروبة، ومن ثم يمكن فهم ارتباطها بالمشرق ليس فقط فكريا أو وجدانيا، بل حتى سلاليا باعتبار افتخار العديد من أعضاء هذه النخبة كونها عربية. وتؤكد هذا بإثباتها لغابة من شجرات الانتماء إلى الدوحة النبوية، أو الإنتماء للعائلات النازحة من الأندلس كأبي بكر القادري مثلا. ويبدو أن وطنية هذه النخبة لم تستطع أن تستوعب المغرب العميق الذي لا ينسجم مع صورتها الذهنية الجاهزة حوله" ص:69. والثانية من خلال مختلف التمظهرات الوجدانية والوطنية التي كانت تعبر عن صدق كفاح المغاربة
لقد كان من أبرز عناصر تداعيات أسطورة/ أوهام الظهير "البربري"، خاصة على المستوى الفكري باعتبار هذا الأخير هو المرجعية العامة التي خرجت من رماد الأسطورة أن أصبح الظهير بمثابة فزاعة يلوح بها في وجه الأمازيغ والحديث عنه تهمة جاهزة، وهو ما يمكن اعتباره أحقر ما قامت به "الحركة الوطنية". حتى تحول ذلك إلى اعتقاد راسخ فمن عملية البناء الفكري والذهني للمغاربة، وجعلت هذه الحركة من هذا العمل مدخل لتزييف الحقائق وتحريف التاريخ وإضفاء طابع الشرعية التاريخية والرمزية على نفسها مع ما صاحب ذلك من تثبيت دعائم إيديولوجية ضمن مختلف الأجهزة ومؤسسات التنشئة الإجتماعية، إيديولوجية تجد مبرراتها في مقولة أسطورة الظهير "البربري"، وهو ما كانت له انعكاسات خطيرة على مختلف المستويات، وهو ما يشير إليه ذ. مصطفى القادري ضمن تقديمه لكتاب أوهام الظهير البربري: " يكفي الربط بين 16 ماي 1930 و بروز السلفية "العربية-الإسلامية" في الحقل السياسي الذي خلقه الإستعمار، كما يسميه أهلنا ترزي (نغ ؟)، المشرعنة لنفسها بالكفاح ضد ما تبقى من "البربر" الناجين من الإبادة الفرنسية و الإسبانية، و 16 ماي 2003 و نتائج هذه السلفية التي بنيت عليها سياسات المغرب "العربي" المستقل. ألم يكن أول مرسوم وزاري لأول حكومة "وطنية" هو إلغاء ظهير 16 ماي 1930 "المنظم لسير العدالة في القبائل ذات العوائد البربرية" (كذا) دون العودة إلى المؤسسات السائدة قبل الإستعمار ؟ بل تبعه مرسوم التوحيد و إقحام مناطق الحماية الإسبانية سابقا في نظام "وطني" موروث عن منطقة الحماية الفرنسية دون اعتبار ؟ ألم يتم إدخال "الظهير البربري" الذي ابتدعه "الوطنيون" كحقيقة تاريخية يجب على الذاكرة الجماعية "الوطنية" الحفاظ عليه بالبرامج التعليمية، مع التذكير بأن "البرابرة (كذا) هم سكان المغرب الأولون كانوا يسكنون…" ؟ كل ذلك بقلم خبير لبناني من مخلفات إدارة التعليم الفرنسية، صاحب مقرر أول كتاب مدرسي في مادة التاريخ بالمغرب المستقل. قد يكون ذلك تأويل ممكن لتاريخ "وطن" التقمصات"
خلاصة
" كثيرة هي الأحداث التاريخية التي رفعت إلى مستوى أوهام مؤسسة لا يجب المساس بها والتي تطابق بالفعل بنى إجتماعية وسياسية، الذاكرة متعددة وبدل البحث عن " الصحيح" و" الخطأ" من المفيد بالنسبة للتاريخ والمؤرخ تحليل أسباب هذه الأوهام لتبديدها" ص:23، وعلى هذا الأساس يمكن القول، بأن معالم مختلف الأساطير التي ظلت تؤسس للكثير من المعطيات التي ظلت تعتبر بمثابة يقينيات وحقائق مطلقة، بدأت تقل، وأصبحنا أمام خيط أبيض داخل فضاء أسود، يقودنا إلى نقطة ضوء. فكثيرة هي الأوهام التي أصبحت تتبدد، مثلما هو الشأن لأوهام الظهير "البربري"، ومن ثمة لم تعد الوطنية هي خاصية من قرأ اللطيف في المساجد. ومن هذا المنطلق يبقى الرهان الأول هو إعادة كتابة تاريخ المغرب بموضوعية وعلمية بعيدا عن النزعة الأسطورية، والكف عن توجيه الحاضر عن طريق بديهيات الماضي
السياق العام لظهير 16 ماي 1930
لم يكن ظهير 16 ماي 1930 أول ظهير تصدره السلطات الإستعمارية بالمغرب فقد " كان ظهير 11شتنبر 1914 أول من قنن تنظيم القبائل الخاضعة للسيطرة الفرنسية، وقد تبعته دورية 15 يونيو 1914 التي توصي ضباط الشؤون الأهلية بالمحافظة على الأعراف الأمازيغية" من هنا ندرك أن ظهير 16 ماي 1930 سبقته ظهائر أخرى مثا ظهير 15 يونيو 1922 القاضي بتفويت الأراضي للأجانب، من دون أن يثير ذلك أي رد فعل من طرف من نصب نفسه وصيا على الوطنية المغربية في الوقت الذي كانت فيه لغة البنادق ونيران المقاومة المسلحة بالجبال والخنادق تلتهم جنود المستعمر
كما أن الظهير المنظم لسير العدالة بالقبائل ذات الأعراف البربرية والتي لا توجد بها محاكم لتطبيق الشريعة، وهي التسمية الأصل لما يعرف زورا وبهتانا بالظهير "البربري"، لم يأتي بجديد مادام أن القضاء العرفي كان موجودا بالمغرب منذ فترة قديمة، وكل ما هنالك أن هذا الظهير " قام فقط بإعطاء الصبغة القانونية للجماعات القضائية"
الأمر الذي يضحد المقولة الشهيرة لرجالات " الوطنية الكلامية" من كون ظهير16 ماي 1930 جاء لتنصير البربر، وزرع التفرقة بينهم وبين العرب والقضاء على الإسلام… ذلك أن ترديد هذه الأسطوانة المهترئة، ما فتئت ترددها هذه الحفنة لإشهارها كفزاعة في وجه إيمازيغن. كما أن نص الظهير، وهو من الظهائر الملكية التي كان السلطان يصدرها ويوقعها باسمه كما هو الشأن في هذه الحالة, إذ يحمل طابع السلطان محمد بن يوسف، لم ينص على أي جانب يفيد بث بذور التفرقة داخل أوساط المجتمع المغربي
أما التحديد الذي تقوم عليه إجراءات ظهير 16 ماي 1930 فهي تقوم أساسا على التحديد المجالي/الترابي، وليس التحديد العرقي كما ذهبت إلى ذلك العديد من القراءات المغرضة. أما المبحث الثاني من هذا الفصل، فهو يشمل مقاربة للقوانين العرفية الأمازيغية " إزرفان" إنطلاقا من التحديد القضائي " للبربري"، بموجب قرار الإقامة العامة الحامل لرقم يوم 24 فبراير 1924 الذي يبين الأفراد الذين يمكن اعتبارهم منتمين لقبيلة ذات JB/192 عرف"بربري"، وهم
- " البربر" المولودون في القبيلة ويقطنون بها
- " البربر" المولودون في قبيلة أخرى
- العرب الشرفاء المستقرون نهائيا في القبيلة ذات العرف قبل احتلالها من طرف فرنسا،والعرب الذين ولدوا في هذه القبائل ويقيمون بها
- الإسرائيليون في نفس وضعية العرب والإسرائيليون الذين ولدوا في نفس الوضعية. علاوة على ذلك، هناك التحديد القضائي" للأجانب" عن القبيلة وهم الأفراد الآخرون مهما كانت جنسيتهم، جنسهم أو ديانتهم، وهو تحديد لم يتم من دون أن يثير عدة مشاكل
تبقى إذن، هذه صورة أولية عن السياق العام لظهير 16 ماي 1930، والتساؤل الذي يظل مطروحا يتعلق بأي حق نسب ذلك الظهير إلى "البربر"، خاصة قبل أن تسقط أسطورة "الزعيم المنقذ" وتتجلى صورة الحقيقة وتتحطم الأصنام التي كانت بمثابة مسلمات مطلقة انبنت عليها حقائق ما بعد 1930
تداعيات ظهير 16 ماي 1930
ينطلق الباحث في هذا الفصل من الحديث عن الإستغلال السياسي لظهير 16 ماي 1930 والمظاهرات التي أعقبت صدوره، وكذا التأويل المغرض لهذا الظهير من طرف البورجوازية المدينية التي، وبمجرد ما أن تناهى إلى مسامعها صدور ما أسمته " بالظهير البربري"، حتى أقامت الدنيا ولم تقعدها. فلقد انطلقت المظاهرات في كل اتجاه، ولكنها لم تستطع أن تتجاوز إحدى الدروب المغلقة كما هو مؤكد، وبدأت حركة " اللطيف" من المساجد كفضاء مقدس تم استغلال قدسيته لتوهيم المغاربة بأن فرنسا ترمي من وراء هذا الظهير إلى تنصير " البربر" وتفريقهم عن إخوتهم وهدم الكيان الوطني المغربي، وهو ما حاول أول من بدأ هذه الحركة - عبد الطيف الصبيحي - القيام به وترويجه بعدما اتصل ببعض الشباب المغاربة وعمل على " تغويل الحدث لكي يصل إلى جميع الشرائح الإجتماعية، وقدم الظهير على أنه يمس الدين الإسلامي" ص:37، خاصة أمام المحاولات الفاشلة بقصد إذكاء حماس المغاربة
وفي خضم هذه المظاهرات والأحداث وتزايدها بعد إخبار الناس بالأهداف المزعومة للظهير، أصبح يتم ترديد " اللطيف" وسط صفوف المصلين وفق الصيغة التي هيأها " عبد الله الجيراري": اللهم يا لطيف نسألك اللطف فيما جرت به المقادير لا تفرق بيننا وبين إخواننا البرابر
" وحسب جيل لافوينت ترديد "اللطيف" كان يتم كل يوم بفاس من 4 يوليوز إلى 15 غشت أي 43 مرة، بينما ينزل هذا الرقم إلى 15 بالرباط، 15 لسلا…" ص:39
وإجمالا يمكن القول، بأن محطة 16 ماي 1930 وما صاحبها من تداعيات سياسية وفكرية، شكلت نقطة تحول في مسار التاريخ المغربي المعاصر، بالنظر للمجرى الذي اتخذته هذه التداعيات ومختلف الإفرازات التي تفرعت عنها، إضافة إلى طبيعة تلك الظرفية ذاتها التي تميزت ببداية القضاء على آخر معاقل المقاومة المسلحة بالبوادي والجبال، كخيار حاسم إهتدى إليه الشعب المغربي لطرد المستعمر الفرنسي والإسباني، مقابل بداية انطلاق شرعنة ما أطلق عليه "العمل السياسي" الذي تزعمته نخبة ما بعد 1930 ذات الجذور الإجتماعية والثقافية المعروفة. هذه الحفنة التي كانت تجد لنفسها امتدادا تنظيميا فيما يعرف "بالعائلة" - "الطائفة" - "الزاوية"…، قبل أن تجعل من الظهير مرجعا لإنطلاق "الحركة الوطنية" بدل الإستمرار في خيار حرب التحرير
والواقع أن "المدينية السياسية" التي تبلورت بعد صدور هذا الظهير، ما فتئت تستنكر أعمال "الكفاح المسلح" التي كانت تهدد التواجد الإستعماري بالمغرب، وذهبت إلى أبعد من ذلك حينما هنئت فرنسا على قضائها على المتمردين في الجبال وقدمت لها عريضة المطالبة بالإصلاحات… وبذلك قدمت صورة أخرى عن الوطنية والعمل الوطني والنضال من أجل الحرية والإستقلال، في وقت كان فيه الوطنيون الحقيقيون من أبناء الشعب المغربي ما زالوا في خنادق القتال وغياهب المنافي والسجون الإستعمارية السحيقة
ومن الأهمية بمكان، التذكير بمعطى تاريخي أساسي و " بنقطة مهمة جدا وهي إرسال الملك محمد الخامس للكتاب الشريف إلى الباشوات ليقرأ في مساجد البلاد أثناء صلاة الجمعة، يوم عيد المولد النبوي الذي احتفل به في 11 غشث 1930، يبين فيه أسباب إصدار هذا الظهير، وحذر رعاياه من التأويلات الخاطئة" ص:46. ومما جاء في نص هذه الرسالة: "… وقد قامت شرذمة من صبيانكم الذين يكادون لم يبلغوا الحلم وأشاعوا ولبيس ما صنعوا ، أن البرابر بموجب الظهير الشريف تنصروا وما دروا عاقبة فعلهم الذميم وما تبصروا وموهوا بذلك على العامة وصاروا يدعونهم لعقد الإجتماعات بالمساجد عقب الصلوات لذكر اسم الله تعالى اللطيف فخرجت المسألة من دور التضرع والتعبد إلى دور التحزب والتمرد…"
وجدير بالذكر، بأن فئة المحميين كانت لها أدوار في مجريات الأحداث التي أعقبت هذه المرحلة والتي شكلت " الإطارات الأساسية للحركة الوطنية" وهو ما حاول الباحث عبد المطلب الزيزاوي إبرازه من خلال كتاب "أوهام الظهير البربري: السياق والتداعيات". ولقد تجلى هذا الدور في تزعم المحميين والمتجنسين للإحتجاجات والمظاهرات والحملة ضد الظهير المذكور، خاصة وأن " الهاجس الرئيسي الذي كان يشغل هذه الطبقة، هو التفكير في الحفاظ على مصالحها ونفوذها في إطار الحماية، ترقبا لما بعد الإستقلال حيث أدركت بأن الإستعمار كان بصدد تشكيل مناطق نفوذ جديدة، بناء على إيديولوجيات سياسية وثقافية جديدة، وقد فهمت هذه الطبقة بأن مستقبلها يتوقف على مدى تحركها في إطار تحالفها القديم مع السلطة المخزنية - وفي ظروف الحماية بالذات- لضمان موقع الترؤس والسلطة بعد الإستقلال، ضد النخب الأخرى، وخاصة تلك التي يمكن أن تتشكل في هذه المرحلة العصيبة من داخل المجتمع القبلي (الأمازيغي في معظمه)، والذي نظرت إليه البورجوازية المدينية دائما على أنه مصدر الخطر الذي يتهددها. هذا ما يفسر سكوت هذه العائلات عن التنكيل الذي يمارسه المستعمر بالقبائل، ويفسر بالتالي تحركها الإحتجاجي ابتداءا من 1930 عندما أصبحت قرارات الحماية مهددة للأسس الإيديولوجية التي تسند نفوذ هذه العائلات وحظوتها بجانب المخزن التقليدي وهي الدين واللغة العربية" صص:68-69
ومن أبرز هؤلاء المحميين النشيطين نذكر: الحاج حسن بوعياد وأخوه محمد، الحاج الطاهر مكوار، العربي الديوري أحمد بن الطاهر التازي
علاوة على العديد من العناصر الأخرى والعائلات التي اغتنمت فرصة صدور هذا الظهير حتى تلعب دور المنقذ وتفرغ السم الذي ظلت تستجمعه عن الوطنيين الحقيقيين الذين ضحوا في سبيل الوطن. بعد هذه النظرة الموجزة عن طبيعة الأحداث التي أعقبت صدور ظهير 16 ماي 1930 المنظم لسير العدالة بالقبائل ذات الأعراف الأمازيغية، ينتقل الكاتب إلى تحديد تداعيات الظهير على مغرب ما بعد 1930. فعلى المستوى السياسي، كان من شأن ظهور النواة الأولى من النخب المدينية أن يشكل لديها صدور هذا الظهير كما اعتبر ذلك علال الفاسي " فاتحة عهد كفاح وطني في الداخل والخارج"
وهو ما حذا بهذه الحفنة إلى وضع بذرة التنظيم الحزبي، إنطلاقا "من الزاوية التي كانت تضم في البداية 10 أعضاء من فاس ممن تزعم المظاهرات ضد الظهير وقد اتخذوا أسماءا مستعارة تيمنا بالعشرة المبشرين بالجنة. ولجوءهم لهذا الأسلوب، كان لأجل جمع أكبر عدد ممكن من الأنصار. فحمزة الطاهري استعير له اسم أبو بكر، علال الفاسي (عمر)، محمد بن الحسن الوزاني (عثمان)، العربي بوعياد (علي) أحمد بوعياد (سعد)، الحسن بوعياد (سعيد)، عبد القادر التازي ( طلحة)، محمد الديوري (الزبير)، إدريس بن عبد الرحمان برادة (عبد الرحمان بن عوف)، أحمد مكوار (أبو عبيدة). وفي حدود 1931 ارتفع عدد أعضائها إلى العشرين. وقد تكلف علال الفاسي ومحمد حسن الوزاني بوضع قانونها الداخلي" ص:56
إضافة إلى "الطائفة" كمستوى ثاني من التنظيم، وكذا لجنة "السافر" و"الخلايا" التي كانت مهمتها بث الوعي بالقضية الوطنية، وكأن المغاربة هم من كان ينقصهم الوعي الوطني وكانوا نائمين على إيقاع الموسيقة الأندلسية وخرافات "ألف ليلة وليلة". وتأتي سنة 1934 ليتم تأسيس "كتلة العمل الوطني" ، وهو ما اعتبر بمثابة أول تنظيم "حزبي" بالمغرب والذي تولت قيادته(comité d’action marocaine) "تقديم دفتر الإصلاحات المغربية" للسلطات الإستعمارية من خلال كل من عمر بن عبد الجليل ومحمد حسن الوزاني… وهي الوثيقة التي تطرح في مبناها ومعناها أكثر من سؤال. ولعل أهم ما يثير الإنتباه داخل دفتر الإصلاحات المقدم لفرنسا ما جاء في ديباجة هذه الوثيقة من تهنئة للسلطات الفرنسية على قضائها على "التمرد". "ونص المطلب الخامس على احترام اللغة العربية لغة البلاد الدينية والرسمية والإدارات كلها بالإيالات الشريفة وكذلك سائر المحاكم. وعدم إعطاء أية لهجة من اللهجات البربرية أية صفة رسمية. ومن ذلك عدم كتابتها بالحروف اللاتينية. رغم أن هذا المطلب يغيب في النسخة الفرنسية عكس النسخة العربية" ص:58
أما في الشمال فقد تأسس حزب الإصلاح الوطني بتاريخ 18 دجنبر 1936 بزعامة عبد الخالق الطريس، وكذا حزب الوحدة المغربية بزعامة المكي الناصري… وأهم خاصية أن سياسة هذه الأحزاب تجاه الإسبان ( في المنطقة الخليفية) كانت امتدادا لسياسة "الحركة الوطنية" قبل 1936 داخل منطقة النفوذ/الإستعمار الفرنسي، وهو ما يؤكد مقولة كون هذه التنظيمات لم تأخذ مسألة استقلال المغرب محمل الجد والكفاح على شاكلة ما قامت به المقاومة المسلحة
" وعرفت سنة 1937 حدثا مهما يتمثل في انشقاق "كتلة العمل الوطني" ففي شهر يناير اجتمع واحد وعشرون زعيما ليختاروا اللجنة المركزية الجديدة وفي أثناء هذا الإجتماع عارض الوزاني في ترشيح الفاسي رئيسا، وذلك لأن ثقافته الإسلامية الصرفة ستكون عقبة في سبيل إجراء مفاوضات مع فرنسا، ثم إن عجزه عن التحدث باللغة الفرنسية سيجعل التفاهم أصعب. ولما كان الزعماء يواجهون إحتمال توسيع تنظيمهم بحيث يشمل جميع المغرب، قرروا أنه لا يمكن أن يسند إلى علاال الفاسي منصب ثانوي بحال من الأحوال. فاختير الفاسي رئيسا وأعطي للوزاني منصبا ثانويا وهو منصب الأمين العام، شعر الوزاني وهو خريج المدرسة الحرةللعلوم السياسية في باريس(…) بأن هذه الهزيمة البسيطة تحط من شأنه كثيرا وعلى هذا قدم إستقالته علال الفاسي قام بتأسيس "الحزب الوطني"، أما الوزاني فأسس حزب "الحركة القومية" تحول إسمها إلى "الحركة القومية الإستقلالية". وفي المؤتمر الوطني المنعقد بالدار البيضاء أيام 27، 28 و29 يوليوز 1946 تغيراسم التنظيم، فأصبح يحمل اسم حزب "الشورى والإستقلال"
وفي "الصيف من سنة 1946 صرح الأمين العام للحزب محمد حسن الوزاني لصحيفة لوباريزيان ليبيري Le Parisien Libéré بأن حزبه يقبل مبدئيا إبرام معاهدة جديدة مع فرنسا تكون الغاية منها ضمان إستقلال المغرب وتنظيم العلاقات المغربية الفرنسية والإحتفاظ للفرنسيين بمصالحهم المشروعة" ص:60
هكذا يتبين المنحى الذي اتخذه تشكيل هذه التنظيمات السياسية وطبيعة الظروف التي حكمت ظهورها، باعتبارها كانت ولادة غير طبيعية ولم تكن بمثابة إفراز موضوعي لتطور المجتمع المغربي لكونها انبنت على أساس أسطورة بقيت تحكم مختلف تطورات هذه التشكيلات السياسية وكذا الإطار الإيديولوجي الذي ترعرعت فيه وجعلت منه أساس توجهاتها التي تراوحت بين السلفية التقليدية، ووهم العروبة اقتداءا بشكيب أرسلان الذي لعب دورا مهما إبان فترة صدور هذا الظهير على مستوى مختلف التداعيات والتحركات التي خلفها ظهير 16 ماي 1930. كل هذا يبرر في نهاية المطاف جل الأعمال التي قامت بها هذه النخب سواء على مستوى تعاطيها مع مسألة استقلال المغرب (نموذج اتفاقية إكس ليبان) أو على مستوى مختلف القضايا الوطنية فيما بعد،(نموذج الأمازيغية). وهو ما يعالجه الكاتب فمن تداعيات الظهير على المستوى الفكري التي كانت أبرز تجلياتها معاداة الأمازيغية
وعليه، فقد كان يتم التذكير كل مرة بأن الغاية من ظهور "الحركة الوطنية" هي التصدي للظهير "البربري" من أجل إنقاذ الشعب المغربي. ولم تكن هذه الحركة ترى بأن نضال الأمازيغ إنما هو استمرار طبيعي لحركة المقاومة والإستيلاب والذوبان في الآخر … وعلى هذا الأساس، قامت نخبة ما بعد 1930 ببناء إيديولوجية توحيدية وفق ثوابت (حركة وطنية، إسلام عربية، وحدة وطنية) وجعلت منها حقيقة في مقابل (إستعمار فرنسية، بربرية مسيحية، تمزيق الوحدة الوطنية) ص:67
وعلى هذا الأساس أصبحت هناك وطنية إيجابية وهي الوطنية المقاسة على أساس عقلية المعتمد بن عباد (وطنية الكلام) مقابل وطنية على مقاس عقلية يوسف بن تاشفين، وهذه هي الثنائية التي تحكم على التوالي التوجهات الوطنية التي أفرزتها مرحلة بداية القرن العشرين خاصة بعد 1930
الأولى جسدتها العائلات المنحدرة من الأندلس والتي استقرت ببعض المدن، "إضافة إلى أن وطنية هذه النخبة ذات مضمون متعال عن الأرض، ومنفصل عنها. ويتجلى ذلك في دفاعها عن العروبة، ومن ثم يمكن فهم ارتباطها بالمشرق ليس فقط فكريا أو وجدانيا، بل حتى سلاليا باعتبار افتخار العديد من أعضاء هذه النخبة كونها عربية. وتؤكد هذا بإثباتها لغابة من شجرات الانتماء إلى الدوحة النبوية، أو الإنتماء للعائلات النازحة من الأندلس كأبي بكر القادري مثلا. ويبدو أن وطنية هذه النخبة لم تستطع أن تستوعب المغرب العميق الذي لا ينسجم مع صورتها الذهنية الجاهزة حوله" ص:69. والثانية من خلال مختلف التمظهرات الوجدانية والوطنية التي كانت تعبر عن صدق كفاح المغاربة
لقد كان من أبرز عناصر تداعيات أسطورة/ أوهام الظهير "البربري"، خاصة على المستوى الفكري باعتبار هذا الأخير هو المرجعية العامة التي خرجت من رماد الأسطورة أن أصبح الظهير بمثابة فزاعة يلوح بها في وجه الأمازيغ والحديث عنه تهمة جاهزة، وهو ما يمكن اعتباره أحقر ما قامت به "الحركة الوطنية". حتى تحول ذلك إلى اعتقاد راسخ فمن عملية البناء الفكري والذهني للمغاربة، وجعلت هذه الحركة من هذا العمل مدخل لتزييف الحقائق وتحريف التاريخ وإضفاء طابع الشرعية التاريخية والرمزية على نفسها مع ما صاحب ذلك من تثبيت دعائم إيديولوجية ضمن مختلف الأجهزة ومؤسسات التنشئة الإجتماعية، إيديولوجية تجد مبرراتها في مقولة أسطورة الظهير "البربري"، وهو ما كانت له انعكاسات خطيرة على مختلف المستويات، وهو ما يشير إليه ذ. مصطفى القادري ضمن تقديمه لكتاب أوهام الظهير البربري: " يكفي الربط بين 16 ماي 1930 و بروز السلفية "العربية-الإسلامية" في الحقل السياسي الذي خلقه الإستعمار، كما يسميه أهلنا ترزي (نغ ؟)، المشرعنة لنفسها بالكفاح ضد ما تبقى من "البربر" الناجين من الإبادة الفرنسية و الإسبانية، و 16 ماي 2003 و نتائج هذه السلفية التي بنيت عليها سياسات المغرب "العربي" المستقل. ألم يكن أول مرسوم وزاري لأول حكومة "وطنية" هو إلغاء ظهير 16 ماي 1930 "المنظم لسير العدالة في القبائل ذات العوائد البربرية" (كذا) دون العودة إلى المؤسسات السائدة قبل الإستعمار ؟ بل تبعه مرسوم التوحيد و إقحام مناطق الحماية الإسبانية سابقا في نظام "وطني" موروث عن منطقة الحماية الفرنسية دون اعتبار ؟ ألم يتم إدخال "الظهير البربري" الذي ابتدعه "الوطنيون" كحقيقة تاريخية يجب على الذاكرة الجماعية "الوطنية" الحفاظ عليه بالبرامج التعليمية، مع التذكير بأن "البرابرة (كذا) هم سكان المغرب الأولون كانوا يسكنون…" ؟ كل ذلك بقلم خبير لبناني من مخلفات إدارة التعليم الفرنسية، صاحب مقرر أول كتاب مدرسي في مادة التاريخ بالمغرب المستقل. قد يكون ذلك تأويل ممكن لتاريخ "وطن" التقمصات"
خلاصة
" كثيرة هي الأحداث التاريخية التي رفعت إلى مستوى أوهام مؤسسة لا يجب المساس بها والتي تطابق بالفعل بنى إجتماعية وسياسية، الذاكرة متعددة وبدل البحث عن " الصحيح" و" الخطأ" من المفيد بالنسبة للتاريخ والمؤرخ تحليل أسباب هذه الأوهام لتبديدها" ص:23، وعلى هذا الأساس يمكن القول، بأن معالم مختلف الأساطير التي ظلت تؤسس للكثير من المعطيات التي ظلت تعتبر بمثابة يقينيات وحقائق مطلقة، بدأت تقل، وأصبحنا أمام خيط أبيض داخل فضاء أسود، يقودنا إلى نقطة ضوء. فكثيرة هي الأوهام التي أصبحت تتبدد، مثلما هو الشأن لأوهام الظهير "البربري"، ومن ثمة لم تعد الوطنية هي خاصية من قرأ اللطيف في المساجد. ومن هذا المنطلق يبقى الرهان الأول هو إعادة كتابة تاريخ المغرب بموضوعية وعلمية بعيدا عن النزعة الأسطورية، والكف عن توجيه الحاضر عن طريق بديهيات الماضي
Addi Oubihi- وسام العطاء
-
عدد الرسائل : 509
تاريخ الميلاد : 16/09/1989
العمر : 35
الدولة : adur nzad bra noglim
المهنة : طالب
المدينة : تغرمت ن إمكون
الدولة :
احترام قوانين المنتدى :
رد: لمن يهمه الأمر _ أوهام الضهير البربري
أنتظر ردودكم و سأستقبلها مهما كانت
مع أو ضد
المهم النقاش الجاد
مع أو ضد
المهم النقاش الجاد
Addi Oubihi- وسام العطاء
-
عدد الرسائل : 509
تاريخ الميلاد : 16/09/1989
العمر : 35
الدولة : adur nzad bra noglim
المهنة : طالب
المدينة : تغرمت ن إمكون
الدولة :
احترام قوانين المنتدى :
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى