قبائل وادي دادس

من طرف **simo** الجمعة 18 يناير 2008, 19:44

قبائل وادي دادس
زاوية مولاي باعمران ، أجلُّ مثال

بقلم : محمد العمراني

إن تقادم العهد بالإحجام عن الكتابة في تاريخ قبائل وادي دادس عامة ، وفي أصل الشرفاء والزوايا الموجودة بهذه المنطقة بالتحديد . يعتبر من الأسباب الرئيسية التي تجعل المرء يسارع إلى التعريف ببعض ترات منطقته ، ومسقط رأسه.
ونأخد كمثال على ذلك زاوية مولاي باعمران ، بقـلعة امكونة . إذ تعتبر من بين أشهر القبائل بمنطقة دادس الأوسط مند أول استقرار بها . وتوجد هذه القبيلة بين سلسلتي الأطلس الكبير والأطلس الصغير ، حيث المناخ الشبه الصحراوي .
وتعرف هذه الزاوية باسم الولي الصالح المدفون بها ، ألا وهو المولى موسى أبو عمران بن المولى إدريس الثاني ، والذي شيدها وأصحابه .
وتقول الرواية الشفوية بأن منطقة دادس الأوسط قبل مجيء مولاي باعمران وأصحابه ، كانت عبارة عن غابة تعيش بداخلها مجموعة من الحيوانات المتوحشة كالسباع والزواحف . ولما وصل الولي ، طلب منها المغادرة ، وما كان عليها إلا أن تستجيب لندائه وتنسحب ، ولم يبق منها إلا أسد واحد كان أطرش ، ولم يسمع نداء الولي . هذا الأخير تمكن من الإلتقاء بهذا الحيوان ، وأدن له في أدنه مطالبا إياه بالإنسحاب ، وما هي إلا لحظات حتى لاد الأسد بالفرار . وتضيف الرواية أن مولاي باعمران وأصحابه لما نزلوا بالمنطقة وجدوها جافة ، مما حثم عليهم البحث عن الماء . وهكذا بدؤوا يجوبون المنطقة بحثا عن مكان تواجد الماء ، وكانوا يصطحبون معهم بعض الكلاب ، هذه الأخيرة انطلقت ثم عادت إليهم وأرجلها مبللة بالماء ، وهذا ما أثار انتباه هاؤلاء ، فأخذوا يترقبون آثار الكلاب حتى وجدوا ذلك المكان فاستقروا فيه .
ومهما تعددت الأساطير التي حاولت أن تصف لنا كيفية استقرار الولي وأصحابه في دادس الأوسط بشكل عام ، وزاوية مولاي باعمران على وجه الخصوص ، فإن ما تتفق عليه جميع الروايات الشفوية هو أن مولاي باعمران يعتبر من أحد أحفاد المولى إدريس الثاني . وقدم إلى المنطقة في فترة مغمورة يصعب تحديدها زمنيا ، نظرا لغياب مصادر ووثائق تؤرخ لهذه الفترة . وللإشارة فإن زاوية مولاي باعمران تتكون في الأصل من ’’ الشرفاء ’’ كعناصر أساسية ، بالإضافة إلى’’ إقدار ’’ . كما تستقبل القبيلة سنويا عناصر أخرى من عدة مناطق مختلفة .

1 - الحدود القبلية لزاوية مولاي باعمران :

يحد زاوية مولاي باعمران من الجهة الشرقية دوار ’’ تمسكلت ’’، ومن الجهة الغربية دوار ’’ أيت بوبكر ’’، أما من الناحية الشمالية فيحدها دوار ’’ أيت لحسن أبوزيد ’’، وجزء من حي النهضة ، في حين يحدها من الناحية الجنوبية وادي دادس . ويمكن تقسيم هذا المحاط إلى :
1-1 - مجال خاص بالسكن :
يمتد إلى حدود ’’ تمسكلت ’’ شرقا ، و’’ أيت لحسن أبوزيد ’’ شمال ، ومن الجهة الغربية يحدها ’’ إسيل نوكرسيف ’’ ، في حين تحدها البساتين من الناحية الجنوبية .
1-2 - مجال خاص بالبساتين :
يوجد بمحادات القصور القديمة ’’ إغرمان ’’ ، وتحدها من الجنوب المشارات ، ومن الشمال المساكن والمنازل .

2- أهم الاحتفالات بالزاوية :

2-1 - موسم مولاي باعمران :
ويعتبر من أهم الاحتفالات بزاوية مولاي باعمران ، ويقام في اليوم العشر 10 من شهر محرم الحرام ، بمناسبة عاشوراء كل سنة ، هذا الاحتفال يستغرق ثلاثة أيام ابتداء من يوم عاشوراء.
ففي صبيحة هذا اليوم ، يقوم سكان أيت باعمران والقبائل المجاورة بزيارة ضريح الولي الصالح ( مولاي باعمران ) ، للدعاء لأنفسهم وله بالرحمة والبركة .
أما اليوم الثاني من الموسم فيتميز بالحضور المكثف للزوار ، فبعد زيارة ضريح الولي يتجه الضيوف إلى المسجد لأداء صلاة الظهر ، ولتناول وجبة الغداء بعين المكان . كما يثم الحديث عن العلاقات المتميزة وأواصر الصداقة والتعاون التي كانت ولازالت تربط بين قبيلة أيت باعمران وقبيلتي أيت عيسي وإيماسين والقبائل الأخرى ، والدور الذي لعبه الولي في تحقيق ذلك .
وفي المساء تبدأ الاحتفالات ، والتي كانت في السابق تتميز بسباقات الفروسية التي تسمى محليا بـ ’’ أصبحي ’’ ، كما يتم إقامة ما يسمى بـ ’’ الدرست ’’ ، هذه الأخيرة يتم تفعيلها من طرف مجموعة من الأشخاص ، والذين ينتمون لقبيلة ’’ إيماسين ’’ ، حيث يقومون بدق الطبول والبنادير ، ويرددون في نفس الوقت بعض الأشعار والتهاليل وسط هتافات الرجال وزغاريد النساء . ويستمر الاحتفال إلى غاية الليل حيث يثم تقديم ما يسمى أيضا بفرقة ’’ أحيدوس ’’ أو ’’ أورار ’’ .
واليوم الأخير من الموسم يعرف نفس أجواء الاحتفال كذلك . إلا أن الاحتفالات قد تغير شكلها مع مرور الزمن ، وأصبح شباب قبيلة أيت باعمران هم منشطوا ومنضموا الموسم بعدما شابت رؤوس رجال القبيلة .
2-2 - عروس المطر (تلاغنجا) :
تعتبر ’’ تلاغنجا ’’ عروس المطر ، من بين الطقوس والعادات التي ضربت جذورها في أعماق التاريخ بشمال إفريقيا ، ولهذا فإن جميع قبائل وادي دادس تمارس هذا النوع من الطقوس التي تكون عادة من اختصاص النساء . ففي دوار أيت باعمران مثلا تقوم النساء بتجهيز ما يطلق عليه محليا بـ ’’ أغنجا ’’ ( المغرفة ) ، وذلك على شكل عروس حقيقية تسمى بعروس المطر، وتحملها فتاة عذراء تدعى آنداك أم تلاغنجا ، وترمز إلى خصوبة النساء وخصوبة الأرض ، حيث تكون في المقدمة وتتبعها النساء الأخريات . وفي طريقهن إلى هضبة – تفصل بين قبيلتي أيت باعمران وأيت لحسن أبوزيد - تسمى بـ ’’ تاوريرت نلحدجا ’’ ، يرددن بعض الأشعار الأمازيغية يطلبن فيها الله بأن ينزل المطر .
وبعد ذلك يتم وضع تلاغنجا بجانب ضريح الولي الصالح مولاي باعمران ، في انتضار أن يهطل المطر . ويثم إقامة وليمة تسمى ’’ السدقا ’’ ، وهذه فرصة للنساء بالتجمع من جديد للتعبير عن فرحتهن بقدوم المطر ، وحمدهن الله على تلك النعمة .
وألفت نظر القارئ إلى أن زاوية مولاي باعمران هي القبيلة الوحيدة في دادس التي لازال فيها هذا الطقس وهذه العادة .
2-3 - بيانو :
وهو عبارة عن احتفال مهم في حياة أطفال زاوية مولاي باعمران ، ويكون على شكل تقليد سنوي يتم خلال عاشوراء ، ويتمثل في قيام الأطفال بالطواف خلال تلك الليلة عبر أزقة الدوار
’’ إغرم ’’ وهم يحملون أواني ، طارقين أبواب المنازل ومرددين بصوت واحد وعلى إيقاع واحد أغنية تسمى محليا بـ ’’ بيانو ’’ .
وأثناء تجوالهم تزودهم ربات البيوت بما تيسر لديهن من الدقيق . وحينما ينتهي الطواف بالدوار ، ينصرف كل واحد منهم إلى حال سبيله بعد جهد جهيد جراء الطواف ، على أن يجتمعوا في صباح اليوم التالي والذي يصادف يوم عاشوراء ، وخلال هذا الاجتماع يطلبون من إحدى نساء الدوار أن تتكلف بإعداد الخبز من ذلك الدقيق الذي قد جمعوه بالأمس . وبموازات ذلك يقومون بتحضير مرق يتشاركون فيه جميعا . وهكذا يحضرون وليمة خاصة بهم .
وهذا ما يذل على العلاقة الحميمية التي تنشأ بين أفراد القبيلة منذ الطفولة وحتى مرحلة الشيخوخة .

__________________