حكاية قبّة خضراء
4 مشترك
صفحة 1 من اصل 1
حكاية قبّة خضراء
بقلم : العمراني عبد العزيز
" طريق سهلة، كثير من الناس. قطعت واد دادس، ليس سهل العبور في كل النقاط، فقط في بعض المناطق حيث يكون مستوى الماء منخفضا؛ في المنطقة التي عبرت منها، كان عرض الوادي 20 مترا و على 80 إلى 90 سنتمترا في العمق بصبيب قوي. من بين القصور التي صادفتها، إثنان أثارا اهتمامي : قصر أيت بوعمران (بين أزداك و توريرت) حيث تلاحظ قبة جميلة...".
كان هذا مقتطفا من كتاب Reconnaissance au Maroc لكاتبه شاغل دو فوكولد الذي زار المنطقة ما بين سنتي 1883 و 1884.
يقول علماء الميثولوجيا الحديثة : إن الإنسانية الحديثة لا بد أن تأخذ عاداتها وتقاليدها من نصائح مختلف العلماء من مختلف الاختصاصات، ومن هذه الاختصاصات الحديثة هو علم الميثولوجيا الذي يقول : إن كافة الأفكار والمعتقدات والطبائع والأساطير التي حملتها البشرية إنما هي تراث بشري يجب النظر إليه بإيجابية ومن دون تعصب لأجل فهم الآليات والمحركات النفسية والاجتماعية التي أوصلت ذلك الفرد أو تلك المجموعة إلى هكذا تصورات. يقولون حتى عندما نعرض بالتحليل لطبائع القبائل المتوحشة التي تأكل لحوم البشر فإن علينا أن لا ننظر باشمئزاز وتأفف واستخفاف تام بعقولهم بل يجب أن ننظر من زاوية الآليات والمحركات الزمنية والمكانية التي أوصلت تلك الشعوب إلى هذه العادات.
هذا لا يعني أن نبقى متقوقعين داخل حلقة من العادات و المعتقدات التي لم يعد لها مكان في عالم أرسى عليه العلم أسسه و فرضت فيه التكنولوجيا نفسها في كل تجلياته. و لكن قراءة التاريخ و العودة بالذاكرة الشعبية إلى الوراء تستدعي نوعا من التحليل الدقيق و النظرة الإيجابية إلى كل ما يمكننا أن نصادفه، في رحلة العودة هذه، من معتقدات ترسّخت في أدهان الناس و تجلت في ممارساتهم الاجتماعية و التي تُعدّ الشاهد الوحيد على ماض عريق لمجتمع بدأ النسيان يطال ذاكرته، مجتمع اعتمد على تناقل الرواية الشفاهية جيل عن جيل للحفاظ على تاريخه، و التي لا يمكن أن نعتبرها (أي الرواية الشفاهية) إلا انعكاسا للأحداث في أذهان الناس، هذا بالإضافة إلى الكمّ الذي لا يمكن الاستهانة به من الوثائق المتمثلة في المعاهدات و الاتفاقيات المبرمة بين القبائل أو عقود الزواج أو غيرها من عقود البيع و الشراء و ما إلى ذلك من الوثائق التي لم تحضى بالإلمام الشامل إلى حدود اليوم، اللهم ما أدرجته بعد البحوث التاريخية المنجزة من طرف أبناء المنطقة. ما يجعل تاريخ دادس في تجدّد دائم عرضة لعمليتي الهدم و البناء مع ما يعتريهما من الأخطاء، و هذا ما يدفعنا إلى عدم الأخد بحقيقة واحدة فالحقيقة هي مجموعة أخطاء مصححة كما يقول كارل ماركس.
مع إيماننا بانعدام حقيقة واحدة عندما نحاول النبش في ذاكرة التاريخ، إلا أننا نحاول دائما البحث عنها أو على الأقل الاقتراب منها استنادا إلى ما أمدّتنا به كتب التاريخ و اعتمادا على ما حافظت عليه ذاكرة المنطقة، بدأ بالرواية الشفاهية و نهاية بالممارسات و الطقوس الشعبية. دافعنا الوحيد في هذه المحاولة، المثال الدادسي الذي يقول : " أرض دادس لا يحرثها إلا ثيران دادس" . كلها إشارات لزم الوقوف عندها و نحن بصدد البحث عن أصول بعض الممارسات الاجتماعية التي، و نظرا لغياب وعي شامل بها، بدأت تُدرج ضمن الخرافات و بقايا الجاهلية، و هو السبب نفسه الذي ألحق بها الإهمال و الاندثار رغم ما تختزنه من أحداث تاريخية نحثث على صفحات الذاكرة الشعبية الجماعية للمنطقة.
عندما نريد الخوض في تاريخ واد دادس، لا يمكن الحديث دون أدنى إشارة إلى الزوايا التي تنتشر في جل قصوره (إغرمان)، والتي مثلت المجال الروحي الذي من خلاله كانت تلقى الدروس الدينية من طرف المرابطين (إكرّامن)، و هنا وجبت الإشارة إلى عدم الخلط بين أصول الساكنة المكونة للهرم الإجتماعي لقبائل أيت سدرات. فالشرفاء في غالب الأحيان لم تكن تربطهم بالزاوية إلا عملية النشأة، حيث كانوا من وراء تأسيس هذه الزوايا، هذا بالإضافة إلى التدخل كأطراف محايدة في النزاعات التي كانت تنشب بين القبائل المجاورة؛ بينما تولى المرابطون(إكرّامن)، نظرا لنفوذهم العلمي و الديني، مهمّة إلقاء الدروس الدينية و تلقين الصوفية، مستفيدين في ذلك من المكانة الروحية التي كانت تتمتع بها الزاوية داخل القبيلة باعتبار مؤسسيها ينحدرون من البيت النبوي.
مع ما كانت تتمتع به الزاوية إذا من مكانة روحية، اجتماعية و سياسية، إلا أن هذا المعطى لم يكن ليقلل من قيمة القبيلة، كإطار يضمّ كل مكونات الهرم الإجتماعي، التي فرضت نفسها خصوصا على المستويين الإجتماعي و السياسي، و هذا ما يمكن أن نستشفّه انطلاقا من دراسة بعض الأمثال المحلية. على سبيل المثال لا الحصر، المثل الدادسي الذي يقول : " تويْر تيْت ن تْقبيلتْ تين الزاويتْ ". و " أورْ إوْهين أمُوتل ن تقبيلتْ "، و" أموتل " يعني اللعنة التي قد تلحق بالإنسان إذا ما أخل بالنظام الداخلي للقبيلة. بالإضافة إلى هذا المؤشر فهناك من الباحثين من يذهب إلى القول بأن النظام الداخلي للزاوية ما هو إلا تصغير للنظام المؤطر للقبيلة، أي أن القبيلة أسبق في النشأة والتنظيم من الزاوية.
هذه المعطيات الأخيرة تدفعنا إلى الحديث عن النسيج الإجتماعي المكون للقبيلة باعتبارها مجالا جغرافيا يضم العديد من الأفراد المنحدرين من أصول مختلفة، و هنا لن نعرج إلى تحديد دقيق لهذه الفئات بقدر ما سنشير فقط إلى ما ذهبت إليه بعض الكتابات التي أرّخت لهذه المنطقة، و أخص بالذكر الباحثة فاطمة عمراوي في كتابها "دادس، من بداية الإستقرار إلى تدخل الكلاوي"، التي اعتمدت على التقسيم الكلاسيكي للهرم الإجتماعي: الشرفاء، المرابطون، الحراطين، العبيد و اليهود.
هذه الفسيفساء البشرية، إذا أمكننا تسميتها على هذا النحو، استطاعت أن تنصهر مع بعضها البعض باستثناء اليهود الذين تجنبوا الإختلاط مع بقية العناصر خوفا من ضياع دمهم الملكي كما يشير إلى ذلك اليهودي حاييم الزعفراني في مؤلفه "ألف سنة من حياة اليهود في المغرب"، الشيء الذي لا ينفي إمكانية وجود خليط بشري داخل هذه العناصر اليهودية نفسها، كما يمكن استنتاجه من المثل الدادسي الذي يقول " تيام ديس أوداين ن بوهرّو"، المثل الذي إذا أخذنا بعين الاعتبار السياق الذي يعطى فيه و هو عند نشوب نزاع بين طرفين دون تنازل أي منهما، كما ذكرت عمراوي في نفس المؤلف، يمكن أن نخلص إلى أن العنصر اليهودي في واد دادس كان مكونا من فسيفساء صغيرة داخلية أيضا.
و مهما يكن من أمر، فكل هذه الفئات الإجتماعية مع اختلاف أصولها استطاعت أن تتوحّد مع بعضها البعض ضمن مجموعة من التكتلات "إغرمان" مكونة بذلك ما يسمى بالقصر "تقبيلت"، الذي خضع بدوره لتنضيم اجتماعي، سياسي و اقتصادي محكم. يسير شؤون هذا القصر مجلس منتخب يتكون من أعضاء غالبا ما يمثل كل منهم عائلة معينة "إغص". من هؤلاء الأعضاء يتم إذا انتخاب شيخ القبيلة الذي يمثل السلطة العليى داخل القصر. و لأن الظروف الإقتصادية و السياسية لواد دادس لم تعرف الإستقرار عبر تاريخه، كان من الضروري ضهور تحالفات جديدة بين القصور لتكون لنا ما يسمى بالإتحادية، التي يسهر على مصالحها الشيخ العام "أمغار ن إمغارن" و تعلو سلطته سلطة "أمغار" المنتخب داخل القصر الواحد.
هنا إذا يتأكد لنا النضام القبلي السائد على جنبات واد دادس، و إذ نعرض لكل هذا فلكي نقول لبعض الأقلام التي أخذت باتهام الشرفاء كطبقة اجتماعية مكونة للقصر "تاقبيلت" بالاستغلال و ما إلى ذلك من الممارسات التي قد توهم البعض بصحتها. لهؤلاء نقول: إن كان هذا الكلام صحيحا فأين كانت سلطة "أمغار" إبان هذا الاستغلال ؟ أين كان "أمغار ن إمغارن " الذي كان يمارس سلطته على الجميع ؟ أليس هذا ضربا في النضام الأمازيغي السائد داخل القصر ؟ أليس هذا ضربا في النضام الديمقراطي السائد داخل القصر لانتخاب الصاهرين على مصالحه ؟ أسئلة نطرحها مع أننا لا ننفي وجود استتناءات دائما ما دمنا لا نؤمن بوجود حقيقة واحدة عندما نعرض لأحداث التاريخ، و كما يقول المثل الفرنسي ف" الإستثناء يؤكد القاعدة " و حتى إذا أردنا الحديث عن هذه الاستثناءات فلا يجب الإقدام على ذلك إلا ما بعد استعمال الزوايا كدعامة سياسية من طرف السلطة المخزنية التي لم تسجل حضورها في دادس إلا في ستينات القرن التاسع عشر.
كل هذا لنؤكد على حقيقة واحدة و هي أن سكان دادس نسيج اجتماعي واحد و لا داعي للمغالاة و الإدعاء بأن فئة اجتماعية معينة كانت تمارس الاستغلال على حساب فئة اجتماعية أخرى. و إذا كنا نريد العودة بالتاريخ إلى الوراء، فعلينا أن ندرك أن سكان دادس عاشوا لحظات هذا التاريخ دقيقة بدقيقة و ساعة بساعة و عاما بعد عام و علينا أيضا أن نقرأه بنفس الطريقة، دقيقة بدقيقة و ساعة بساعة و عاما بعد عام. أما إذا أردنا جمعه في يوم واحد فعلينا أن نختار اليوم الذي خلق فيه آدم لنعود جميعا إلى الجنة !
كان هذا بمثابة الردّ على نقطة أولى ثم طرحها داخل المنتدى. في التتمة القادمة إن شاء الله سأعرض للنقاط المتبقية.
ملاحظة : وحدها الرّدود المرفقة بالأسماء الحقيقية لأصحابها من ستنال حقها من الإهتمام ! و كإستراتيجية جديدة تفرضها علي الظروف الزمنية فأجوبتي ستتأخر قليلا و ستأتي على شكل مواضيع من قبيل ما أدرجته أعلاه.
و كل بحث في تاريخ دادس و أنتم بخير.
العمراني عبد العزيز- الوسام البرونزي
-
عدد الرسائل : 307
تاريخ الميلاد : 19/08/1982
العمر : 42
الدولة : المغرب
المدينة : مدينة الورود
رقم عضويه : 879
الأوسمة :
الدولة :
احترام قوانين المنتدى :
رد: حكاية قبّة خضراء
شكرا جزيلا لك اخي عبد العزيز العمراني على هذا الموضوع الرائع
..
..
..
- تاريخ الزوايا
- النسيج الاجتماعي المكون لقبائل دادس
-المنتخبون
-طريقة انتخاب *امغار*
-امغار نمغارن
باختصار تاريخ منطقة دادس
في الحقيقة هذه كلها معلومات و حقائق لم اكن اعرفها
شكرا مرة اخرى شكرا جزيلا لك و بارك الله فيك
منتديات روافد مكونة منتدى من لا منتدى له
..
..
..
- تاريخ الزوايا
- النسيج الاجتماعي المكون لقبائل دادس
-المنتخبون
-طريقة انتخاب *امغار*
-امغار نمغارن
باختصار تاريخ منطقة دادس
في الحقيقة هذه كلها معلومات و حقائق لم اكن اعرفها
شكرا مرة اخرى شكرا جزيلا لك و بارك الله فيك
منتديات روافد مكونة منتدى من لا منتدى له
MoUlAy YoUsSeF- نائب المدير
-
عدد الرسائل : 1332
تاريخ الميلاد : 05/10/1988
العمر : 36
الدولة : المملكة المغربية
المهنة : طالب
المدينة : casablanca
الهاتف : 0670766129
الأوسمة :
الدولة :
احترام قوانين المنتدى :
رد: حكاية قبّة خضراء
أزول
في الحقيقة نقطة تُحسب لأمداكل هي التي تتعلق بعدم الإساءة للقلم مهما اختلف معه فكريا و خاصة الموضوع المرتبط بالشرف،و كذلك لطريقة الرد الذي سوف أقول عنه أنه محترم من حيث الشكل و الأسلوب.
لكن رغم محاولة الكاتب النبش في النظام القبلي لدادس؛و لأن مقاله عبارة عن رد فإنه لم يلامس لب الموضوع المثار في المنتدى ألا و هو ربط الشرف بالنسب و ليس وضع القبيلة و تركيبتها بل ناور كثيرا و لم يُعطي موقف صريح في ذلك،و أتمنى أن يلمسه في الموعد المقبل،دون مراوغة الأدبية التي ذهب معها هنا؛
ملاحظة: أنا عندما أرى موضوعا أو وجهة نظر مهما اختلفت معها أو العكس أجد نفسي مجبرا على كتابة رد و لو تشجيعي دون الإختيار المسبق للأعضاء الذين أكتب في أعمدتهم،لأه بذلك سوف نقع ي عزلة مواضيعية لكل كاتب أعضاءه الدين يردون عليه،و بالتالي يكون النقاش في خبر كان،فحبذا لو يشارك الجميع في مناقشة أي موضوع يستحق النقاش
تانميرت
عبد الحق مربوط
هذه وجهة نظري و قد أكون مخطأ ..من يعرف!!!
في الحقيقة نقطة تُحسب لأمداكل هي التي تتعلق بعدم الإساءة للقلم مهما اختلف معه فكريا و خاصة الموضوع المرتبط بالشرف،و كذلك لطريقة الرد الذي سوف أقول عنه أنه محترم من حيث الشكل و الأسلوب.
لكن رغم محاولة الكاتب النبش في النظام القبلي لدادس؛و لأن مقاله عبارة عن رد فإنه لم يلامس لب الموضوع المثار في المنتدى ألا و هو ربط الشرف بالنسب و ليس وضع القبيلة و تركيبتها بل ناور كثيرا و لم يُعطي موقف صريح في ذلك،و أتمنى أن يلمسه في الموعد المقبل،دون مراوغة الأدبية التي ذهب معها هنا؛
ملاحظة: أنا عندما أرى موضوعا أو وجهة نظر مهما اختلفت معها أو العكس أجد نفسي مجبرا على كتابة رد و لو تشجيعي دون الإختيار المسبق للأعضاء الذين أكتب في أعمدتهم،لأه بذلك سوف نقع ي عزلة مواضيعية لكل كاتب أعضاءه الدين يردون عليه،و بالتالي يكون النقاش في خبر كان،فحبذا لو يشارك الجميع في مناقشة أي موضوع يستحق النقاش
تانميرت
عبد الحق مربوط
هذه وجهة نظري و قد أكون مخطأ ..من يعرف!!!
oghiguc- عضو فعال
-
عدد الرسائل : 213
تاريخ الميلاد : 10/05/1985
العمر : 39
الدولة : الحرية لمعتقلينا الابطال الذين لا ذنب لهم سوى انهم اما زيغ .اطلقوا سراح معتقلينا او اعتقلونا جميعا
المهنة : ناشط أمازيغي
المدينة : dades Amazigh
الدولة :
احترام قوانين المنتدى :
رد: حكاية قبّة خضراء
شكرا لكما أمدّوكّال يوسف و عبد الحق. أخي عبد الحق، أنا أحترم كل عضو وفق شرط واحد : أن يحترم بقيّة الأعضاء. بالنسبة لطريقة تعاملي مع بعض الأعضاء فأنا أعترف بأنني أخطئ في ذلك أحيانا و أنا أعتذر للجميع عن ذلك. شخصيا، بودّي أن أناقش كل المواضيع التي تطرح في المنتدى لكنّني مغلوب على أمري فقد قلتها أكثر من مرة، ليس لديّ متّسع من الوقت. الموضوع القادم إن شاء الله في هذه الصفحة سيكون تحت عنوان : الشرف، البركة، النسب، أيّة علاقة !
تحياتي الخالصة.
العمراني عبد العزيز- الوسام البرونزي
-
عدد الرسائل : 307
تاريخ الميلاد : 19/08/1982
العمر : 42
الدولة : المغرب
المدينة : مدينة الورود
رقم عضويه : 879
الأوسمة :
الدولة :
احترام قوانين المنتدى :
رد: حكاية قبّة خضراء
en attend votre article et si possible de parler la question comme on a la posé dans les autres article
tanmmirt
tanmmirt
oghiguc- عضو فعال
-
عدد الرسائل : 213
تاريخ الميلاد : 10/05/1985
العمر : 39
الدولة : الحرية لمعتقلينا الابطال الذين لا ذنب لهم سوى انهم اما زيغ .اطلقوا سراح معتقلينا او اعتقلونا جميعا
المهنة : ناشط أمازيغي
المدينة : dades Amazigh
الدولة :
احترام قوانين المنتدى :
للحكاية بقية
فخلال هذه المرحلة ظهرت في الأطلس الكبير الشرقي، و جبل صاغرو مخازن جماعية لخزن الحبوب "إغرمان" التي أحدثتها قبائل هذه الجبال لتجاوز النقص الناتج عن ابتعادهم عن مجالات الزراعة، و التكيف مع حصار بني معقل المستقرين بمعظم الواحات، و خلالها بدأ التفكير في تشكيل حلف قبلي يضم قبائل صاغرو خصوصا "أيت واحليم" و "أيت اسفول"، و كانت نقطة الإنطلاق من "إغرم أمزدار" بجبل صاغرو النواة الأولى لاتحادية أو حلف أيت عطا الجديد. و ما لبث هذا الحلف أن ضم بعض قبائل الأطلس الكبير الشرقي سيما "أيت حديدو" و "أيت مرغاد".
ارتبط هذا الحلف بشخصية "دادا عطا" الذي استطاع بفضل شخصيته الدينية، و علاقة التلمذة التي ربطته بالولي مولاي عبد الله بن حساين الذي يعتقد أيت عطا بولايته و صلاحه، أن يجمع و يوحد القبائل ذات الأهداف و المصالح المشتركة و التي تضررت، أولا وقبل كل شيء، من سيادة بني معقل على مراعيها الشتوية، وفقرها للمواد الفلاحية التي كانت تجلب من الواحات.
ارتبط هذا الحلف بشخصية "دادا عطا" الذي استطاع بفضل شخصيته الدينية، و علاقة التلمذة التي ربطته بالولي مولاي عبد الله بن حساين الذي يعتقد أيت عطا بولايته و صلاحه، أن يجمع و يوحد القبائل ذات الأهداف و المصالح المشتركة و التي تضررت، أولا وقبل كل شيء، من سيادة بني معقل على مراعيها الشتوية، وفقرها للمواد الفلاحية التي كانت تجلب من الواحات.
كان هذا مقتطفا من كتاب " ملامح من التاريخ الإقتصادي و الإجتماعي لقبائل أيت عطا من خلال أمثالها " لمؤلّفيْه حميد تيتاو و محماد لطيف.
كما يقول جورج سبيلمان في كتابه (1936) " Ait Atta de Sahara et la pacification du Haut Dra " المترجم من طرف محمد بوكبوط :
" ينتمي معضم أيت عطا الصحراء إلى أمازيغ صنهاجة من الطبقتين الثانية و الثالثة، و يطلقون على أنفسهم بافتخار "إيمازيغن" : الرجال الأحرار، و ضمنهم بعض العناصر العربية من أصول معقلية تمزّغت حاليا، كما ينحدر بعضهم كذلك من الزنوج السودانيين الذين أتوا إلى المغرب مع المرابطين أو من الحراطين المقبولين في صفوف إيمازيغن، و هناك آخرون قد ينحدرون من قبائل يهودية قديمة أسلمت.
و يعتبر دادّا عطا جدّهم الذي يحملون اسمه، أحد أقارب أو مريدي الشريف الإدريسي مولاي عبد الله بن حساين، و قد تمكنت هذه الشخصية الصوفية (أي دادّا عطا) خلال القرن 16 أن تجمع تحت كنفها قبائل رحّل أمازيغية تطابقت مصالحها و حاجياتها. "
و في معرض حديثه عن أيت عطا، يقول مارمول كارباخال في كتابه "إفريقيا" الذي نشر سنة 1571 : " و لكنهم شجعان و لهم جياد قوية يطعمونها الثمور لقلة الشعير، يسكنون بين النخيل التي تمثل موردهم الرئيسي، و يجاورهم بربر آخرون (سكتانة) و (آيت واوزكيت) و كلهم أتباع الشريف "
هجرة استثنائية في تاريخ المغرب، تلك التي قامت بها قبائل أيت سدرات النازحة من الشمال (فاس) في اتجاه الجنوب (دادس) و التي تفنذ المقولة التي تفيد بأن القبائل المغربية تتتجه دائما نحو الجنوب. نزحوا من فاس، باعتبارهم من مبايعي ادريس الأول سنة 172هـ/789 م كما يتفق في ذلك كل المؤرخين، في اتجاه الجنوب و بالضبط منطقة دادس و ذلك بزعامة/برفقة/بدعوة من الشريف الإدريس أبو عمران، فحطّت بهم الرّحال في واد دادس. قبيل وصولهم إلى المنطقة التي تسمى حاليا ب " أيت سدرات نيغيل " أو أيت سدرات الجبل، أشار بعض أتباع أبو عمران إليه بوجود قبيلة يهودية بالمنطقة فأجابهم بقوله " تِيلْيِتْ " أي فلتكن ! و هي الكلمة التي مع التداول أصبحت تُنطق " تِيْلِيتْ ". هذه القبيلة متواجدة حاليا على تراب قبيلة " أورثكيين " على الضفة اليمنى لواد دادس.
لم يستمر استقرار هذه القبائل بعالية دادس (أيت سدرات نيغيل) فاضطروا إلى النزوح مجدّدا نحو دادس الأوسط حيث أقاموا قصورهم "تقبيلين"، و هي الرحلة التي اختلف فيها الكثير من المؤرخين. منهم من قال أنها محاولة للبحث عن أراضي زراعية و رعوية شاسعة لتغطية النقص الذي يعانونه في عالية دادس، و منهم من دهب إلى القول بأن نزوحهم ما كان إلا استراتيجية سياسية لتضييق الخناق على قبائل بنو معقل المستقرة بالمنطقة المسماة حاليا " سكورة " لمنعهم من التقدم نحو شمال المغرب، وإذا اعتمدنا على ما أورده جورج كوفرور و الذي تزكيه الرواية الشفوية المتداولة في المنطقة فالشريف الإدريسي مولاي باعمران هو الذي استقر بالمنطقة التي تحمل اسمه حاليا "أيت بعمران" في بداية الأمر و بعد ذلك و بدعوة منه التحقت به قبائل سدراتة الزناتية الأصل بحكم أن هذه القبائل بايعت الأدارسة كما أشرنا إلى ذلك سابقا.
بالإضافة إلى هذه المعطيات، هناك مؤشر آخر يتعلق بكلمة " أزلَيْ " أو " أزلايْ " التي تنطق حاليا " أزلاك " و هي اسم قبيلة من دادس الأوسط، مقابلة لقبيلة أيت بعمران على الضفة اليسرى لواد دادس. أصل هذه الكلمة هو الكلمة الأمازيغية " أَزْلْيِ " التي تعني اليسار، و إذا أخدنا بعين الإعتبار أن المولى أبو عمران قدم إلى دادس عبر الضفة اليمنى لواد دادس، و هو ما يؤكده اكتشاف موقع قبيلة " تيليت " اليهودية المتواجدة في نفس الضفة، يمكن أن نخلص إلى القول بأن تسمية هذه القبيلة (أزلاي) بهذا الإسم جاء بعد دعوة من الشريف الإدريسي أتباعه باكتشاف الضفة اليسرى، و هو الأمر الذي يتقاطع مع رواية شفوية أخرى مفادها أن كلمة " أزلاي " كان أصلها الجواب الذي أعطاه أبو عمران لأتباعه، إبان نزوحهم نحو سافلة دادس، بعد أن سألوه إن كان مكتفيا بالإستقرار بالمنطقة التي ذفن فيها و التي تحمل إسمه حاليا فأجابهم بقوله : " زْلْيَاتْنْ " أي توجهوا إلى جهة اليسار. و هذا المعطى يتفق مع ما أشرنا إليه سابقا في ما يتعلق بالهدف من وراء هذه التحركات على طول و عرض واد دادس (البحث عن أراضي زراعية و رعوية، تضييق الخناق على قبائل بني معقل..) و إن كان كل هذا صحيحا فهناك سؤال تستعصي الإجابة عليه في ظل المعلومات المتوفرة حاليا و هو السبب من وراء اختيار موقع أيت بعمران بالضبط ؟
مع أن ظروف الاستقرار بالمنطقة ضلت غامضة إلا أن مجموعة من الممارسات الاجتماعية التي حافظ عليها السكان لا زالت تحمل في طياتها ذكريات عن تاريخ المنطقة. نتحدث هنا بالخصوص عن موسم أيت بعمران الذي يقام بموازات مع احتفالات عاشوراء، والذي ترافقة بعض التقاليد و العادات التي لا يمكن فهمها و تأويلها إلا من داخل إطار الثقافة الأمازيغية التي شكلت نقطة التقاطع بين معظم القبائل المتواجدة بالمنطقة. و من بين هذه التقاليد الذبيحة التي تقدم لسكان زاوية مولاي بعمران من قبَل زاوية إيماسين خلال نفس الموسم. فإذا ما رجعنا إلى مفهوم الذبيحة في الثقافة الأمازيغية نجدها تندرج ضمن الأعراف القبلية (إزرفان، و هي مجموعة من الشرائع و النظم التي تهدف إلى ضمان الحقوق وحفض الأمن وفض النزاعات والحكم في نوازل المخالفات و لها تمضهرات عديدة) أو القوانين المنضمة للعلاقات بين الأفراد و الجماعات.
في إطار البحث عن أصل هذا العرف (الذبيحة) بين زاويتي أيت بعمران و إيماسين يمكن التوصل إلى احتمال وارد نظرا لعلاقة النسب التي تربط زاوية إيماسين بزاوية أيت بعمران كما يوضح ذلك محمد حمام في كتابه " جوانب من تاريخ وادي دادس و حضارته " إذ يقول في معرض حديثه عن قصور زاوية إيماسين : " و عددها سبعة و هي : قصر أيت محمد، قصر إفران، ... ثم القصر القديم،... و هذه القصور هي قصور الشرفاء البوعمرانيين الذين ينحدرون من سلالة أبي عمران أحد أحفاذ المولى إدريس. "
فإذا أخذنا بعين الإعتبار تعريف الدبيحية في العرف الأمازيغي و هي الفعل الذي يدخل فيه من أقدم عليه تحت الحماية الأبدية لرجل أو قبيلة، كما أشار إلى ذلك محمد بوكبوط في تعليقه على كتاب سبيلمان الذي ذكرناه سابقا، يمكن أن نخلص إلى أن الذبيحة التي يقدمها إيماسين في موسم أيت بعمران ما هي إلا تعبير عن ديمومة الصلة الدموية التي تربط شرفاء أيت بعمران بشرفاء إيماسين، و هو الإستنتاج الذي يزكيه تعريف كوتيي لروح العشيرة إذ يقول في كتابه " Les siècles obscurs du Maghreb " : العشيرة (العشيرة = إغص) هي جماعة إنسانية من الأجيال تعتبر بمعزل عن جوهرها الإقليمي عرقا أو جنسا بيولوجيا، أما روح العشيرة فهو امتداد لروح العائلة و كبرياء جنس، و يتعلق الأمر بالدم لا بالأرض ". و يبقى موقع إيماسين مطروحا أمام التساؤل، ولا يستبعد أن يكون محاولة من قبائل أيت سدرات لمراقبة الحدود بينها و بين قبائل إمغران (هسكورة)، كما قد يكون نتيجة الزّحف على حساب المجال الجغرافي لهذه القبائل.
و للحكاية بقية إن شاء الله.
أعتذر أومّا عبد الحقّ عن التأخّر و سؤالك سينال حقه من الاهتمام بطبيعة الحال، تماطلي ليس إهمالا و لكنه تأسيس لجواب مقنع.
و كل بحث عن تاريخ دادس و أنتم بخير.
العمراني عبد العزيز- الوسام البرونزي
-
عدد الرسائل : 307
تاريخ الميلاد : 19/08/1982
العمر : 42
الدولة : المغرب
المدينة : مدينة الورود
رقم عضويه : 879
الأوسمة :
الدولة :
احترام قوانين المنتدى :
رد: حكاية قبّة خضراء
بعد الوقوف على ما يقع في ضريح أو زاوية المدعو " مولاي بعمران" و على حقيقة ما يدّعي المنتسبون إليها، فالزاوية منذ إنشائها إلى أوئل التسعينات كانت تجمع بين المسجد و الضريح في آن واحد. و حكم الصلاة في المساجد التي بها أضرحة هو كالتالي:
"المساجد المبنية على القبور لا يُصلّى فيها ، سواء كان المقبور فيها من الصالحين أم من غيرهم ، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم ، نهى وحذّر منه ولعن اليهود والنصارى على ذلك ، كما في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد " . وفي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها أن أم سلمة وأم حبيبة – رضي الله عنهما – ذكرتا للنبي صلى الله عليه وسلم كنيسة بأرض الحبشة وما فيها من الصور ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "أولئك إذا مات فيهم الرجل الصالح بنوا على قبره مسجدا وصوروا فيه تلك الصور أولئكِ شِرار الخلق عند الله ". وخرّج مسلم في صحيحه عن جندب بن عبدالله البجلي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد ، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد فإني أنهاكم عن ذلك". فهذه الأحاديث الصحيحة وما جاء في معناها كلها تدل على تحريم الصلاة بالمساجد التي بها قبور ، ولَعْن من فعل ذلك ، وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم من حديث جابر أنه " نهى عن تجصيص القبر والبناء عليها والقعود عليها " .
فالواجب على ولاة أمر المسلمين في جميع الدول الإسلامية أن منعوا البناء على القبور واتخاذ مساجد عليها ، كما يجب عليهم أن يمنعوا تجصيصها والقعود عليها والكتابة عليها عملاً بهذه الأحاديث الصحيحة ، وسدًّا لذرائع الغلو في أهلها والشرك بهم . نسأل الله أن يوفق ولاة أمر المسلمين لما فيه صلاح العباد والبلاد وأن ينصر بهم دينه ويحمي بهم شريعته مما بخالفها ، إنه سميع مجيب .الشيخ ابن باز
و لا يسع المقام لذكر ما يحدث في الضريح من أعمال شركية و عبادة غير الله عز و جل.
و قولك أن "الشرفاء في غالب الأحيان لم تكن تربطهم بالزاوية إلا عملية النشأة، حيث كانوا من وراء تأسيس هذه الزوايا"
فالجواب على هذا هو قول الله تعالى:
۞وَالَّذِينَ اتَّخَذُواْ مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِّمَنْ حَارَبَ اللّهَ وَرَسُولَهُ مِن قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ الْحُسْنَى وَاللّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ﴿107﴾لاَ تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا لَّمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُواْ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ﴿108﴾أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَم مَّنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَىَ شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴿109﴾لاَ يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ الَّذِي بَنَوْاْ رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ إِلاَّ أَن تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴿110﴾۞ سورة التوبة. صدق الله العظيم.
إذا ما سألنا أحدا منكم عن دواعي تأسيس هذا الضريح فالجواب الوحيد الذي نسمعه هو (لعبادة الله، و إيواء طلبة العلم "المسافرين"، و...) نقط الحدف هذه يجب ملؤها، الشئ الناسب لها هو "عبادة (مولاكم باعمران)" و سؤالي لكم ولآبائكم هو هذه الآيات الكريمات، الواضحات و الفاضحات لأمركم، يقول الله تعالى:
۞ أمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنزَلَ لَكُم مِّنَ السَّمَاء مَاء فَأَنبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَّا كَانَ لَكُمْ أَن تُنبِتُوا شَجَرَهَا أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ﴿27/60﴾أَمَّن جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَارًا وَجَعَلَ خِلَالَهَا أَنْهَارًا وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ﴿27/61﴾أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاء الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَّا تَذَكَّرُونَ﴿27/62﴾أَمَّن يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَن يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ﴿27/63﴾۞ سورة النمل. صدق الله العظيم.
و هذا جزء من حلقة " إياك نعبد " من برنامج " دمعة موحد" لكل من لديه شك في مثل هذه الأمور.
ABOU YASSIR- شكر و تقدير
-
عدد الرسائل : 18
تاريخ الميلاد : 15/06/1970
العمر : 54
الدولة : المغرب
المدينة : قلعة مكونة
الدولة :
احترام قوانين المنتدى :
و للحكاية بقية..
السلام عليكم ورحمة الله تعالى و بركاته
بسم الله الرحمان الرحيم
شكرا للعضو أبو ياسر على التعقيب، مع أنني جزمت على عدم الردّ على أصحاب الأسماء المجهولة ! إلا أنني سأتجاوز ذلك نظرا لما أوردتَه من آيات كريمات. يقول سبحانه و تعالى في سورة المائدة :
" و إذ قال الله يا عيسى بن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني و أمّي إلهين من دون الله قال سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحقّ إن كنت قلتٌه فقد علمته تعلم ما في نفسي و لا أعلم ما في نفسك إنك أنت علّام الغيوب. ما قلت لهم إلا ما أمرتني به أن اعبدوا الله ربّي و ربَّكم و كنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم فلما توفيتني كنتَ أنت الرّقيبَ عليهم و أنت على كل شيء شهيد."
في نظرك أبو ياسر، هل كان أمر سيدنا عيسى عليه السلام خفيا على الله سبحانه و تعالى لكي يطرح عليه هذا السؤال و هو الذي لا يخفى عليه شيء في الأرض و لا في السماء !!؟ أكيد أن الجواب هو النفي، إذا ما الحكمة من وراء ذلك ؟ الحكمة هنا أخي أبو ياسر هي أن الله سبحانه و تعالى يعلمنا أدب الحوار مع الآخر كما يوجهنا إلى طرح السؤال قبل إصدار أحكام مسبقة. و هنا أنا أرحّب بأسئلتك (إذا رافقها اسمك الشخصي) فإن أجبناك بما يتعارض مع سنة الله و سنة رسوله صلى الله عليه و سلم، عندها يمكنك أن تحكم على أفكارنا وفق ما يمليه عليك فكرك. و قبل أن تدرج آيات بينات أخرى أخي أبو ياسر فتضعها في غير محلها و تشرحها بخلاف معناها، أتمنى أن تتمعّن في قوله تعالى :
" وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولـئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً " [الإسراء : 36].
تحياتي مجدّدا.
العمراني عبد العزيز- الوسام البرونزي
-
عدد الرسائل : 307
تاريخ الميلاد : 19/08/1982
العمر : 42
الدولة : المغرب
المدينة : مدينة الورود
رقم عضويه : 879
الأوسمة :
الدولة :
احترام قوانين المنتدى :
رد: حكاية قبّة خضراء
إن إرادة التغيير تقتضي أيضا إدارة التغيير، و هذه الأخيرة تتطلب نظرة إيجابية إلى الأمور. ليست تلك النظرة التي تجعلنا نستسلم لواقعنا و نرضى به، بل تلك النظرة التي تسمح لنا بتمييز الصالح من الطالح، المفيد من المضر، الطيب من الخبيث و في موضوعنا هذا فهي تلك النظرة التي تسمح لنا بتمييز ما هو ثقافي عما هو وثني. ليس كل من يملك إرادة قوية في التغيير يجب أن يفعل ذلك ! و إلا فماذا سيغير ؟ و ما هو المعيار الذي سيعتمد عليه ؟ و هل هذا التغيير يخصه لذاته أم أنه يشمل طبقات إجتاعية أخرى ؟ و ما إذا كانت هذه الأخيرة توافقه و تتكافأ معه في إرادته أم أنها ليست كذلك ؟ لنأخذ هنا على سبيل المثال لا الحصر " الذبيحة " التي أشرنا إليها أعلاه، فهل كانت عملا وثنيا أم أن نظرتنا القاصرة إليها و التي لم تأخذ بعين الإعتبار تاريخ و ثقافة المنطقة هي التي جعلتها كذلك ؟ هل القضاء على هذه الممارسة، أو تغييرها في أحسن الأحوال كان ليخدم ثقافة دادس ؟
عندما أشرنا إلى أن موسم أيت بعمران ما هو إلا موسم تشاوري بين قبائل المنطقة للاتفاق على حل لمشكلة المياه الزراعية التي تتناوب عليها، ألا يمكن أن ندرج كل الدعوات المنادية بإيقاف هذا الموسم ضمن الممارسات المجحفة في حق تاريخ هذه القبائل ؟ لنعود هنا إلى الأسئلة الجوهرية التي طرحناها آنفا، من سيغير و ماذا سيغير و على أي معيار سيعتمد ؟ و هنا لا يجب أن نغفل عن التساؤل الأهم، هل المجتمع الذي سيطاله هذا التغيير على أهبة الاستعداد لهذه العملية و هل سيتقبلها أصلا ؟ تساؤل نطرحه و نحن نستحضر ردة فعل هذا المجتمع عندما حاولنا تغيير المكان (إمي نوشعبو) الذي كانت تقام فيه احتفالات موسم أيت بعمران لإبعاده عن ضريح مولاي بعمران إلى وجهة أخرى (دّاو إفسْران)، تساؤل نطرحه أيضا و نحن نتذكر كيف تجاوبت النساء مع بعض أبناء أيت بعمران الذين حاولوا منعهنّ من الدخول إلى الضريح !
ماذا يحدث إذن ؟ هل عرفنا ميكانيزمات التفكير لذا هذا المجتمع و هل قمنا بدراستها حتى يتأتى لنا أن نملي عليه حلولا من هذا القبيل أو ذاك ؟ هل حاولنا فهمه أولا ؟ هل عرفنا تاريخه و حضارته أم أننا نريد قطع صلته بالماضي لندفع به في عجلة الزمن نحو مستقبل بدون هوية و لا تاريخ ؟ أسئلة تدفعنا إلى ضرورة حسن تدبير و إدارة التغيير، لأن كل إرادة في التغيير لا تأخذ بعين الاعتبار تاريخ مجتمع معين و لا أنماط سلوكه و لا ضروب أفكاره لن يكون نتيجتها إلا الفشل، فلا أفراد ذلك المجتمع سيساهمون في نموها و لا بيئتهم ستساعد على ذلك.
تعدّ زاوية مولاي بعمران أول زاوية ثم تأسيسها على أرض دادس، و هذا ما نستشفة من خلال الوثائق التاريخية التي تصف شرفاء أيت بعمران بالشرفاء الأصليين. بعدها تأسست زوايا دينية أخرى بالمنطقة حاملة مشعل الدعوة إلى الله، وعلى سبيل المثال لا الحصر زاوية "واد سفال" التي تأسّست على يد "سيدي الحاج أحمد بن سيدي محمد بن ادريس الثاني" الذي قصد المنطقة قادما من مراكش بعد استكماله لدراسته هناك ملتحقا بأبناء عمّه عمران الذي كان له الفضل في حمل رسالة الإسلام إلى دادس.
لم تكتفي هذه الزاوية منذ نشأتها بنشر رسالة التوحيد و الدّعوة إلى الله، بل تجاوزت ذلك لتلعب دور مؤسسة اجتماعية حيث استقبلت الفقراء و المُعوزين كما شكّلتْ مقصد عابري السبيل، و لعبت دور الحكامة بين القبائل نظرا لحيادها، كما وفرت الأمن للقوافل التجارية المتنقلة بين تافيلالت، مراكش و درعة نظرا للموقع الإستراتيجي لدادس، نقطة تقاطع هذه الطرق التجارية. هذا المعطى الأخير لعب دورا مهما في نجاح موسم أيت بعمران إذ شكل وجهة تقصدها كل القوافل التجارية، كما ساهم أيضا في خلق روابط وطيدة بين هذه القبيلة و بعض القبائل الأخرى، بالأخص منها قبائل إمكون و قبائل درعة العليا، دون أن نغفل مساهمته كذلك في تنوع النسيج الإجتماعي للمنطقة.
كلها معطيات أضفت على زاوية مولاي بعمران رمزيّة ميزتها عن باقي الزوايا المتواجدة على جنبات واد دادس، رمزية فرضت على سكان دادس التعامل معها بطريقة خاصة، فأبدوا لها الاحترام و التقدير كما جعلوها مقصدا لحلّ مشاكلهم و لقضاء حاجاتهم، هذا بالإضافة إلى كونها منبع علوم الدين و مهد مبادئ التصوف التي تولى مهمتها المرابطون نظرا لنفوذهم الديني كما أسلفنا الذكر.
باعتبار المجتمع الدادسي مجتمع زراعي بامتياز، و لكون هؤلاء العلماء (إكرامن) قدموا إلى المنطقة في فترة متأخرة عن إنشاء الزاوية، لم تكن لهم (العلماء) أراضي زراعية لاستغلالها كما لم يمتهنوا بقية الحرف، ما حدا بسكان دادس إلى تخصيصهم بأعطيات و هدايا (الحبوب و القطاني و ما إلى ذلك من ضروريات العيش) لتمكينهم من مواصلة تلقين علوم الدين داخل الزاوية. ولا يستبعد أن تكون بعض الأراضي الزراعية (إيْرَانْ نْ لْجَامْعْ) من بين ما قدّم لهم، إذ يتم استغلالها من طرف أحد السكّان ويعود جزء من المنتوج الزراعي إلى الزاوية.
أعطيات بشكل وفير، شكلت المادة الخام التي اعتمدت عليها الزاوية في مباشرة أعمالها الاجتماعية، من نفقة و إيواء للفقراء و المحتاجين و استقبال لعابري السبيل، و هو ما نجده مجسدا على مستوى المثل الدادسي الذي يقول " ترْزْم الزّاوِيتْ"، و المتداول بكثرة في المناسبات التي يكثر فيها الطعام و الشراب (الأعراس غالبا). كلها أعمال اجتماعية تدخل ضمن ما يصطلح عليه حاليا بمفهوم " الرعاية الاجتماعية " التي تعبر عن التضامن الاجتماعي بعيداً عن كونها مكرمة أو صدقة، و لم تكن لتتبلور لولا السّخاء الذي تميّز ولا زال يتميز به سكان دادس، هذا بالإضافة إلى كون قبائل واد دادس تدخل ضمن الأوساط القبلية المعتمدة على التكتل و التكافل الإجتماعي في علاقاتها مع بعضها البعض.
قيم اجتماعية قوية من هذا القبيل، كانت كفيلة بترك تراكمات عديدة على مستوى الذاكرة الشعبية الجماعية لدادس. من بين هذه التراكمات ما يصطلح عليه ب "البركة"، مفهوم لا يمكن صياغة تعريف له دون إحاطة كافية باستعمالاته في المنطقة قيد الدراسة. و عندما نحاول جرد هذه الاستعمالات من قبيل ما تعبر به المرأة عند تحضيرها للطعام (الكسكس خصوصا) بقولها "دايْتبِيرِيكْ" أو " إبارك ديس ربي" بمعنى أنه مع قلته إلا أنه تكاثر و كفى الجميع. تمثل آخر لهذا المفهوم نجده في دعاء الجدّة أو الجدّ لأبنائهما عندما يقولان " أدّيوُونْ إبارك ربّي "، أي أكثر الله من أمثالكم. كما نشير هنا إلى استعماله أيضا يوم عاشوراء حيث يسمى هذا اليوم ب " أسْ نْ لبركة "، و على خلاف المثالين السابقين فهذا التمثل الأخير لمفهوم " البركة " يفيد الصّدقة و ليس الكثرة. خلاصة القول هنا أن مصطلح البركة على الأقل في دادس يفيد الصّدقة و الكثرة التي تنتج من القلة، كما لا ننفي المفهوم الذي أتخذه في وقت متأخر من إنشاء الزاوية و الذي يفيد أنه " دليل سحري أو ديني على صحّة النسب الشريف أو الانتماء إلى سلالة الصلحاء. وهاته البركة تؤدي إلى وفرة الثروات الزراعية وتكاثر النسل الحيواني والإنساني !! و نلاحظ هنا تقاطع كل الأمثلة المدرجة على مستوى كلمة " الكثرة ".
هذا التعريف الأخير يدفعنا إلى صياغة أسئلة عن هذا المفهوم (البركة). ما علاقة البركة إذن بالزاوية ؟ لماذا ارتبط هذا المفهوم بالشرفاء ؟ هل مفهوم البركة يلزم الشرفاء لوحدهم أم أنه يخص فئات اجتماعية أخرى ؟ لماذا يذهب انسان دادسي إلى رفات قبر لطلب البركة منه وهو يعرف أنه لا يملك لنفسه جزاءا و لا شكورا ؟ عندما يذهب أحدهم على قدميه و بمحض إرادته إلى ضريح مولاي بعمران للتوسل إليه على سبيل المثال، فمن هو المذنب هنا، أيت بعمران أم صاحب القبر أم يا ترى الإنسان القادم للتوسّل ؟ هذا السؤال الأخير يحمل إجابة واضحة، إلا أنها ستكون خاطئة على كل حال لأن السؤال مغلوط من أساسه و هو يتعارض مع النظرة التي ذكرنا آنفا بأنها يجب أن تكون إيجابية، من أجل البحث عن إجابات مقنعة. الأنسب إذن أن نتساءل، لماذا يذهب هذا الإنسان للتوسل من قبر؟ عوض إصدار أحكام تصفه بالمذنب أو غير ذلك.
و أنا أبحث عن هذا المفهوم (البركة) و ما إذا كان يلزم الشرفاء لوحدهم، استوقفتني قصة ضريح بجبل صاغرو حيث يوجد قبر الولي "الصالح" خويا ابراهيم في منخفض امساعدن أسفل جبل بوكافر، تقول الرواية أن الرجل بينما كان يجوب جبال صاغرو لمح امرأة حاملا متعبة ، وقد تركت في حظيرة مهجورة، ترمي قطع جلد قديم في النار و تأكلها لتطفي رغبتها المحلة في تناول الطعام، رق "خويا ابراهيم" لحالها فعاد يبحث لها عن طعام. تقول الرواية الشفوية أن الرجل سرق خروفا و جاء به إليها. ذبحه و كلما طها منه جزءا إلا و قدمه لها من كوة الحظيرة دون أن ترى وجهه، فلما شبعت تمتمت له بدعوات صالحة فظهرت كرماته في حياته. عندما توفي هذا الرجل دفن في منخفض امساعدن و بنت له قبائل أيت عطا ضريحا بسيطا و دأبت على زيارته و التبرّك به خاصة أيت بوداود.
مع ميول هذه الرواية إلى الأسطورة و بعدها عن المجال الجغرافي لدادس، إلا أننا سنعتمدها نظرا لما تختزنه من حمولة ثقافية، كما أن احتكاك أيت عطا بأيت سدرات يتيح لنا امكانية تعميم مفهوم "البركة" و نظرة الناس إليه في هذه المناطق. من هنا إذن يمكننا التوصل إلى أن مفهوم "البركة" ليس مرتبطا بالشرفاء لوحدهم بل بكل انسان فاعل للخير متشبع بخصال الّزهد و الصّلاح، و هي النقطة التي تختلف فيها "البركة" عن "الشرف". فالأولى لها علاقة بأخلاق الشخص و قيمه الاجتماعية، بينما الثاني فهو مرتبط بنسبه، و منه فنحن نقول "النسب الشريف" و ليس "الإنسان الشريف"، بمعنى أن هذا النسب صادق و حقيقي إلى آل البيت. إلا أن الاستعمال المتداول لهذا المصطلح كما أن ارتباطه بالمنحدرين من هذا البيت جعل الناس يستعملونه لتمييز هؤلاء عن غيرهم. و منه تجدر الإشارة إلى الحذر من تفخيم هذه المصطلحات، فوصف فئة اجتماعية ب "الشرفاء" لا يعني أن بقية خلق الله "لقطاء" !! كما أن وصف فئة اجتماعية أخرى ب "الأمازيغ" أي " الأحرار" لا يعني أن بقية خلق الله "عبيد" !!، و نفس القول ينطبق على اليهود الذين يصفون أنفسهم ب "شعب الله المختار" و إلا فما تبقى من البشريّة هم "شعب الله المنبوذ" و العياذ بالله.
في التتمة القادمة إن شاء الله سأعرض للأسئلة التالية :
ما علاقة البركة بالزاوية ؟
من الأسبق، مفهوم البركة أم الزاوية ؟
لماذا ارتبط هذا المفهوم بالشرفاء ؟
ما أصل الهدايا التي تقدم لزاوية مولاي بعمران ؟
كل بحث عن تاريخ دادس و أنتم بخير.
العمراني عبد العزيز- الوسام البرونزي
-
عدد الرسائل : 307
تاريخ الميلاد : 19/08/1982
العمر : 42
الدولة : المغرب
المدينة : مدينة الورود
رقم عضويه : 879
الأوسمة :
الدولة :
احترام قوانين المنتدى :
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى